د خالد وصيف: أهل المية ميه ونظرية الإحتمالات
خبير موارد مائية
تعلمنا في الإحصاء قانون الاحتمالات الشهير، ومثاله الاكثر شهرة المرتبط بقطعة النقود. حينما نلقى بقطعة نقود معدنية في الهواء، ثم تستقر على الأرض، نكون امام احتمالين لا ثالث لهما: صورة واحتمالها 50% او كتابة واحتمالها 50%. لو تكرر القاء القطعة عشر مرات تكون فرصة وجود الصورة خمس أو قريبا منها، وفرصة الكتابة كذلك.
أما لو كنت من هواة لعبة الطاولة وماهر في رمى الزهر، فستعرف ان نسبة تحقق اى رقم من الأرقام المكتوبة على أوجه القطعة لاتزيد عن السدس.
كلها لها نفس الفرصة لو تم القاء قطعة النرد بنفس الطريقة (وبدون قرص). فرصة التحقق بنسبة مائة في المائة لاى احتمال هى نادرة الوقوع، كما ان احتمال استبعاده من التحقق هى ضد السنن الكونية، على اعتبار ان هناك اكثر من بديل لكل حالة. ولو كان هناك بديل واحد فقط كامل التحقق لانتهى علم الإحصاء وأغلقت معاهده أبوابها.
منذ ايام تعرض نيوتن فى مقاله بالمصرى اليوم لنظرية الاحتمالات من خلال تجربة احد اصدقاءه الذى التحق بالعمل فى شبابه باحدى الشركات الدولية. تم عقد اجتماع للمنضمين حديثا للشركة وتحدث اليهم مديرها الانجليزى: سوف أقول لكم ماذا سيحدث لكم فى المستقبل فلا تتعجبون لأنه سيحدث. سوف يستقيل ٥٠٪ منكم خلال العام القادم. وسوف تحدث حادثة كبيرة لواحد منكم خلال الـ ٦ أشهر القادمة (وقع فعلا واكنت من نصيب صاحب الحكاية) وسوف يقتل فى حوادث عمل بالشركة حول ٤ – ٥ موظفين.
وسوف نقوم بتخفيض عدد القتلى إلى ٣ بعد استعانتنا برجال شرطة إنجليز متقاعدين. يتنقلون بين مقراتنا حول العالم لرفع الوعى بتعليمات الأمان. وأخيرا حوالى ٩٠٪ منكم ستكون خلفتهم بنات فقط. وقد حدث ١٠٠٪ مما قاله ليس لأنه منجم ولكن لأنهم يعدون إحصاءات عن كل شىء منذ عام ١٩٣٠
تلك مقدمة سريعة جافة قبل ان ادخل في الموضوع الذى لن يكون عن علم الاحصاء بشكل مباشر ولكن عن علم آخر كان لنا فيه قصب السبق وهو علم الفهلوة.
تعرض صديق لمشكلة في مواسير الصرف في حمام شقته. سأل عن سباك شاطر. اتى السباك وشخص المشكلة في تغيير عدة اكواع ومحابس قام بها بسرعة وقال للصديق كده مية مية.
ارتاح الصديق للانتهاء من مشكلة كانت تؤرقه وأعطى السباك ما طلبه منه ولم ينس زيادة محترمة تحت بند دخان. بعد يومين عاودت المياه التسرب مجددا من المواسير لتملء أرضية الحمام. يأتي نفس السباك ويفحص المواسير. ثم يقول ضاحكا في خفة: معلش نسيت تركيب الجوان المرة اللى فاتت وخلاص كده مية مية
توقفت الغسالة الآلية عن العمل فاتصل الصديق بمركز صيانة العملاء، لضمان حسن الخدمة وللبعد عن الصنايعية الذين يفسدون اكثر مما يصلحون. أتى فنى متخصص حدد المشكلة في طلمبة المياه وطلب تغييرها، وافق الصديق وسأل عن التكلفة قال الرجل: القطعة من الشركة ستكلفك كتير. انا معى قطعة بديلة تشتغل مية مية وبنصف الثمن. اشتغلت القطعة الجديدة ذات الصناعة الرديئة لشهر واحد وعاد العطل مجددا
طبيب جراح شاطر، مية مية في تخصصه، يمضى في غرفة العمليات اكثر مما يمضى في بيته، من خمسة لعشرة عمليات يوميا منها عمليات خطرة تستغرق عدة ساعات، ولان خلايا الجسد العصبية تحتاج لراحة تفرضها هي ان لم تتلقاها، لترتعش اليد الماهرة وتخطئ في خياطة الغرز بعد انتهاء الجراحة، او تهمل في التعقيم فيقع تلوث مميت.
ولعلنا نتذكر تلك الايام التى كانت مجاميع الثانوية العامة فيها تصل لمائة بالمائة واحيانا تتجاوزها، فى تحطيم واضح لعلم المنطق قبل علم الاحصاء والاحتمالات، لنكتشف بعدها ان اصحاب المية مية فى الثانوية يتعثرون فى دراستهم الجامعية، ثم يزدادوا تعثرا فى حياتهم العملية، لتقتص منهم نظرية الاحتمالات بنفس قدر تجاهلهم لها.
هذا الفهلوى الذى صك تعبير المية مية الشهير، واستخدمه ليسوق به أداءا ضعيفا متعجلا ناتج عن انعدام الشعور بالمسؤولية والرغبة فى الربح السريع على حساب الامانة. هو نفسه من قرر ترك قاطرة ضخمة تزن اطنانا من الحديد، وخزانها ممتلئ وقودا قابلا للاشتعال، وقديمة تحتاج للصيانة طبقا لكلامه هو نفسه، تركها على وضع التشغيل ونزل ليلوم زميله على خطأ في القيادة أدى لاحتكاك القاطرتين.
لا أظن ان هذه هي المرة الأولى التي يترك فيها السيد علاء فتحى قاطرته وهى في وضع التشغيل ليقضى بعض حاجاته ومصالحه، ربما فعلها هو مرات او فعلها غيره من باقى الزملاء، فالسلوك المهنى يتم توارثه ونقله بدون قصد، الفكرة كلها ان قانون الاحتمالات لعب لصالحه في كل المرات التي فعلها فيها، وكانت العملة المعدنية تأتى كتابة لتقف معه، ولان القانون له آلياته الحاكمة التي قد تتأخر لكنها واجبة التحقق، فقد جاءت المرة التي تحقق فيها وجه العملة الآخر، وفوجئنا بصورة قاتمة شديدة السواد.
المشكلة اعمق من استقالة مسؤول رفيع، فقد سبقتها استقالات خمسة سابقين خلال العشر سنوات الماضية ولم يتحسن الوضع، وهى لن يحلها معاقبة موظف صغير يوجد العشرات غيره يتبنون نفس النهج وطريقة التفكير والسلوك. المشكلة تمتد لجذور تلافيف العقل المصرى الذى يحتاج لخطة تجديد طويلة الامد.
ترتبط بشكل مباشر مع مناهج التعليم من اول مراحله الابتدائية حتى منتهاها، ويترافق معها اسلوب مختلف للتربية تتبناه الاسر فى البيوت.
خطة توقع الهزيمة بأهل المية مية وتنتصر لنظرية الاحتمالات