الأخبارحوارات و مقالات

د محمد داود يكتب: إعادة إستخدام مياه الصرف الصحي المعالج في مصر: الآفاق والمحددات

أستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه ومستشار الموارد المائية – أبوظبي

 

النمو السكاني والتوسع العمراني والتلوث والموارد المائية المحددوةوتأثيرالتغيرات المناخية المتوقعةكلها عوامل تؤدي إلي زيادة الضغط على مواردنا المائية الشحيحة في المستقبل القريب والبعيد. لذا كان لزاما علينا التفكير في زيادة كفاءة إستخدام مواردنا المائية من خلال إعادة تدوير المياه ولا سيما إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالج كأحد البدائل الهامة والضرورية في المرحلة القادمة وذلك لأسباب عديدة منها أذكر منها:

أولاً: مياه الصرف الصحي المعالج هي مصدر متجدد ويتزايد بشكل سنوي نتيجة زيادة معدلات  النمو السكاني.

ثانياً: يجب التخلص من هذه الكميات المتزايدةمن مياه الصرف الصحي المعالج أو غير المعالجسواء بإعادة الإستخدام أو بتصريفها في البيئة. غير أنعمليه التخلص من مياه الصرف الصحي مشكلة كبرى في كثير من المناطق ، ولا سيما إذا لم يكن هناك مساحة أو بيئة مناسبة للتخلص من هذه المياه.

ثالثاً: الآثار البيئة والإقتصادية الناجمة عن التخلص من هذه الكميات ومعالجتها وتصريفها

لذلك تعتبر عملية إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة كلما كان ذلك مناسباً ومجدياًأفضل الحلول للتقليل من تأثيرها السلبي على البيئةوزيادة الكفاءة الإقتصادية للتخلص من هذه المياه. ومع إعادة الإستخدام يكون قد تم اعتبار مياه الصرف الصحي كمورد إضافي للموارد المتاحة لاستخدامات إنتاجية محددة مثل الزراعة وإنتاج الأعلاف وري المتنزهات والحدائق والمساحات الخضراء أو إعادة شحن الخزانات الجوفية في المناطق المستنزفة.

ولكي نتعرف على مشكلة مياه الصرف الصحي في مصر علينا أن ننظر إلي الأرقام ونحللها بشكل جيد. وفقاً لأحدث الإحصائيات للعام 2015 فإنه يتم إنتاج ما يقرب من 8 مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي. ويصل عدد محطات المعالجة إلي 400 محطة تنتشر في جميع محافظات الجمهورية وتصل أطوال شبكات التجميع إلي أكثر من 45 ألف كيلومتر.وتشير الإحصائيات عن أن 80% من القرى المصرية محرومة بالأساس من الصرف الصحى، ولم تمتد لها أى يد بمشروعات حتى الآن. التصريحات الرسمية والتي تدعمها الأرقام تشير عن نية الحكومةلرفع نسبة تغطية القرى المصرية خلال العامين المقبلين بنحو 40%. وهو ما يعني أن نسبة 80% من السكان تقوم بالصرف على (ترنشات) غير معزولة مما يؤدي إلي عواقب بيئية جسيمة منها تلوث المياه الجوفية وإرتفاع مناسيب المياه الأرضية في هذه القرى والمدن حيث يسبب ذلك إضرارا جسيمة على المباني والبنية الأساسية من طرق وغيرها. ومن هذه المليارات الثمانية يتم معالجة فقط 3.8 مليار متر مكعب أي بنسبة تصل إلي حوالي 47% بينما يصل إجمال الكمية غير المعالجة إلي حوالي4.2 مليار متر مكعب بنسبة 53%. وتتراوح درجة معالجة مياه الصرف الصحي في مصر ما بين المعالجة الإبتدائية والمعالجة الثانوية وكمية صغيرة يتم معالجتهاثلاثياً (12.7% معالجة ابتدائية، و85.3% معالجة ثانوية، و2% معالجة ثلاثية). وتبلغ الطاقة الفعلية للمعالجة حوالي 10.64 مليون متر مكعب/يوم ( أي ما يعادل 3.88 مليار متر مكعب/ سنة).ويقدَّر نصيب الفرد من الصرف المعالج على مستوى الجمهورية بحوالي 125 لتر/يوم.وتعاني كثير من المحطات من أحمال إضافية تفوق سعتها التصميمية مما يؤثر بشكل مباشر على كفاءة المعالجة.

ناهيك عن عدم إستيعاب هذه المحطات للمياه التي يتم نزحها من الترنشات بسيارت كسح فيتم السماح لهم بتصريفها على المجاري المائية وخصوصا المصارف الزراعية مما له الكثير من العواقب الوخيمة على نوعية المياه بهذه المصارف وإرتفاع المياه بها بشكل يقلل من كفاءة هذه المصارف وعدم قيامها بالغرض المخصصة من أجلة بل ربما يعكس الوضوع فتصير هذه المصارف نتيجة إمتلائها بمياه الصرف الصحي مصدراَ لإرتفاع مناسيب المياه الأرضية في الأراضي الزراعية المجاورة وتطبيل مساحات كبيرة من هذه الأراضي الخصبة. وتشير الدراسات إلي أنه من المتوقع أن تصل كمية إنتاج مياه الصرف الصحي المعالج في مصر إلي حوالي 13 مليار متر مكعب بحلول العام 2030 مما سيشكل تحدياَ حقيقياًلمعالجة والتخلص من هذه الكميات بشكل آمن وإقتصادي.

وهناك بدائل كثيرة متاحة وممكنة فنياً وإقتصادياًومصر لها باع طويل في إعادة إستخدام مياه الصرف الصحي المعالج وغير المعالج. تعتبر الزراعة المروية هي أحدالاستخدامات المقترحة لمياه الصرف الصحي المعالج. وإعادة استخدام هذه النوعية من المياه لأغراض الري تمارس بشكل كبير في مصر ومنذ عشرات السنين غير أنها غير مقننة ويتم إستخدام مياه غير معالجة أحيانا في ري محاصي غذائية وخضروات مما يشكل خطرا على الصحة العامة. كذلك هناك الشحن في الخزانات الجوفية وخصوصاً المستنزف منها. وسوف أستعرض البدائل الممكنة لإعادة الإستخدام في مقال قادم والجدوى الفنية والإقتصادية لكل منها.

وهناك عدد من التحديات لإعادة إستخدام مياه الصرف الصحي المعالج في مصر نذكر منها:

  • التكاليف وتوافر الميزانية اللازمة حيث أن التكلفة الرأسمالية أو التشغيلية المطلوبة لتنفيذ شبكات التجميع ومحطات الرفع والمعالجة وشبكات التوزيع لإعادة الإستخدام عالية التكلفة. وهناك الكثير من البدائل التي يمكن النظر لها لتدبير التكاليف الرأسمالية أوالتشغيلية منها المنح من الجهات المانحة من خلال التفاوض مع عدد من الصناديق والمؤسسات الدولية التمويلية مثل البنك الدولى و«الأوروبى» وابنك الإفريقي والبنك الإسلامي وغيرها بهدف الحصول على قروض ومنح لصالح قطاع الصرف الصحىوإشراك القطاع الخاص أو الإنفاق الحكومي مع وضع تعرفة لمياه الصرف الصحي المعالجة لإستعادة التكلفة. وتتكلف معالجة مياه الصرف الصحي في الوقت الحالي إلي الدرجة الثلاثية ما يقرب من خمسة جنيهات مقارنة بحوالي خمسة عشر جنيها للتحلية. مما يجعله أقل تكلفة وأكثر عائدا في الإستخدام في الإنتاج الزراعي. وحالياً يواجه قطاع الصرف الصحي أزمة فى توفير التمويل اللازم لتوصيل المرافق للمناطق والقرى المحرومة وهى مبالغ قد تتعدى 100 مليار جنيه، وبالتالي فأنه وفقاً للموازنة التى أعلنت عنها الحكومة والتى خصصت فيها 4.7 مليار جنيه لمشروعات الصرف الصحى، فإن مصر تحتاج إلى أكثر من 20 عاماً لتغطية جميع المحافظات بشبكات الصرف الصحى طبعا إذا إستمر الحال كما هو عليه ولكن مع الزيادة السكانية فإن هذا الرقم سوف يتضاعف. والحل الأكثر مرونة يكمن فى إشراك القطاع الخاص لتنفيذ منظومة الصرف الصحى فى مصر ووضع بدائل إقتصادية تشجع المستثمرين من الدخول في قطاع الصرف الصحي في مصر.
  • تقبل المستخدمين لهذه المياه حيث ينظر الكثير من المستخدمين نظره من الحيرة والارتبالك من إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. وربما يعود ذلك لسوء الفهم وقلة المعرفة والإدراك الخاطئ بالاضافه للسياسات غير الواضحة من الدولة حيال نوعية المياه الخارجة من محطات المعالجة والإفتقار إلى القدرات المؤسسية لإدارة إعادة استخدام مياه الصرف الصحيبشكل عالي الكفاءة. غير أنه في ظل ندرة المياه وعدم وجود البدائل ترتفع نسبة تقبل المستخدمين لهذه المياه.
  • نوعية الزراعات التي يجب أن تزرع بهذه النوعية من المياه ويجب وضع معايير ومواصفات وإشتراطات محددة للإستخدام حسب نوعية المياه المتوافرة ودرجة المعالجة.
  • طرق الري المستخدمة للحفاظ على المنتج من أي تلوث وكذلك الحفاظ على الصحة العامة للعمال والمزارعين الذين يتعاملون مع هذه النوعية من المياه.

أن مشاريع جمع ومعالجة وإعادة توزيع مياه الصرف الصحي للإستخدام تحتاج إلي وقت للقيام بأعمال البنية ألساسية اللازمة لذلك لذا علينا البدء من الآن وبأقصي سرعة ممكنة حتى وبتخطيط جيد ووضع خطط محددة بجداول زمنية للتنفيذ ومؤشرات أداء لا تتفاقم المشكلة.

 

 

 

 

 

تعليق واحد

  1. with a best wishes for prof dr m dawwod and more succsufile in all scinces to improed the irrigation and waters
    u brother
    dr atallah abdel tawwab ahmed metwalli
    phone no 01022679599

زر الذهاب إلى الأعلى