الأخبارالمياهبحوث ومنظمات

د محمد داود يكتب:من الخبراء والعلماء إلي الفلاح: الفجوة في قطاعي المياه والزراعة

الخبير في هيئة المياه والبيئة -أبوظبي والاستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه

 

مما لا شك فيه أن مسألة توفير الموارد المائية اللازمة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية في مصر يعد أحد أكبر التحديات ــ إن لم تكن الأكبر على الإطلاق ــ التى تواجهها مصر في الوقت الراهن للوصول إلي الأمن المائى وطموحات التنمية الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي وتحقيق استقرار قطاع كبير من العمالة الزراعية.

ومع تصاعد أزمة نهر النيل مع دول حوض نهر النيل خلال السنوات الأخيرة، والذى يوفر مياهه نحو 97% من مواردنا المائية المتجددة، تطفو معضلة شح الموارد المائية على سطح الأحداث مما يعظم من أهمية دور الباحثين الباحثين والخبراء والعلماء.

وبالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من الحكومة لحقيق الأمن المائى فى مصر إلا أنها ما زالت تهتم بشكل أكبر بتوفير وزيادة حجم الموارد المائية؛ فى حين تخطو الجهود المتعلقة بإدارة الطلب على المياه وضمان سلامة وجودة هذه المياه وإستدامة إمداداتها بخطى بطيئة. وفي محاضرة لي مع الباحثين والمتخصصين بالجامعات ومراكز البحوث المصرية حول دور التكنولوجيا في ترشيد وإستدامة الموارد المائية ما ذكرت تقنية جديدة ولا أفكار تطبيقية تساهم في هذا المجال إلا وكان التعليق من الحضور بأن هناك جهوداً من مراكزنا البحثية وجامعتنا في هذا المجال.

وكان السؤال إذن أين الخلل؟؟ لماذا لم يتم تطبيق هذه الأفكار والمبادارات ولماذا لم تصل أحدث نتائج البحث العلمي وتوصيات البحوث التطبيقية إلي الفلاح المصري؟

إن أحد أهم أدبيات التنمية الاقتصادية والإجتماعية حين يتعلق الأمر بـالأمن المائي أو أمن الغذاء أن تتوزع الجهود بالتوازى وبالتزامن على أربعة محاور رئيسية هى:

أولاً: توافر المورد المائية بالكميات التى تكفى لضمان وإستدامة التنمية الإقتصادية والإجتماعية والبيئية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال المشاريع المائية المشتركة مع دول حوض النيل مثل إستقطاب الفواقد والمشروع القديم لقناة جونجلي وما يتم حاليا ًمن إستثمار الحكومة بشكل كبير في إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعي بعد معالجته وتحسين نوعيته ومياه الصرف الصحي المعالجة وتحلية مياه البحر والمياه الجوفية عالية الملوحة ودراسات تحديد إمكانات وإستكشاف الخزانات الجوفية.

ثانياً: إدارة الطلب على المياه وتحسين كفاءة إستخدامها بما يضمن إستدامة إمدادات هذه الموارد والحفاظ عليها كما ونوعاً وضمان جودة الإمدادات. ويأتي ذلك من خلال إستخدام طرق الري الحديثة وكذلك طرق الإنتاج الزراعي المتطور مثل الزراعة المائية والصوب الزراعية والأعلاف المستنبتة وتطوير وانتاج محاصيل زراعية عالية المقاومة للملوحة والجفاف وذات إنتاجية أعلى.

ثالثاً: وجود الكفاءات والخبرات البشرية في قطاعي المياه والزراعة التي تضمن تنفيذ وتطبيق رؤية الحكومة وتحقيق نتائج أحدث ما وصلت إليه البحوث التطبيقية لتحقيق الأمن المائي والغذائي. ويمكن تحقيق ذلك بتنمية قدرات وتطوير وتدريب مهندسي الري والصرف في المراكز والمحافظات وكذلك المهندسين الزراعيين والمرشدين الزراعيين لتوصيل هذه الأفكار إلي الفلاح لتخرج النتائج من مراكز البحوث وقاعات المحاضرات ومعامل الجامعات إلي أرض الواقع بما يساهم في ترشيد ورفع كفاءى إستخدام الموارد المائية.

رابعاً: توعية وتعليم الفلاح المصري ومستخدمي المياه بشكل عام لتصبح سلوكيات ترشيد الموارد المائية والحفاظ عليها من الهدر والتلوث جزءا من السلوكيات والعادات اليومية الراسخة لدينا جميعا.

التنمية الزراعية والأمن المائي يعتمدان أساسا على التعاون الوثيق بين ثلاثة أجهزة هامة وهي مراكز البحوث والجامعات والارشاد الزراعي ومهندسي الري وجماهير المزارعين مستخدمي المياه وذلك من خلال إجراء البحوث التطبيقية المختلفة واستخلاص نتائجها والتأكد منها وتوصيل هذه النتائج إلى حقل التطبيق في مجالات الإنتاج الزراعي وإقناع جماهير المزارعين بتطبيقها وتبنيها بالإضافة إلى حصر المشاكل التي تعيق زيادة الإنتاج ووضع الحلول المناسبة لها بهدف زيادة الإنتاج الزراعي كما ونوعا مما ينعكس إيجابا على زيادة دخل الأسر الريفية وتحسين مستواها المعيشي مما يشجعها على إستخدام هذه التقنيات المرشدة للمياه وزيادة الإنتاج الزراعي. وهذا الأمر يكتسب أهمية خاصة للاستفادة من كل جديد في العلوم الزراعية والمائية لإنتاج أصناف وهجن عالية الإنتاج قليلة الإستهلاك للمياه واستنباط أساليب زراعية وطرق ري حديثة أكثر كفاءة والمحافظة على التربة وصيانتها وتنميتها للنهوض بمستوى الإنتاج الزراعي لذلك لا يمكن تحقيق أهداف السياسة الزراعية وتطوير الإنتاج الزراعي دون توافر جهاز إرشادي زراعي معد الإعداد العلمي المناسب وقادرا من الناحية العلمية على أن يكون حلقة اتصال فعالة بين جماهير المزارعين ومشكلاتهم الزراعية الواقعية من جهة ومراكز البحث العلمية والجامعات بما تنتجه من أبحاث وتوصيات علمية من جهة أخرى .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى