د أسامة سلام يكتب: البحث العلمي والتطوير …قاطرة التنمية المعطلة بدول حوض النيل قراءة في تقرير اليونسكو عن مستقبل العلوم حتى 2030
أستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه ومدير مشاريع المياه هيئة البيئة ابوظبي
تقوم اليونسكو منذ عقدين من الزمان بتقديم تقارير عن العلوم والتكنولوجيا والابتكار في جميع أنحاءالعالم بشكل منتظم وفي هذه القراءة لتقرير اليونسكو عن مستقبل العلوم -2015 والذي ساهم فيهأكثرمن 50 خبيراً.
سنلقي الضوء على حالة البحث العلمي والتكنولوجيا والابتكار ومؤشرات النمو بدول حوض النيل محاولين توضيح الصورة الحالية والمستقبلية لهذه البلدان التي تشاركنا نفس المصير والتي أضحى الاهتمام بهاوالمعرفه عن جوانبها الاقتصادية والاجتماعية واجبا وضرورة ملحة لكل مهتم بشؤون بلده على الرغم من أن وضع دول حوض النيل يأتي دائما ودون بارقة أمل في ذيل الترتيب العالمي في أغلب التصنيفات العلمية والاقتصادية والبشرية العالمية.فلم يعد الموضوع مجرد مياه تنحدر من الجنوب متجهة الى الشمال تحمل معها الصراع والاختلاف إنما أصبح مستقبل وطن يجابه الكثير من التحديات.
ولك عزيزي القاريء أن تعلم مقدار الإنفاق المحلي الإجمالي العالمي على البحث والتطوير في العالم عام 2013وصل إلى 1478 مليار(معادلةللقوةالشرائية للدولارالأمريكي( ولايزال توزيع الاستثمار في مجال المعرفة غير متساوي فلاتزال الولايات المتحدة تهيمن باستثمارات تبلغ 28% من إجمالي الاستثمارات العالمية في مجال البحث والتطوير، والصين تحتل المركز الثاني بنسبة 20%، والاتحاد الاوروبي ثالثا بنسبة 19% واليابان رابعا بنسبة 10% ، أما بقية بلدان العالم والتي تمثل67% من إجمالي سكان العالم تساهم فقط بنسبة 23% من إجمالي الاستثمار العالمي في مجال البحث والتطوير يشمل الانفاق من الاستثمارات العامة والخاصة.
وفيما يلي سوف نستعرض سويا عزيزي القاريء عددا من المؤشرات والتي من الممكن أن تكون عاكسه إلى حد ما عن حالة ومستقبل العلوم والتكنواوجيا والابتكار في عدد من دول حوض النيل ذات الثقل السكاني والجغرافي ومنها مصر والسودان واثيوبيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا وأهم هذه المؤشرات هي: المؤشراتالاجتماعيةوالاقتصادية لدول حوض النيل ومجموعالباحثينلكلمليوننسمة،والمنشوراتالعلمية،بالاضافة الى المنشوراتالعلميةالمشتركة.
- المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية لدول حوض النيل
ذكر التقرير أنه في عام 2014 بلغ عدد سكان اثيوبيا حوالي 96 مليون نسمة في حين بلغ عدد سكان مصر 83 مليون نسمة وهذا يستحق المراجعة مع الجهات الدولية لتصحيح هذه الاخطاء مستقبلا والتي تخص عدد السكان الحقيقي وخاصة لمصر تليها تنزانيا ثم كينيا فالسودان. وكان اجمالي الناتج المحلي لمصر في 2013 هو الأعلي بحوالي 909 مليار دولار امريكي تليها اثيوبيا بحوالي 129 مليار دولار في حين تصدرت مصر نصيب الفرد من الناتج المحلي عام 2013 بحوالي 8900 دولار للفرد تليها السودان بحوالي 3000 دولار ثم كينيا بحوالي 2800 دولار لكل فرد وبتوزيع الناتج المحلي الإجمالي يتضح أن الزراعة تمثل في اثيوبيا 45% من الناتج المحلي الإجمالي في حين يصل في مصر إلى 14% تقريبا وفي مجال استخدام وسائل الاتصال والانترنت تتصدر مصر الترتيب بواقع 50 شخص من كل 100 لديهم انترنت (2014) تليها كينيا ب 39 شخص واثيوبيا بشخصين من كل مائة لديهم انترنت وفي مجال ملكية التليفون المحمول تتصدر مصر بحوالي 121 تليفون لكل 100 شخص تليها كينيا فالسوان بحوالي 71 و 72 على التوالي وفي مؤشر التنمية البشرية 2014 تأتي مصر في المرتبة 110 تليها كينيا في المرتبة 147 وتأخذ باقي الدول ترتيبا متدنيا جدا وفي مؤشر الابتكار تأتي كينيا أولا في المرتبة 92 تليها رواندا في المرتبة 94 ثم مصر في المرتبة 100 ثم تاتي بقية الدول في مراتب متأخرة.
- مؤشرات البحث العلمي والتطويرلدول حوض النيل
في مجال الإنفاق علی البحث والتطویر کنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ففي 2013 لم يزيد الانفاق عن نسبة 0.68% من اجمالي الناتج المحلي في مصر في عام 2013 في حين بلغ في اثيوبيا حوالي 0.61% من اجمالي الناتج المحلي وكان في كينيا وهي الأعلى حوالي 79% من اجمالي الناتج المحلي الإجمالي في 2010 .
وبالنسبة لعدد الباحثين فقد بلغ عدد الباحثين في مصر عام 2013 حوالي 47652 باحث مايعادل 581 باحث لكل مليون نسمة من سكان مصر في حين تأتي كينيا في المركز الثاني بعدد باحثين حوالي 9305 باحث مايعادل 227 باحث لكل مليون نسمة في حين بلغ في اثيوبيا عدد الباحثين حوالي 4267 باحث مايعادل 54 باحث لكل مليون نسمة وهو ما يوضح الفارق الكبير بين مصر وباقي دول حوض النيل.
في مجال النشر العلمي في المحافل والمجلات العالمية فقد بلغ عدد المنشورات في مصر في عام 2014 حوالي 8428 باحث مايعادل 101 منشور لكل مليون نسمة من سكان مصر في حين تأتي كينيا في المركز الثاني بعدد منشورات حوالي 1374 باحث مايعادل 30 منشور لكل مليون نسمة في حين بلغ في اثيوبيا عدد المنشورات حوالي 865 باحث مايعادل 9 منشور لكل مليون نسمة.
في مجال النشر العلمي المشترك في المحافل والمجلات العالمية فقد بلغ عدد المنشورات في مصر خلال الفترة من 2008 وحتى 2014 حوالي 44239 منشور منها 22568 منشور مشترك مع باحثين من دول اخرى في حين تأتي كينيا في المركز الثاني بعدد منشورات حوالي 7727 منها 6705 منشور مشترك مع باحثين من دول اخرى في حين بلغ في اثيوبيا عدد المنشورات عن نفس الفترة حوالي 4300 منشور منها 3069 منشور مشترك مع باحثين من دول أخرى وهو مايوضح الفارق الملحوظ بين حالة البحث والتطوير في مصر عن باقي دول حوض النيل على الرغم من وجود فارق كبير جدا بين موقع مصر المنخفض عن بقية دول العالم.
- الإجراءات المتخذه في دول حوض النيل
هناك إدراك متنامي داخل أفريقيا وخارجها بأن تطوير بنية تحتية حديثة وتحقيق تنوع اقتصادي والنهوض بالصناعة يستلزم استثمارا أضخم في مجال العلوم والتكنولوجيا ومن ثم فإن الانفاق على البحث والتطوير أخذا في الارتفاع في العديدمندول حوض النيل:
في مصر حدث تغير ملحوظ في سياسة العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتوجه نحو تحقيق اقتصاد المعرفةكأفضل السبل للنمو. حيث نص دستور 2014 على قيام الدولة بتخصيص 1% من إجمالي الناتج المحلي على البحث والتطوير R&D) ) مع اطلاق حرية البحث والتطوير والتشجيع للاستثمارات المحلية والأجنبية.
في كينيا هناك القانون الخاص بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والذي صدر في عام 2013، والذي يساهم في تحقيق رؤية كينيا لعام2030، والتي تتنبأ بأنه بحلول عام 2030 ستتحول الدولة إلى اقتصاد مافوق المتوسط تدعمه قوةعاملة ماهرة. ولعل هذا القانون يعد العامل المؤثر المغير للوضع الراهن بكينيا، والتي لم تنشئ الصندوق الوطني للبحوث فحسب، وإنما الأهم أنها وضعت أحكاماً تكفل حصول هذا الصندوق على 2% من إجمالي الناتج المحلي لكينيا مع كل سنة مالية ، ومنشأن هذا الالتزام المالي الجوهري أن يساعد كينيا على رفع معدلاتها من إجمالي الانفاق المحلي على البحث والتطوير من إجمالي الناتج المحلي إلى ما يتعدى79% وهو ماكان عليه في عام2010..وفي كينيا أيضا تم دعم وادي الصناعة والتكنولوجيا من خلال مشروع مع جامعةحكومية. وأول حاضنة تكنولوجية في كينيا نجحت نجاحاً مذهلاً في مساعدة الشركات المبتدئة والأسواق القابضة في مجال تكنولوجيا المعلومات على وجه الخصوص.
تميل الحكومات في دول حوض النيل لأن تكون المصدر الرئيسي للإنفاق على البحث والتطوير لكن قطاع الاعمال يساهم بنسبة14% في أوغندا في عام 2010 وما لا يقل عن40% من تمويل البحث والتطوير في كينيا وأوغندا وتنزانيا يعتبر من المصادر الأجنبية.
وتقدم رواندا من خلال مستثمرين تمويلا من أجل تعزيز الإقتصاد الأخضر يوفر دعم تنافسي لنجاح المتقدمين من القطاع العام والخاص، والكثير من الحكومات تستثمر الآن في هذا القطاع الحيوي بما في ذلك أوغندا.
وقد ذكر التقرير كخلاصة أن البحث العلمي قد حول تركيزه إلى إيجادحلول للمشاكل وذلك للوصول إلى حل للتحديات الملحة للتنمية في العالم وهذا التحول في أولويات البحث تتأكد من حجم التمويلات المخصصة حالياً للبحث العلمي التطبيقي على مستوى العالم حيث ذكر أيضا أن العلوم الاساسية والعلوم التطبيقية هما وجهان لعملة واحدة فهما مرتبطان ويعتمد كل منهما على الاخر وبالتالي يتكاملان في توفير حلول إبتكارية للتحديات التي تواجه الانسانية على طريق تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير إستثمارات كافية سواء للعلوم الأساسية والبحوث التطبيقية والتطوير سيكون ضرورة حتمية لتحقيق أهداف أجندة 2030.
ولذا فإن كل من الحكومات والقطاع الخاص في دول حوض النيل يجب أن يستثمرون بشكل متزايد في تطوير البحث في العلوم الأساسية والعلوم التطبيقية والا يجعلوها كالقاطرة المعطلة فهي الأمل لمستقبل خالي من الصراع.