الأخبارالمياهحوارات و مقالات

د محمد داود يكتب: الفقر المائى وتفتيت الملكية الزراعية تحديات تواجه الامة المصرية

خبير دولي في الموارد المائية “هيئة البيئة أبوظبي

يعاني القطاع الزراعي في مصر من تحديين كبيرين هما الفقر المائي وتفتت الملكية الزراعية. ففي حين تصل حصة مصر من مياه النيل إلي نحو 55,5 مليار متر مكعب بالإضافة إلي ما يتم إستخدامه من المياه الجوفية المتجددة في الوادي والدلتا وغير المتجددة في الصحراء الشرقية والغربية وسيناء وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي والصحي ليصل إجمالي الإستهلاك حالياً إلي نحو 80 مليار متر مكعب سنوياً من المياه مما يعني مصر تعاني من عجز مائي حالي يقدر بـحوالي 20 مليار متر مكعب سنويا.

لذا فإن حالة المياه في مصر حرجة وفريدة من نوعها، حيث أن مصر بلد جاف جدا في منطقة شبه قاحلة، وتعاني من إجهاد مائي يصل إلى 134%، وبالرغم من الجهود المبذولة من الحكومة لوضع مجموعة من البرامج المتنوعة للتصدي لتحديات نقص الموارد المائية إلا أن هذه الخطط والبرامج تستلزم إستثمارات كبيرة جداً قد لا يمكن توفيرها بالكامل في ظل الوضع الإقتصادي الحالي للدولة.

من أكبر التحديات الحالية لتنفيذ الخطة القومية للموارد المائية 2037، هي توافر التمويل اللازم حيث تحتاج إلى استثمارات لا تقل عن ٥٠ مليار دولار أمريكي خلال العشرين عاما المقبلة، ما يضع عبئاً كبيراً على الدولة من ناحية غير أنه يمثل فرصة كبيرة للاستثمار على الجانب الآخر إذا ما رغب القطاع الخاص في المساهمة في الإستثمار في قطاعي المياه والزراعة. وتشير التوقعات إلى أن نصيب الفرد في ظل زيادة معدلات النمو السكانى الحالي فى مصر حتى عام 2050 سيصل إلى حوالي 350 مترا مكعباً فقط.

وتستخدم مصر نحو 85% من مواردها المائية في الزراعة بينما النسبة الباقية حوالي 15% تستخدم للأغراض المنزلية والصناعة وغيرها. ويبلغ نصيب الفرد من المياه حالياً 600 متر مكعب سنوياً، بينما خط الفقر مُحدّد عالمياً بألف متر مكعب سنوياً، يتم تعويضها عبر استيراد المحاصيل أو ما يسمى بالمياه الإفتراضية.

ويعتبر “توني ألن” هو أول من إستخدم مفهوم المياه الإفتراضية وقد عرف المياه الافتراضية بأنها: المياه المستخدمة في أماكن أخرى لإنتاج الأغذية التي يتم تصديرها إلى مناطق الشح المائي.وتتمثل أهمية المياه الافتراضية في اعتبارها أحد محاور ترشيد استهلاك المياه وخصوصاً في القطاع الزراعي.

غير أن إستيراد الغذاء وخصوصا المحاصيل الإستراتيجية يكلف مصر فاتورة كبيرة من العملة الصعبة. وقد بلغت واردات مصر الغذائية ما يقرب من عشرة مليارات دولار خلال أول 8 أشهر من عام 2017، تمثل 18.4% من إجمالى الواردات، وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.واقتطع الاعتماد على الاستيراد جزءا كبيرا من احتياطات مصر الدولارية خلال السنوات الأخيرة، ما أدى لتراجع احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى إلى 17 مليار دولار، والذى تعافى مع تحرير أسعار الصرف فى نوفمبر 2016 ليصل 36.7 مليار دولار نهاية الشهر الماضى.

أما التحدي الثاني فهو تفتت الملكية الزراعية والذي يترتب يترتب عليه تفتت الأراضي الزراعية في مصر الى حيازات زراعية ذات مساحات صغيرة لا يتجاوز الكثير منها الفدان أو أقل.

وتشير تقارير حكومية إلي أن إجمالى مساحة الأراضى القابلة للزراعة سواء المملوكة للأهالى أو الحكومـة تقدر بحوالي تسعة ملايين فدان وفقاً لبيانات تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصـاء ونشـرة الزمام والملكية الزراعية، وتتوزع الملكية الزراعية على نحو 3,8 مليون شخص، فعدد المصريين الذين يملكون أقل من فدان يبلغ نحو 700 ألف فرد، ويصل عدد المصريين الذين يملكون من فدان وحتى فدانين نحو 800 ألف مصرى، والذين يملكون من فدانين وحتى ثلاثة نحو 500 ألف.

ويؤدي تفتت الملكية الزراعية بصورة مباشرة لأنخفاض الجدوى الأقتصادية للأراضي الزراعيةخاصة مع مرور الزمن و انتقال الأراضي للورثة مما يساهم في تفيت المساحات الصغيرة لمساحات أصغر ويقلل العائد المادي من زراعة هذه المساحات ويلجأ أصحابها إلي للبناء عليها وتحويلها إلي مباني طمعاً في زيادة سعهرها مما يعني فقد كثير من هذه الاراضي الزراعية الخصبة التي تكونت عبر آلاف السنين من الطمي الذي كان يحمله النيل في موسم الفيضان وتاّكل المساحة الزراعية ودفع الدولة والمستثمرين لأستصلاح الأراضي الصحراوية خارج الوادي وإنفاق مليارات الجنيهات على استصلاح الأراضي الصحراوية في محاولة لخلق توازن للمساحات المزروعة والتغلب على مشكلة نقص الغذاء.

ونظرا لطبيعة الأراضي الرملية في هذه الأراضي المستصلحة فإن تستلزم كميات مياه اكبر للري وضخ إستثمارات رأسمالية لإنشاء البنية الأساسية لنقل وإستخدام الموارد المائية أو الإعتماد على مياه جوفية قد تكون غير متجددة.

وللتغلب على هذه التحديات فإن الأمر يتطلب القيام بوضع استراتيجية مائية زراعية متكاملة تهدف إلي الإدارة الرشيدة لجميع الموارد المائية المتاحة والإستثمار في التقنيات الحديثة لترشيد إستخدام المياه في القطاع الزراعي وتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة وإستخدام حلول غير تقليدية للتغلب على هذه التحديات.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى