د خالد وصيف يكتب: الفلاح المصرى هو قائد ثورة يوليو 1952
خبير موارد مائية
لولا الفلاح المصرى لظلت يوليو حركة انقلاب على الحكم الملكى مثلها مثل كثير من الحركات العسكرية التى وقعت فى النصف الثانى من القرن العشرين
حينما القى اليوزباشى انور السادات بيان الجيش فى صباح يوم 23 يوليو عام 1952 لم يكن يدور فى خلده. او فى خلد اى من قواد الحركة انهم يقومون بثورة كاملة الاركان. تغير نظاما ملكيا حكم مصر مائة وخمسين عاما. وتغير من ملكية وسائل الانتاج بما يتيح فرصة واسعة لطبقة الفقراء والمهمشين فى مصر ليحيوا حياة كريمة. وبعد رحيل الملك فاروق وقعت وسائل الاعلام فى حيرة فى توصيف ما قام به الضباط. مما استدعى ان يجتمع الضباط لمناقشة وضع اسم لما قاموا به. كان اقتراح اللواء محمد نجيب ان يكون اسمها “وثبة” وقال آخرون نسميها “وثبة” ثم استقر الرأى ان يطلقوا عليها “حركة”. استغرق الامر اكثر من اربع سنوات لتتحول حركة الجيش، المباركة. كما كان يطلق عليها خلال السنة الاولى. الى ثورة كبيرة زلزلت البنيان الاجتماعى فى مصر وغيرت خريطة الشرق الاوسط بكامله.
ماذا حدث لتتحول الحركة الى ثورة ؟
نعود 65 عاما للخلف لنتأمل الشعب المصرى. شعب فقير بائس يعيش فى بلد محتل وتحت حكم ملك لاحول له ولاقوة يتحدث فى خطاب العرش عن مشروع لمكافحة الحفاء. حي اكن اغلب المصريين يسيرون بدون حذاء بسبب الفقر. وحكومات تكونها احزاب احترفت تشكيل الوزارات واسقاطها. تلقى الشعب اخبار حركة الجيش بفرح فاجأ قادة الثورة انفسهم الذين اكتشفوا ان النظام كله متداعى الاركان ولم يحتاج الى جهد كبير ليتم عزل الملك وحل الاحزاب السياسية. بدأت ثوار يوليو بوضع قوانين الاصلاح الزراعى التى اتاحت القضاء على الطبقة الاقطاعية التى كانت تحكم مصر من خلال الاحزاب. وابناء هذه الطبقة نفسها هاجر اغلبهم للخارج او انزوى الباقين فى نوادى القاهرة وعلى سواحل الاسكندرية يمضون وقتهم فى اجترار ذكريات الماضى وفى انتظار سقوط النظام الجديد. بعد صدور قوانين الاصلاح الزراعى تبددت كثير من الهواجس التى شغلت المصريين وباعدت بينهم وبين تأييد حركة الجيش. كتلة ضخمة من فقراء الفلاحين انتقلت لطبقة الملاك لاول مرة فى تاريخها.
بعد قوانين الاصلاح الزراعى، بدأت فكرة بناء السد العالى فى الطرح امام الضباط الشباب الذين تحمسوا لها بشكل دفعهم لمواجهة مؤامرات تعطيل تمويل مشروع السد بالقيام بتأميم شركة قناة السويس. ساعدت الظروف العالمية وقتئذ فى تحقيق نصر سياسى كبير على التحالف الثلاثى من بريطانيا وفرنسا واسرائيل. ليتحول السد العالى من مشروع هندسى الى رمز سياسى لنظام الحكم الجديد الذى سعى من خلاله للتأكيد على استقرار القرار الوطنى وعلى انحيازه الى طبقة الفلاحين والمهمشين فى مصر. فى عام 1956 تحديدا . وبعد الانتصار السياسى المصرى تحولت حركة الجيش الى ثورة حقيقية لها انحيازات طبقية اكدتها بمشروع السد العالى وبقوانين الاصلاح الزراعى. ولها اهدافها السياسية التى تقوم على استقلال القرار الوطنى.
وبالرغم من ان ثورة يوليو لم تكن الاولى فى منطقتنا. فقد سبقتها حركات عسكرية متوالية فى سوريا بدءا من 1947. وتلتها ايضا حركات عسكرية متعددة فى العراقبدءا من 1958 شهدت اراقة كثير من الدماء. لكن يوليو بانحيازها للفلاحين كانت مختلفة. وبحرصها على حقن الدماء وتجنب مواجهات تؤدى الى ضحايا كانت رائدة. ونتذكر ان الرئيس السادات قد اطلق على معركته السياسية مع خصومه فور توليه الحكم فى 1971 ثورة مايو. وظل يحتفل بها كل عام حتى استشهاده فى عام 1981. وسقطت ثورة مايو من ذاكرة المصريين ولم يبق منها سوى اسم الكوبرى الواسع الذى يصل ما بين جسرى النيل بالقاهرة.
يوليو فقط هى من حفرت لها مجرى واسع فى ذاكرة المصريين. هذا المجرى استطاع ابتلاع كثير من الشوائب والهنات التى جرت مع تيار المجرى العام. غفر المصريون للثورة عزلها المبكر للواء محمد نجيب الذى كانوا يعشقونه. وغفروا لها كثيرا من التجاوزات التى طالت المعارضين من كافة الاتجاهات خلال تلك الفترة. ارتضى المصريون العيش تحت عبائة نظام سياسى مغلق بدون احزاب تطرح برامج تنافسية وافكار ورضوا بفكر واحد حينما استشعرت الاغلبية من الفقراء انه يعمل لصالحهم. كما رفضوا هزيمة عام 1967 وخرجوا للشوارع يؤكدوا على الاستمرار فى الاستعداد للمعركة. كما كانت طبقة الفلاحين هى شريان التغذية الرئيسى للجنود البسطاء فى حربى 67 و73. وهم ايضا من كسروا بمعاولهم صخور جبال اسوان اثناء بناء السد العالى
كانت يوليو واضحة فى انحيازها للفلاحين ولو على حساب باقى الطبقات . وظل الفلاحون مخلصين لثورة يوليو حتى بعد مرور 65 عاما على قيامها