الأخباربحوث ومنظماتحوارات و مقالات
د جمال عبدربه يكتب: الزراعة وتحديات سد النهضة
أستاذ بساتين الفاكهة بكلية الزراعة جامعة الأزهر بالقاهرة
من المسلم به الدور المهم الذي تضطلع به الزراعة في اقتصاديات مصر ودول الوطن العربي ، سواء من ناحية توفير فرص العمل حيث يعمل بهذا القطاع ما يزيد علي ثلث الأيدي العاملة ،أو من ناحية توفير المحاصيل الغذائية كالخضر والفاكهة ، وكذلك المحاصيل الاستراتيجية كالحبوب ومن هنا تسعي الحكومات بجهد جهيد للتغلب علي معوقات التنمية الزراعية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتقليل الفجوة الغذائية.
وتتسم الزراعة بمصر وعالمنا العربي بسمات مشتركة مثل صغر حجم الحيازات الزراعية وتفتتها و من ثم قلة الاستعانة بالتكنولوجيا المتطورة والتي تتطلب لعملها المساحات الشاسعة من الأراضي، كما تتسم أراضي مصر والوطن العربي بانخفاض انتاجيتها نتيجة الاستخدام المفرط والمكثف لها ، وعدم اتباع دورة زراعية مما يعمل علي إنهاك التربة وضعف وانخفاض إنتاجيتها، علاوة علي ارتفاع نسبة الأمية وقلة مستوى التعليم بها وبالتالي عدم القدرة على استيعاب جديد التكنولوجيا .
لعل من أهم سمات الاراضي الزراعية بمصر ودول الوطن العربي هو تلوث أراضيها العالي بالمبيدات والأسمدة والكيماويات نتيجة الاستخدام غير الرشيد والآمن بفعل عدم وجود جهاز إرشاد زراعي قوي مدعوم ماديا وفنيا من وزارات وحكومات الدول المختلفة. وإن كان ما سبق هو سمات تتسم بها المجتمعات الزراعية العربية فإن هناك تحديات كثيرة ومشتركة تواجه الزراعة المصرية بشكل خاص والعربية بشكل عام تؤثر علي بل وتحدد طبيعة مستقبلها ومن هذه التحديات:
1- محدودية الموارد المائية بمصر و العالم العربي.
2- اعتماد الزراعة في أغلب الدول العربية علي الأمطار والتي يصعب التحكم في تحديد مواعيد سقوطها أو كميتها وهي تمثل حوالي 78بالمائة في الوقت الذي تمثل فيه الزراعة المروية حوالي 22بالمائة
3- قلة كفاءة الاستهلاك المائي بمعظم دول عالمنا العربي نتيجة لاعتماد بعض الدول على استخدام نظم ري تقليدية مضي عليها مئات السنين وعدم استبدالها بنظم الري الحديثة التي توفر كثيرا من الماء المهدر
4- عدم وجود تكنولوجيا تمكن من الاستفادة من المياه الناتجة عن الصرف الزراعي في الدول التي تعتمد اسلوب الري السطحي في الوقت الذي وصلت فيه التكنولوجيا بالدول المتقدمة لتدوير المياه والاستفادة بها 4 أو خمس مرات.
5- تآكل المساحات المنزرعة إما بفعل البناء عليها كما هو حادث بمصر علي سبيل المثال أو بفعل التصحر كما في كثير من البلدان العربية وعدم استعاضة ذلك بالتوسع الافقي العالي التكلفة
6- معاناة كثير من الأراضي الزراعية بعالمنا العربي حيث بدأت تفقد خصوبتها نتيجة الاهمال وسوء إدارة هذه الاراضي وبالتالي ضعف انتاجيتها نتيجة الاستخدام المفرط والمكثف لها وعدم اتباع دورة زراعية جيدة علاوة علي عدم وجود جهاز ارشاد زراعي قوي مدعوم ماديا وفنيا من وزارات وحكومات الدول المختلفة
7- قلة الأموال اللازمة للاستثمار الزراعي نتيجة زيادة المخاطر وبطء دورة راس المال وعدم وجود سياسات استثمارية جاذبة للعنل بهذا القطاع.
8- عدم توفر مستلزمات الإنتاج الزراعي وترك المزارع نهبا للجشع وكذلك عمليات الغش الكبيرة في تصنيع هذه المستلزمات مثل المبيدات والاسمدة والكيماويات المستخدمة نتيجة عدم الرقابة علي ما يسمي بمصانع تحت السلم.
9- ضعف منظومة البحث العلمي الزراعي بالعالم العربي نتيجة ضعف الميزانية المخصصة له واعتمادها بشكل اساسي علي التمويل الحكومي وللآن لا يوجد دور للقطاع الخاص في تمويل مشاريع البحث العلمي الزراعي ولنا أن نعلم أن حجم المخصص للبحث العلمي الزراعي العربي لم يصل بعد إلى 1% من الدخل القومي علما بأنه قد يصل في بعض الدول الي اكثر من 3%.
10- محدودية التوسع في الانتاج الحيواني بالعالم العربي نتيجة قلة المراعي وفقرها أيضا بفعل قلة الامطار
11- إهمال قطاع هام وهو قطاع التصنيع الزراعي وما له من أهمية قصوى في زيادة القيمة المضافة. وأخيرا ضعف التجارة العربية الزراعية البينية حيث لا تزيد عن 8% من اجمالي التجارة العربية الخارجية.
جهود الدولة المصرية في سبيل النهوض بالزراعة وحل مشاكلها:
نظرا لما سبق وقلناه من اعتماد مصر في مواردها المائية علي نهر النيل بشكل رئيسي وحصتنا منه للأسف ثابتة وهي 55.5 مليار متر مكعب يذهب أكثر من 80 بالمائة منها للزراعة ومع الزيادة السكانية المفرطة والتي يزيد بها مجتمعنا بمعدل حوالي 2.6 مليون فرد سنويا فإنه تصبح هناك استحالة في أن تكفي كمية المياه التي كانت في الماضي القريب (60 عاما مضت) تروي مساحة حوالي خمسة ملايين فدان و 20 مليون مواطن تكفي الآن لري قرابة التسعة مليون فدان وأكثر من 100 مليون مواطن هذا علاوة علي التحديات التي فرضتها عمليات إنشاء سد النهضة والتي حتي وان لم تؤثر علي حصتنا من المياه فإنها ستمنع من زيادتها.
لذلك إتجهت الدولة وبقوة لترشيد ورفع كفاءة استخدامات المياه من خلال العمليات الآتية:
أولا: تطوير طرق الري الحقلي سعيا للوصول لاستبدال طرق الري السطحي في الاراضي القديمة بطرق الري الحديثة سواء بالري بالرش او التنقيط،
ثانيا: الاستفادة من مياه الصرف الزراعي والتي تصل لقرابة الخمسة عشر مليار متر مكعب سنويا كانت تهدر ويتم القاؤها في المصارف والبحيرات مؤدية لتلوثها وذلك باعادة معالجتها واعادة استخدامها في الزراعة اما علي حالتها او بخلطها مع مياه النيل،
ثالثا: اتجاه الدولة لانشاء محطات التحلية لإمداد المدن الساحلية باحتياجاتها من المياه تخفيفا للضغط علي الموارد المائية من نهر النيل،
رابعا: تعمل الدولة علي التوسع الزراعي أفقيا بزراعة الصحراء اعتمادا علي مخزون المياه الجوفية وخاصة في الصحراء الغربية بصورة تضمن عدم استنزاف مواردها المائية من خلال زراعة المحاصيل عالية القيمة والتي يمكن تصديرها باسعار عالية وفي ذات الوقت احتياجاتها المائية قليلة مثل النخيل والزيتون في الاراضي الرملية وكذا الجوجوبا في الاراضي الهامشية.
خامسا: خطت الدولة خطوات واسعة في الحد من الفاقد في الحاصلات الزراعية والتي كانت تصل لقرابة 30 بالمائة واحيانا اكثر وخاصة في محاصيل الخضر والفاكهة من خلال تطوير طرق وعمليات تداول وتخزين هذه الحاصلات سعيا لتقليل فاقدها والأمر ذاته بالنسبة لمحاصيل الحبوب كالقمح حيث قامت الدولة بجهود كبيرة في الفترة الماضية بإنشائها مشروع صوامع الغلال علي مستوي القطر بما قلل الهدر بشكل كبير وبمعني اخر كانها قد زادت من المساحة المنزرعة بنسبة تعادل الفقد الذي كان حادثا في هذا المحصول الاستراتيجي.
سادسا: عملت الدولة بشكل جيد علي محاولة حل المشاكل الزراعية التي تواجه الوطن وليس الأعراض فقط فعملت علي انشاء وتدشين مشروع المائة الف صوبة مساحة كل منها فدان أي باجمالي مساحة مائة الف فدان صوب تعادل في إنتاجيتها 800 الف فدان ستساهم حال اكتمال انشائها وتشغيلها في توفير المنتجات الزراعية بشكل اقتصادي.
سابعا: كما اهتمت الدولة باحياء مشروع البتلو حفاظا علي الثروة الحيوانية ودعما لها وكذلك اهتمامها بمشاريع الاستزراع السمكي سعيا للوصول لنسبة عالية من الاكتفاء الذاتي من خلال انشاء المزارع السمكية بكفر الشيخ وقناة السويس في محاولة جادة للتغلب علي وسد الاحتياجات الغذائية للمواطن وللزيادة السكانية الكبيرة السابق الاشارة اليها.
ثامنا: كما اهتمت الدولة بعمليات دعم المنتجين الزراعيين من خلال محاولة توفير مستلزمات انتاج آمنة غير مغشوشة دعما للتصدير والذي وضعت ضوابط صارمة له بتكويد المزارع الراغبة في تصدير منتجاتها حفاظا علي سمعة صادراتنا الزراعية والتي وصلت العام الماضي لقرابة 5.5 مليار دولار وهنا أود الاشارة الي الجهد الكبير الذي تبذله الدولة في الحفاظ علي صحة المواطن من خلال حصوله علي منتجات زراعية امنة صحيا من خلال اخذ عينات وفحصها من خلال المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات بوزارة الزراعة للتاكد من عدم تلوثها.
أخيرا نتطلع أن تولي الدولة اهتماما اكبر بالبحث العلمي وترصد له ميزانية اكبر وتعمل علي توفير المناخ الجاذب للباحثين الذين حصلوا علي درجاتهم العلمية من الخارج للعودة لبلدهم حتي يستفيد منهم الوطن ولا يصبح الصرف عليهم مال مهدر وكاننا نعلم ونربي للغير، خاصةمع إعلان السيد الرئيس بالأمس أن الدولة زادت من ميزانية البعثات الي 700 مليون جنيه سنويا للصرف علي المبعوثين.
وللحديث بقية