الأخبارالانتاج

رحلة نقل  النخيل العربي إلي الابل إلي القطار  والسفن البخارية  إلي أمريكا

 

المشرق العربي كان موطن النخلة، فقد عرفت الولايات المتحدة الأمريكية زراعة النخيل في العام 1857م، حيث تمت زراعتها في الولايات الجنوبية مثل أريزونا وكاليفورنيا ونيفادا، وتمت زراعتها بوساطة المزارعين الإسبان الذين زرعوا النخيل عن طريق البذور، وكانت بداية إنتاج التمر في عام 1877م ولكن نوعية التمر لم تكن جيدة.

ولعبت وزارة الزراعة الأمريكية دوراً مهماً في نشر زراعة النخيل في أمريكا، حيث قامت بتمويل الأبحاث العلمية المتعلقة بالنخيل والتمر وخاصة عن طريق محطات التجارب التابعة لها في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا اللتين لهما دورٌ مهمٌ في تطور النخيل وخاصة في مجال الأبحاث التطبيقية التي تؤثر في نمو النخيل، وأيضاً على كمية وجودة التمورالمنتجة تحت الظروف البيئية في الولايات المتحدة.

في العام 1890م استوردت وزارة الزراعة الأمريكية من المغرب والجزائر وتونس ومصر والعراق وسلطنة عمان مجموعة من فسائل النخيل المختلفة معظمها صنف «دجلة نور» من دول شمال إفريقيا، وصنف «البرحي» من العراق، وتمت زراعتها في محطات الأبحاث الخاصة بالوزارة في كل من ولاية كاليفورنيا، وولاية أريزونا وفي تكساس، ونيومكسيكو. وبعد نجاحها وإنتاجها فسائل جديدة، تم توزيع هذه الفسائل على المزارعين الراغبين في زراعة النخيل مجاناً، والباقي زُرع في مراكز الأبحاث التابعة لوزارة الزراعة لأغراض الدراسة والبحث وتطبيق التجارب الحقلية عليها.

وتولى الدكتور «والتر سوينجل» الذي كان يعمل في وزارة الزراعة الأمريكية وكان متخصصاً في علم النبات عمليات الاستيراد، وبذل مجهوداً كبيراً من أجل استيراد مجموعة من فسائل النخيل من الدول العربية. وقد واجهته صعوبة في شرائها خاصة من واحات الجزائر في الصحراء، حيث كانت تلك الفسائل تنقل بوساطة الجمال إلى المدن الغربية في الجزائر، ثم يتم نقلها بوساطة القطار البخاري حتى الساحل، ويتم بعدها النقل بوساطة السفن البخارية إلى مدينة نيويورك، ثم تنقل من هناك بوساطة القطار البخاري إلى محطات الأبحاث الزراعية في مدينة ياما بولاية أريزونا، ومحطة أنديو بولاية كاليفورنيا. وخلال هذه الرحلة الطويلة كان الدكتور والتر سوينجل يرافق هذه الفسائل منذ بداية الشراء حتى غرسها في هذه المحطات. وقد أقام الدكتور والتر سوينجل فترة من السنوات في مدينة انديو ليتابع تجاربه البحثية العلمية التطبيقية حتى نجحت زراعة الفسائل، وهو كان المشرف على محطة الأبحاث في مدينة انديو. وبعد نجاح زراعة الفسائل تم توزيعها على المزارعين الراغبين في زراعة النخيل مجاناً، وانتشرت بعد ذلك زراعة النخيل في الولايات الجنوبية، وقد تفوقت هذه الأصناف المستوردة من الدول العربية في الجودة على الأصناف المحلية التي تم تكاثرها من طريق البذور بوساطة المستوطنين الأمريكيين في تلك الفترة. وكان أحد أهم أسباب انتشار زراعة النخيل في أمريكا قيام الدكتور والتر سوينجل بمهمة استيراد فسائل النخيل من الدول العربية وزراعتها هناك، لذا أطلق عليه المؤسس الحقيقي لزراعة النخيل في الولايات المتحدة.

 

وفي بداية العام 1913م تم إنشاء جمعية مزارعي النخيل في وادي كوتشيلا في جنوب كاليفورنيا من قبل مزارعين يمثلون القطاع الخاص الذي يلعب دوراً مكملاً لدور وزارة الزراعة الأمريكية في توطين زراعة النخيل، واستورد آلاف من فسائل النخيل من الدول العربية وخاصة صنف «دجلة نور»، كما استورد بعض مزارعي النخيل الفسائل لمشاريعهم التجارية وخاصة في جنوب كاليفورنيا، ومدينة ياما في ولاية أريزونا. ونتيجة لزيادة الإنتاج والطلب على التمر في ولاية كاليفورنيا وغيرها من الولايات، أنشأت جمعية مزارعي النخيل مصنعاً للتمر لمساعدة جميع أعضائها فيما يحتاجون من خدمات زراعية وتقديم الإرشاد الزراعي والاستشارات الزراعية في مجالات النخيل والتمر وخدمات ما بعد الحصاد مثل: التعبئة والتخزين والتسويق باستخدام وسائل الإعلام المختلفة.

كما أشرفت جمعية مزارعي النخيل على إصدار مجلة متخصصة لنشر البحوث ونتائج الندوات والمؤتمرات واللقاءات العلمية عن النخيل والتمر في الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى المعروفة بأوجه نشاطها العلمية عن النخيل والتمر.

وقد ظلت هذه المجلة التي تحمل اسم (date growers inst) تصدر بانتظام حوالي 50 سنة متصلة، ولم تتوقف عن الصدور إلا في الربع الأخير من القرن العشرين بعد أن أوقفت وزارة الزراعة الأمريكية الدعم المادي عن أبحاث النخيل والتمر.

في كاليفورنيا يُطلق على النخيل: «جواهر الصحراء» Jewels of The Desert. ويعكس هذا المصطلح اهتمام الأمريكيين بحماية وحفظ هذه الجواهر، وخاصة فيما يتعلق بحمايتها من الآفات الزراعية. لكن تحدي الطبيعة كان قاسياً، ففي شهر يناير من عام 1937م، أصابت كاليفورنيا موجة صقيع قاسية حيث وصلت درجة الحرارة 13 درجة على مقياس فهرنهايت في جنوب الولاية لمدة ثلاث ليالٍ، مما تسبب في حدوث أضرار أصاب سعف النخيل، وشمل هذا الدمار ما بين 50 إلى %90 من السعف، وكانت نتيجة هذا الصقيع حدوث انخفاض كبير للغاية في إنتاج التمور ذلك العام، كما إن النوعية كانت رديئة. وفي سنة 1938م كان الطلع قليلاً أيضاً، واستمرت المشكلة لمدة ثلاث سنوات حتى تحسن الإنتاج والنوعية للتمر بعد اختفاء أضرار الصقيع.

أما من حيث الآفات، فقد اهتمت وزارة الزراعة الأمريكية بجميع الأمراض التي تصيب النخيل حتى تتمكن من تشخيصها في مرحلة مبكرة من الإصابة ليسهل مكافحتها، وأيضاً تعرفت إلى الأمراض والآفات التي تصيب النخيل في دول العالم الأخرى لمنع دخولها إلى الولايات المتحدة عن طريق فرض قوانين الحجر الزراعي الخارجي وذلك من أجل حماية النخيل.

 

وقد استمر التوسع في زراعة النخيل سواء في ولاية كاليفورنيا أو ولاية أريزونا، ونجح الأمريكيون في زراعته وخدمته، وتوصلوا عن طريق الدراسات إلى أفضل النتائج في زيادة الإنتاج وتحسين صفات الثمار عن طريق بحوث التسميد والريّ ومقاومة الآفات الحشرية والأمراض الفطرية وتلافي العوامل الجوية المعاكسة. كما تم الاهتمام بتعبئة التمور وتبخيرها وتصنيعها وتخزينها وتسويقها بأساليب مختلفة تحقق رغبات المستهلكين في أمريكا وخارجها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى