د “أسامة سلام” يكتب “زمــــــــــــــــــــــزم”… إجابات العلم حول المياه المقدسة
مستشار تطوير مكة المكرمة سابقا
باحث بالمركز القومي لبحوث المياه
في هذه المقالة نحاول أن نلقي ضوء ولو بسيطا على الجوانب العلمية الخفية لبئر زمزم المباركة والتي تعتبر بحق أشهر بئـــــر مياه على مر التاريخ.
ولقد كان لي الشرف أن أعمل على هذه البئر كمتخصص في نمذجة الخزانات الجوفية أكثر من خمسة سنوات ولقد استعنت لإعداد هذه المقالة بعدد من الكتب والدراسات المنشورة وأهمها كتاب (زمزم طعام طعم وشفاء سقم) للدكتور يحيى كوشك وكذلك موقع المساحة الجيولوجية السعودية وعدد آخر من الدراسات والابحاث المنشورة.
وفقا لما ذكره المؤرخون، كانت بئر زمزم تستعمل منذ حوالي أربعة آلاف سنة، ماعدا بضعة فترات من الزمن عندما جَفّتْ البئر أَو طمرت،ويرمز البئرُ إلى موقعَ نبع تدفق صاعداً بشكل إعجازي مِنْ وادي قاحل في المكان الذي تَركَ النبي إبراهيم عليه السلام زوجتَه هاجر وابنهم الصغير إسماعيل عليه السلام. ففي بحثِها المستميتِ عن الماء، رَكضتْ هاجر سبع مرات ذهاباً وإياباً في حرارة الشمس المحرقةِ بين الصفا والمروة لجلب الماءِ لإسماعيل عليه السلام الذي كاد أن يموت من العطشِ. وبرحمة من الله، أرسلَ جبريل، الذي قَشطَ الأرضَ، ليخرج النبع. وعندما ظهر النبع، قامت هاجر مخافة أن ينفد الماء بتطويقه بالرمل والحجارة. ونشأ اسم زمزم من عبارة ” زُم زُم ” التي تعني ’ توقف توقف ‘ أمر كررته هاجر أثناء محاولتِها لاحتواء ماءِ النبع. وفيما بعد تحولت المنطقة حول النبع إلى بئر، ونمت ليصبح المكان في النهاية مدينة مكة ومسقط رأس النبي محمد عليه الصلاة والسلام. و لماء زمزم مكانة وفضائل كثيرة عند المسلمين، حيث أنه أولى الثمرات التي أعطاها الله لخليله النبي إبراهيم عندما رفع يديه وقال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ،(سورة إبراهيم: آية 37). كما أنه يعد من أعظم النعم والمنافع المشهودة التي ذكرت في القرآن: ﴿ليشهدوا منافع لهم﴾، (سورة الحج: آية 28). ومن الفضائل لماء زمزم خاصية الاستشفاء به، كما جاء في الحديث النبوي «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» وزاد غير مسلم «وَشِفَاءُ سُقْمٍ»
السمات الطبيعية لمنطقة بئر زمزم
لمعرفة الظروف الطبيعية للخزان الجوفي الذي يغذي بئر زمزم بالمياه لابد من سرد مبسط للظروف الطبيعية للمنطقة حيث يتميز مناخ مكة المكرمة بارتفاع كبير في درجات الحرارة وندره الأمطار ورياح غير نشطه نسبياً كما تلعب التضاريس دوراً هاماً في قسوة المناخ وتتغير بعض عناصر المناخ مثل سرعة واتجاه الرياح من موقع لآخر داخل مكة المكرمة. وتتمثل تضاريس مكة المكرمة في جبال من الصخور النارية والمتحولة وأودية مليئة برسوبيات الزمن الرابع. وتغطى الجبال 53% من مساحة مكة تقريباً بينما تغطى الأودية 47% تقريباً.ومنأشهر الأودية وادي إبراهيم – وادي الزاهر- وادي العزيزية -وادي منى – وادي محسر وهناك العديد من الشعاب ويعتبر وادي إبراهيم، وادي الزاهر من أهم المجاري المائية الطبيعية بالنسبة للبيئة المكية.ويعتبر حوض وادي إبراهيم من الأحواض الهامة والرئيسية بمكة المكرمة ويوجد به بئر زمزم. وتبلغ مساحة حوض التجميع بوادي إبراهيم حوالي 37,7 كيلومتر مربع ويبلغ طول الوادي من المعيصم وحتى بطحاء قريش حوالي 20 كيلومتر ويبلغ طول الوادي من المعابدة وحتى الحرم حوالي 1,9 كيلومتر ومن المسفلة حتى الحرم 3,4 كيلومتر ويتراوح عرضه مابين 40 و800 متر.
مصادر مياه بئر زمزم
بئر زمزم محفورة بالأيدي ويصل عمقه إلى حوالي 30.5 متراً، بقطر داخلي يَتراوحُ مِنْ 1.08 إلى 2.66متراً. وتم حفر الجزء الأعلى من البئر الذي يبلغ عمقه 13.5 متراً في الطمي الرمليِ لوادي إبراهيم، والجزء الأسفل الذي يبلغ عمقه 17.0 متراً في صخر القاعدة الأسفل: الديورايت. وفي الوسط تقع صخرة سميكة مجواة شديدة النفاذية طولها نصف متر. أغلب الأجزاء الطميية من البئر مبنية بالحجارة ماعدا الجزء الأعلى الذي يبلغ عمقه 1 متر محاط بالأسمنت المسلحِ. أما الأجزاء الصخرية المجواة فهي مبنية بالحجارة، وهذه الأجزاء هي المدخل الرئيسي للماء إلى البئرِ.
ذكر كوشك في كتابه زمزم طعام طعم وشفاء سقم (1403 هـ) أن مصادر تدفق المياه داخل البئر عبارة عن ثلاث مصادر ظاهرة الأول في اتجاه الركن المواجهة لحجر إسماعيل وهو عبارة عن فتحة طولها 45 سم وارتفاعها 30 سم وبها غور إلى الداخل ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه.والثاني باتجاه أجياد وهو عبارة عن فتحة كبيرة طولها 70 سم ومقسومة من الداخل إلى فتحتين وارتفاعها 30 سم.أما المصدر الثالث عبارة عن عدد من الفتحات الفرعية الصغيرة بين أحجار البناء توجد بين الفتحتين الأساسيتين وفى اتجاه جبل أبى قبيس والصفا والمروة وتوجد هذه الفتحات على مستويات متفاوتة وتتدفق منها المياه بكميات متفاوتة. والسحب من مياه بئر زمزم يصل إلى 150 متر مكعب في اليوم طبقا لبيان هيئة المساحة الجيولوجية السعودية (موقع الهيئة على الانترنت 1427 هـ).
مركز دراسات وأبحاث زمزم
يختص بدراسات زمزم مركز خاص في هيئة المساحة الجيولوجية السعودية حيث يقوم المركز بتوفير الحلولَ العلميةَ الضرورية لمراقبة وإدارةِ مستودعات المياه الجوفيةِ التي تَغذّي بئر زمزم، وضمان نقاوة الماء وسلامة نظام التزويد. وفي الوقت الراهن يقوم المركز بمراقبة وإدارة الطلب على زمزم لتجنب نضوب الماء،ودراسة العمران في منطقة مصدر مياه وادي إبراهيم وتأثيره على إعادة التزويد،وإدارةتصريفِ مياه الأمطار، والحفاظ على حركةِ المياه الجوفيّة وجودتها من خلال مراقبة البناء العمراني،وتَرْقِيةنظام الخزن والضخّ لمياه زمزم، بالإضافة إلى تطوير أنظمة التزويد والتوزيع الأمثل لماء زمزم. وللحفاظعلى مخزون المياه الجوفيّةِ في الآبارِ، فإنه من الضَّرُوري إعادة تزويد مستودعات المياه الجوفية بشكل مستمر، ويقتصر إعادة التزويد الطبيعي على سقوط الأمطار التي تسببها العواصفِ القصيرةِ العرضيةِ.ويمكن أن يتأثر مخزون المياه بشكل كبير أثناء فتراتِ الجفاف الطويلة،
ولقد صممت أنظمة تصريف مياه الأمطار خصيصاً لمَنْع الفيضانات ولحبس مياه الأمطار الساقطة على الأسطح العمرانية مثل الطرقِ والبناياتِ، بالإضافة إلى حمل المياه إلىالوديان أَو إلى المناطقِ الآمنةِ التي يسمح للمياه فيها بالفيضان أو التسرب إلى الأرضِ أَو التبخر.
ومن أجل إدارة الطلب على ماء زمزم من البئر، يتم بشكل مستمر ضخ ومعالجة وتخزين الماء في خزانات تحت الأرض. وقبل توزيعه إلى المستهلكين ونقله إلى المدينة المنورة تتم معالجة ماء زمزم بواسطة سلسلة من الرمال المرشحة والمرشحات الدقيقة والتطهير فوق البنفسجي.