محمد بلال يكتب:أحلام علي باب الوزير
لقيت إتصالاً هاتفياً من مكتب معالي وزير الزراعة يستأذن فيه المتحدث في إرسال دعوة رسمية عن طريق الإيميل لحضور إجتماع هام بالوزارة وهذا الإجتماع سيشمل حضور مجموعة من الشباب العاملين في الوزارة والمهتمين بالمجال الزراعي وربما يكون لهم رؤيه واضحه للقفز بمسيرة وزارة الزراعة حيث يريد السيد الوزير بنفسه الإطلاع علي الأفكار والمقترحات التي قد يناقشها مع الشباب ..
أشار سيادته إلي أن الدعوة ستشمل تذاكر السفر إلي مصر والعودة وخطاب للجامعة هنا كي تسمح لي بالسفر ..
قدمت شكرى للسيد المتحدث وأبلغته تحياتي الحارة للسيد الوزير فلقد أعجبتني الفكرة التي تطرح لأول مرة حيث عادة ما يتم تكليف الوزير بمهام منصبه ليبدأ بتنفيذ خطته الفردية للنهوض بالوزراة فما يلبث إلا أن تهزمه العراقيل وتغلبه الملفات المترحلة من سابقيه ويغرق في دوامات مستنقع المشكلات في الوزارة وأعفان الروتين والدولابية الضاربة في جذور وأروقة الوزراة.
أعجبت جداً بهذا الإهتمام الجديد فهذه خطوة جيدة في الطريق الصحيح ومشاركة الآخرين في وضع الأفكار تجعل اللعبه جماعية وتحقيق الأهداف مضمون. جلست لأفكر ياتري ماذا يريد الوزير أن يسمع منا .. الخطوة رائعة فعلاً ويجب علينا تقديم النصح والمشورة لأن هذا واجبنا تجاه المسئولين أن ننصحهم قبل أن نجرحهم ونعينهم قبل أن نهينهم ..
ماذا يريد الوزير ياتري؟! والسؤال الأهم ماذا يستطيع أن ينفذه مما يريده ؟! .. ماهي حدود إمكانياته ؟! ماهي قدرته علي المناورات السياسية والإقتصادية بالوزراة في الحياة العامة ؟! .. لدينا أفكار تتكلف مليارات .. ماهي قدرته علي تحقيقها ؟! ماذا مثلاً لو طلبت منه فصل المراكز البحثية وإضافتها إلي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؟ أو وزارة خاصة فقط بالبحث العلمي والإبتكار؟! ..
ماذا لو طلبت منه فصل قطاع الطب البيطري ليصبح هيئة مستقلة تشمل مراكز الأبحاث البيطرية المتطورة والمجهزة وضمه لوزارة الصحة كقطاع صحي في الأساس يهتم بصحة وأمراض الحيوان وعلاقة بعضها بالإنسان وأيضاً علاجات وأدوية البيطرة ؟ حتي أن كليات الطب البطري غير مرتبطه بكليات الزراعة وفارق المجموع المؤهل للإلتحاق بها كبير جداً ! ..
ماذا لو طلبت منه استعادة العمل بنظم الدورة الزراعية وتحديد المحاصيل المنزرعة إجبارياً علي المزارعين مع تحديد سعر بيع كل أنواع المنتجات الزراعية من لحوم وخضر وفاكهة ومحاصيل استراتيجية ؟! ماذا لو طلبت منه سرعة تقديم طلب لمحلس النواب بتفعيل عقوبة المؤبد أوالإعدام لكل من عمل في تصنيع الأسمده والمبيدات الغير مرخصة والغير مسموح بتداولها مثلها مثل المخدرات فكلاهما يقتل أبناء المصريين وأحلامهم ويدمر مستقبلهم ..
ماذا لو طلبت منه مثلاً ثورة في قطاع التعاونيات واقترحت عليه مثلاً أن يتم تفعيل نظم الزراعات التعاقدية واستغلال الجمعيات الزراعية والإدارات الزراعية والتعاون الزراعي في تجميع المحاصيل من الناس وبأسعار ثابته ومعروفه للبيع والشراء ويتم في خلال ذلك التعاقد المباشر مع جميع شركات التصنيع الغذائي (صلصة – مكرونة – مخبوزات – عصائر – معلبات – مجففات – حبوب .. إلخ) بالشراء فقط من خلال مربعات التجميع في كل مركز ومدينه في نطاق الجمهورية والتعاقد مع الشركات علي سعر مناسب وإضافة كافة رسوم التداول والنقل والتخزين والتعبئة وهامش الربح المناسب ومنه يتم تحديد سعر واحد للشراء من المزارعين فمثلاً يتقدم أصحاب مصانع الصلصة -مثلاً- بطلبات لهيئة التداول الزراعي بالوزارة -كفكرة- بطلبات قبل العروة الشتوية بمواعيد تحددها الهيئة وتقدم الطلبات بكميات الطماطم ومواصفاتها المطلوب توريدها بعد العروة الشتوية ومن خلال حسابات بسيطة تستطيع الوزراة تحديد مساحات الطماطم المطلوب زراعتها هذه العروة فتقوم بتلقي الطلبات من كل مزارع ينوي زراعة الطماطم هذه السنه إلي أن تكتفي الهيئة من المساحات المطلوبة فيتم التعاقد علي المحصول وتوريده في مقر الجمعيات الزراعية وأماكن التجميع الرئيسة وفي خلال تلك الفترة.
سيقوم السادة المهندسين الزراعيين –بلا عمل حالياً في كافة مديريات الزراعة- بزيارة المزارع والإطمئنان علي الموسم الزراعي وفحص الحقول وتحديد طرق العمليات الزراعية وأنسب مواعيد جمع المحاصيل المختلفة وتوريدها في المواعيد المحدده ويمكن وضع فئات للتوريد حسب جودة الثمار المقدمه وخلوها من المبيدات المسرطنه والأمراض (هذه التحليلات تجري بمعرفة المعامل في ساعات معدودة) ..
كل ذلك في مناخ صارم ورقابة من حديد لعدم التلاعب .. وبالتالي في النهايه ستتحدد أسعار المنتجات في السوق طبقاً لظروف العرض والطلب علي المنتج (برطمان الصلصة مثلاً) وليس علي المحصول وبالتالي سينام الفلاح والمزراع سعيداً مطمئناً لأنه سيزرع ويعلم مسبقاً بكم سيبيع وأين سيبيع وبالتالي سينشغل فقط بإنتاج ثمار فاخره ومحصول قوي ولن يظل طوال الموسم في رعب ليقع في النهاية فريسة سهله في جشع التجار وسيقتصر دور التاجر علي التوريد ونقل البضائع فقط أو نقل المنتجات النهائية.
ماذا عن مثل هذه الإقتراحات ؟!! هل سيستطيع الوزير مثلاً الضغط علي الحكومة لإبرام اتفاقيات دولية للإستفادة من الخبرات العالمية في تقنيات الزراعة والحصر الفضائي للمحاصيل والمياه الجوفية والمساحات المنزرعة ؟!! .
هل الوزير قادر علي أن يواجه أمواج النقد وسيول التجريح الذي سيصيبه في حال قام بتنفيذ بعض تلك الأفكار .. ماذا عن قطاع الإنتاج الحيواني .. هل سيستمع الوزير لإقتراح مثل إصدار قرار وزاري وقانون من مجلس النواب بمنع تداول أي لحوم حية سواء دواجن أو ماعز وأغنام ومواشي والإقتصار فقط علي اللحوم الطازجة المذبوحة في مذابح نموذجية ومصانع مثالية كمثل باقي دول العالم التي ترتقي بصحة مواطنيها مع توفير تصريح لكل مربي مواشي وإلزامه بتسجيل المواشي بملف خاص للعلاج والمتابعه في مقابل تأمين محترم علي مشروعه ليتم تعويضه في حال إلتزامه بالتطعيمات والمتابعه من قبل الطب البيطري ..
هل هو قادر علي إقناع الناس بمثل هذه الأفكار .. ماذا عن تشجيع المشروعات الصغيرة مثل تربية النحل ودودة الحرير وعيش الغراب وغيرها ..
لدينا عدة مشروعات بالفعل ولكن بمنظومة غير مكتملة وبلا رقابة حيث يتم توزيع الوسائل علي الناس وتركهم بلا رعاية ومتابعه وتسويق!! .. ماذا عن صلاحية وزير الزراعة تفعيل أدواته في كافة المجالات الزراعية مثل إدارات انتاج واستيراد التقاوي ..
ماذا عن جاهزية الوزراة في دعم الدولة بتوفير الشتلات المختلفة لأشجار الزينة وجلب أشجار التنسيق وأنواعها المختلفة وإستصدار قرار وزاري بتجريم كل من يقطع شجرة وإزامه بزراعة 10 أو 50 أو 100 بدلاً منها .. ماذا عن الفلاح وتأمين الفلاح ومطالب نقابات الفلاحين ..
الفلاح الذي أهملناه سنوات وقدمناه بشكل مهين واعتبرناه مصدر البلهارسيا ومصدر الجهل ومصدر تزايد نسب الكثافة السكانية فاضطر إلي أن يهرب خارج إطار تلك الصورة المهينه .. ماذا عن خطة طموحة مثل استبدال أراضي الدلتا بخمسين ضعفاً في مناطق الإستصلاح الجديدة وتكون مستوية وقريبة من مصادر الري ومؤمنه ..
ماذا عن مواجهة موجة تبوير أراضي الدلتا والبناء عليها ألا تستحق السجن المؤبد بخلاف مصادرة الأرض لصالح الدولة ..
ماذا عن إلزام المزارعين باستخدام نظم الري الحديثة في مناطق الدلتا والتخلص من نظم الري بالغمر وفقد المياه ؟؟ ماذا عن الإنتهاء الفوري من ردم كافة الترع والمصارف الزراعية والصحية وتغطيتها ؟! ..
ماذا عن فتح ترعة الشيخ جابر الصباح التي تشق غرب سيناء واستئناف الزراعة بها بما يمد الدولة فوراً بأكثر من مليون فدان في شهور معدودة ؟!! .. ماذا عن إبرام اتفاقيات تعاون مشتركة لتمويل مشروعات الحقاظ علي الموارد الوراثية والنباتات والأصول الوراثية المصرية المنتشرى في الصحاري المصرية والتي تعد كنزاً استراتيجياً .. ماذا وماذا وماذا ؟؟؟؟!
ماذا عن الضرب بيد من حديد علي رأس كل متخاذل وكل مهمل في عمله .. الناس في وزارة الزراعة تحولت لموظفين عموميين ليس لهم قيمه ويمر يومهم بين ساندوتشات الفول والطعمية وربطة الجرجير وكوباية الشاي والحديث المستمر في أي شىء بخلاف العمل ..
الناس لا تشعر بقيمتها ولا تشعر بقيمة عملها وبالتالي فقدت الشعور بقيمة الوطن الذي تعيش فيه.
كل هذا كان يدور في ذهني وأنا أفكر وأفكر وأفكر في هذا اللقاء المرتقب والهام جداً وفي وسط هذه الأفكار وغيرها إنتبهت فجأه لأسمع صوت المنبه الخاص بي يوقظني من نومي لأقوم مفزوعاً وأنظر حولي لأكتشف أنني كنت في حلم طويل ولكنه مؤثر جداً لأمنيات كثيره تمنيت أن أطرحها علي وزير من طراز مختلف ربما نجده في يوم من الأيام علي رأس الوزارة .. تأثرت كثيراً أن هذا الحلم لم يكن حقيقة ولكنها بالفعل هي الحقيقة التي نراها جميعاً حلم يحتاج أن يتحقق.