محمد صلاح يكتب: وسائل “الخلل” الاجتماعي… مجرد دعوة لإنقاذ ما يمكن انقاذه!
رئيس قناة مصر الزراعية
مع نهاية القرن العشرين والذي كان يعتبر بداية هامة لظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها في مصر، اعتبر أبناء جيلي ذلك فرصة جيدة للتواصل والتعرف علي الآخر، والانفتاح علي ثقافات متعددة، فرغم حالة الانبهار التي انتابتنا نظرا لحداثة التجربة، الا اننا حينها استطعنا ان ننهل منها ما نشاء مع تحفظنا على ما يخالف ما تربينا عليه من قيم.
ومع التطور السريع والمتلاحق لتلك الوسائل وتنوعها وانتشارها الواسع في نهاية العقد الأول من القرن الحالي، ازداد تأثيرها بين الأجيال المختلفة علي كافة المستويات، حيث أصبحت محط اهتمام لقطاعات كبيرة في المجتمع المصري، ولن نكون مبالغين اذا ما أجزمنا نجاحها في استقطاب الغالبية العظمى من الشعب المصري، حيث تشير احصائيات غير رسمية الى أن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر بلغوا 50 مليون مستخدم، منهم 38 مليون شخص يستخدمون “فيسبوك”، بينهم 14 مليون أنثي، و24 مليون ذكر، ذلك إلى جانب 11 مليون شخص يستخدمون “إنستجرام”.
لم يكن أحد يتصور أن هذا التطور الجاري سيحدث آثارا عميقة في المجتمع، وسيكون له الاسهام الأكبر في صياغة أفكار أجيال بأكملها، حيث يحدد توجهاتهم الثقافية والفكرية والسياسية، وأنماط السلوك الاجتماعي التي تصبغ شخصيتهم، وذلك حين استطاعت تلك الوسائل ان تحتل موقع الأسرة في الواقع الافتراضي، مما أدى الى إحداث خلل احتماعي لا ينكره أحد، خاصة مع اندثار القيم التربوية التي طالما جاهد آبنائنا ومن قبلهم أجدادنا في غرسها بداخلنا.
بجانب الخلل الثقافي والاجتماعي الذي احدثته تلك الوسائل في مجتمعنا، استطاع “أهل الشر” ان يجد فيها -نظرا لتأثيراتها – سلاحا سهلا لاستخدامه في حروب الجيل الرابع، وحققوا من خلاله أقصى استفادة لنشر الفتن والشائعات والأكاذيب المغرضة، والتي تحدث البلبلة في المجتمع من جانب، وتشغل مؤسسات الدولة بالرد عليها لتوضيح الأمور من جانب آخر، مما يتسبب في انهاكها، بالخوض في معارك هي في غنى عنها، ظنا من هؤلاء ان ذلك قد يؤجل من خطط التنمية ويحدث ربكة في ميادين الانتاج.
ورغم ادراك الدولة والقيادة السياسية لتلك المخططات، والتوجه الحكومي للتصدي أول بأول لما يثار من شائعات تستهدف التأثير سلبا علي الحياه اليومية للمواطنين، وفقدان الثقة بين المواطن والحكومة، ومع النجاح الحكومي الملحوظ للقضاء علي تلك الشائعات من خلال الاجهزة المعنية ومراكز المعلومات، إلا اننا لازلنا في حاجة ماسة لخطوة تسبق الرد والمواجهة لما يثار، بل قد تغنينا أيضا عن ذلك.
ربما تكمن الخطوة المنشودة في برنامج وطني يسير جانبا الي جنب مع التحول اللرقمي الذي نشهده حاليا، بحيث يتم من خلاله نشر الوعي المجتمعي بتوخي الحيطة والحذر في نقل المعلومات والأنباء عبر هذه الوسائل، والتي اصبحت سلاحا ذو حدين، قد يؤدي الي انهيار امم اذا ما اسيئ استخدامه، بإعتبار ان تلك الوسائل هي اداه هامة لإعلام جديد نظرا لدورها متعدد الأبعاد.
البرنامج الوطني الذي نحتاجه يرشدنا الي إعادة النظر في طرق استخدام تلك الوسائل، وتعظيم الاستفادة الايجابية منها، والانتباه الجيد إلى ما تحدثه من آثار سلبية، من تداول غير مسئول لأمور مغلوطة دون التأكد من صحتها، منا قد يؤدي الي بلبلة واضطراب في الأمن المجتمعي.
فقط مجرد دعوة خالصة النية لإنقاذ ما يمكن انقاذه!