الأخبارالمياهالنيل

تحليل أخباري… سد النهضة حسن النوايا والدور الإقليمي في حسم الخلافات

 

>> توزان علاقات مصر مع أثيوبيا وإريتريا والدعم الاماراتي والدور الأمريكي عوامل نجاح للتقارب

مراجعة تاريخ أزمة سد النهضة، وما حدث على امتدادها وصولا إلى التطورات الحالية يقود  إلي أهمية تغليب المصالح التنموية للتعاون في المنطقة إلى تقليل الهوة والاقتناع بأن استمرار الخلاف حول سد النهضة، الذي سيبدأ بالعمل عاجلا أم آجلا، يؤثر على بطء أو تسريع حلقات وأشكال التعاون في شرق أفريقيا.

وذكرت مصادر معنية بملف مياه النيل أن هناك مسارا مقترحا من قبل جهات إقليمية ودولية لوضع أسس أكثر واقعية للمفاوضات الفنية المتعلقة بالسد، تدعم الوصول إلى حل نهائي من خلال التركيز على سعة الخزان خلف السد أو ما يعرف بـ”السد الركامي” الذي تُخزن فيه المياه بدلا من التفاوض على تمديد فترة الملء.

ووفقا لهذه المصادر، يستند الاقتراح على تخفيض ارتفاع الخزان ليسع 30 مليار متر مكعب بدلا من 74 مليار متر مكعب، يستطيع الطرفان الاستفادة منها. وتتمكن إثيوبيا من تحقيق هدفها الأساسي لإنتاج الكهرباء بصورة عاجلة، حيث سيولد السد ما يقرب من 6 آلاف ميجاواط، وتضمن مصر عدم انخفاض نسبة المياه المتدفقة إليها، وكانت ستستغرق نحو سبع سنوات، حال تنفيذ المقترح الإثيوبي الأول.

يأتي الاقتراح الجديد مقترنا بحل آخر سعت مصر إلى تنفيذه طوال السنوات الأربع الماضية، ويطالب بمد فترة التخزين لمدة لا تقل عن 5 سنوات وتصل إلى 10 سنوات، وهو ما رفضته إثيوبيا مرارا، لأنها رغبت في ملء الخزان خلال عامين لتسريع خطتها لإنتاج الكهرباء.

بينما تقترح جهات إقليمية  وضع أسس أكثر واقعية للمفاوضات حول سد النهضة تدعم الوصول إلى حل من خلال التركيز على سعة الخزان خلف السد بدلا من التفاوض على تمديد فترة الملء.

وتعول مصر علي أن تؤدي سياسة الانفتاح التي يتبناها رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد إلى حل أزمة سد النهضة، وتعول على التوجهات الإيجابية لسياسته الخارجية التي تغلّب حل المشكلات بالطرق السلمية، ما يشجع على فتح قنوات للتفاهم والاتفاق على قواسم مشتركة تضمن الحفاظ على مصالح البلدين، بعد أن تدفقت مياه كثيرة أدت إلى تباعد المسافات بينهما.

وتترجم التحول في سياسة الطرفين تصريحات ولقاءات ثنائية تعكس أجواء أقل توترا من السنوات الماضية، من ذلك اللقاء الودي الذي عقد بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وآبي أحمد في بكين، على هامش القمة الأفريقية- الصينية، مطلع سبتمبر الجاري. وطغت على حديثهما نبرة مؤيدة للمزيد من التقارب، فضلا عن الدور الاماراتي في دعم التقارب بين القاهرة واديس أبابا.

كما عبّر حرص رئيس وزراء إثيوبيا على الإشادة بدعم القيادة المصرية وشكرها بمناسبة بدء السنة الإثيوبية (11 سبتمبر) عن جانب جديد في العلاقات التي تتأثر بشكل عميق بما يجري من تطورات في الفضاء الإقليمي الذي يميل نحو فتح صفحات جديدة في غالبية أزمات المنطقة وتغليب الأبعاد التعاونية على الصراعات.

 

ولا تنفصل عن هذا السياق زيارة وزير الخارجية  سامح شكري إلى إريتريا، حيث التقى، أمس الخميس، بالرئيس أسياس أفورقي. وتطرق اللقاء، حسب بيان للخارجية المصرية، إلى “بحث أمن البحر الأحمر وتعزيز التعاون بين الدول المتشاطئة للبحر الأحمر، وتطورات مفاوضات سد النهضة الإثيوبي ومنطقة القرن الأفريقي وأولويات رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي خلال العام المقبل”.

وأكد شكري دعم بلاده لـ”إريتريا من أجل استعادة دورها الفاعل على الصعيدين الأفريقي والدولي، في ظل التطورات الإيجابية التي شهدتها منطقة القرن الأفريقي وعلاقات إريتريا بكل من إثيوبيا والصومال وجيبوتي”.

وتأتي زيارة وزير الخارجية (غير محددة المدة) بعد يومين من فتح إثيوبيا وإريتريا، رسميا، الحدود البرية الفاصلة بين البلدين، بعد إغلاقها منذ عقدين من الزمن على خلفية الحرب المندلعة بينهما في 1998، لتعلن بذلك أسمرا وأديس أبابا إنهاء واحدة من أطول المواجهات العسكرية في أفريقيا.

وقد لعبت الطريقة السياسية التي تعاملت بها مصر مع إثيوبيا والسودان، عندما انسجمت مواقفهما معا ضد القاهرة، دورا مهما في عودة الدفء إلى العلاقات مع الخرطوم مؤخرا، وقادت إلى فتح طريق التفاهم بجدية مع إثيوبيا.

ورغم التطور الحاصل في العلاقات بين القاهرة والخرطوم، لم تبد الأخيرة حتى الآن تغيرا واضحا في انحيازها إلى رؤية إثيوبيا، لكن البعض اعتبر صمتها تقدما بحد ذاته.

إلى جانب المتغيرات الإقليمية والوضع الجديد الذي فرضه التقارب بين إريتريا وإثيوبيا، والتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية لأديس أبابا، منذ وصول آبي أحمد إلى السلطة، تأتي تطورات أخرى، داخلية، في قضية سد النهضة لتأخذ الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا إلى منحى جديد من المفاوضات الفنية، مع تحسن العلاقات بين الجانبين.

لذلك تتصدر هذه التطورات الداخلية الأزمة المالية واللوجستية التي طالت سد النهضة. وترى دوائر مراقبة أن العقبات المالية والإدارية التي يواجهها السد يمكن أن تمنح القاهرة فرصة لحل الخلافات مع أديس أبابا حول سد النهضة، وأهمها ضمان الحفاظ على حصة مصر المائية (55 مليار متر مكعب)، لأن البناء بصورته المعلنة يفضي إلى نقصان كمية المياه بمقدار مليار متر مكعب فقط.

وكان خبراء ومراكز أبحاث أميركية على غرار معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، دعوا الإدارة الأميركية إلى مساعدة مصر في حل خلافاتها مع إثيوبيا بشأن سد النهضة ومياه النيل، باعتبار ذلك جزءا من حماية المصالح الأميركية في المنطقة الأفريقية.

وأشار تقرير أعده باراك بارفي، الباحث في مؤسسة أميركا الجديدة، بعنوان “كسر الجمود فى الخلاف حول السد بين مصر وإثيوبيا”، إلى أن واشنطن تحتاج إلى العمل مع البلدين، وطالبها بالتدخل وحث الطرفين على قبول فترة ملء السد لسبع سنوات قادمة.

 

وقالت مصادر  معنية بملف مياه النيل إن واشنطن ساهمت فعلا في إقناع إثيوبيا بعدم اللوجوء إلى التصعيد مع القاهرة، وأن التعاون أفضل وسيلة للحفاظ على مصالح الجميع.

ويمكن للمسؤولين الأميركيين المساعدة في ترتيب حزمة مساعدات دولية للمحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه، مثل البرسيم والثوم والحناء، ما يسمح للقاهرة بالحفاظ على الموارد الثمينة لديها، وفي نفس الوقت دعم السد الإثيوبي وهو مشروع جدير بالاهتمام يوفر الكهرباء الرخيصة لأكثر دول العالم فقرا.

وإذا لم تكن واشنطن راغبة أو مستعدة لتقديم الدعم، فهناك أطراف أخرى يمكن أن تتسلل من أي ثغرة. على رأس هذه الأطراف روسيا التي أبدت في الفترة الأخيرة اهتماما كبيرا بالتواصل مع إثيوبيا، وعرضت عليها إقامة مركز مشترك للتكنولوجيا النووية لتوليد الطاقة، وأكد وزير خارجيتها سيرجي لافروف في أحدث زياراته إلى أديس أبابا أن بلاده ستدعم أثيوبيا في مختلف القطاعات.

ونصح خبراء معهد واشنطن الولايات المتحدة باستثمار العلاقة الجيدة التي تربط مصر بإثيوبيا الآن، وبذل جهد لحل مشكلة فترة تعبئة الخزان، لأنها النقطة العالقة بين البلدين، فمصر تود إطالة أمدها للتقليل من الانخفاض السنوي في مردود المياه.

رفضت القاهرة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي الانسياق وراء الحلول التصعيدية، وغلّبت اللغة السياسية لضمان الحفاظ على مصالحها، ودخلت في حوارات بدت نتائجها عديمة الجدوى في البداية، خصوصا في ظل استفزازات من إثيوبيا والسودان، قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة.

ويرى  الخبراء، أن الظروف الحالية التي تمر بها منطقة شرق أفريقيا، وخاصة إثيوبيا، مواتية للوصول إلى حل مُرضٍ لأزمة سد النهضة، لأن أديس أبابا في عهد آبي أحمد تعتقد أن سياسة تصفير الأزمات مقدمة للشروع في تدشين الكثير من مشروعات التعاون مستقبلا، مشيرين إلى أن تأخر الأعمال الإنشائية في السد، نتيجة لأسباب داخلية إثيوبية، يوفر فرصة جيدة لإعادة النظر في التصميمات الأولى التي تبنتها أديس أبابا ورفضت تعديلها، فهناك إمكانية للتوصل إلى توافق على مواصفات جديدة للسد يمكن أن تقلل من الأعباء الواقعة على أديس أبابا وتضع حدا عمليا للخلاف مع القاهرة.

 

تدور الأزمة من وجهة نظر مصر في فلك النواحي الفنية المتعلقة بخطة وسعة ملء خزان السد، بينما أزمة أديس أبابا ترتبط بضعف إمكانات الشركة الإثيوبية “ميتيك” للمعادن، وكانت مسؤولة عن تركيب توربينات السد، وعجزت عن إنهاء مهمتها في الموعد المحدد، ما تسبب في تأخر عمل بعض الإنشاءات التي تقوم بها شركة ساليني إمبريليو الإيطالية، وهو ما اضطر آبي أحمد إلى إنهاء عقد ميتيك، ولم يسند العمل حتى الآن لشركة أخرى.

 

وفي مقال نشر بتاريخ 31 يوليو الماضي في موقع إثيوبيا إنسايت، أشار وليام دافيدسون إلى أن مؤسسة المعادن والهندسة المحلية تفتقر إلى القدرة على أداء المهمة المسندة إليها، وفشلت في تثبيت أحد التوربينات الـ16 التابعة للسد، وبالتالي تأخر العمل الكهروميكانيكي لشركة ساليني. وكان من المقرر الانتهاء من المشروع في مايو من العام الماضي، لكن أنجز ما يقرب من 65 بالمئة فقط من المشروع.

وشككت مصادر معنية بملف مياه النيل في البيانات الاثيوبية حول نسب التشييد في سد النهضة وأنه تم الإنتهاء من 70% منه، وإنه حتي في حالة الإنتهاء من جسم السد يبقى بلا قيمة طالما بقيت الأعمال الخاصة بإنتاج الكهرباء وتركيب التوربينات غير مكتملة، وهي الأعمال الأكثر تعقيدا وأهمية في المشروع الأثيوبي.

 

لم ينعكس التقدم الواضح في العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا، بعد على أزمة سد النهضة، ولم يتم الإعلان عن أي خطوات مباشرة من شأنها  الحد من الخلافات بين مصر واثيوبيا بينهما حتى الآن، وما يحدث من إشارات وتلميحات وما يتم ترويجه من تطورات إيجابية بينهما، يشير إلى عدم استبعاد إيجاد حل وسط يلبي طموحات البلدين، خاصة أن أمام مصر فرصة لاستغلال الأزمة الفنية التي تواجه السد، من خلال تقديم الدعم اللازم في هذا الاتجاه وتعويض غياب الخبرات الإثيوبية في بناء السدود، لتأكيد مبدأ حسن النوايا، فضلا عن تحويل العلاقات بين دول حوض النيل إلي شراكة إستراتيجية تخدم مصالح مصر والسودان واثيوبيا واريتريا.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى