د محمد داود يكتب:إحتفالا باليوم العالمي للمياه…الماء بين الشح والاسراف والإهدار
مستشار الموارد المائية ، هيئة البيئة – أبوظبي
يحتفل العالم باليوم العالمي للمياه كل عام في الثاني والعشرين من مارس لتأكيد المعانى الكبيرة عن أهمية المياه كمورد طبيعي وأساس الوجود والحياه وسبحان القائل في كتابة الحكيم: «وجعلنا من الماء كل شىء حى» صدق الله العظيم. وإذا كنا قد تعودنا على أن يحتفل العالم بهذه المناسبة العالمية كل عام في هذا التوقيت، فإن هناك يوما عربياً للمياه. فقد إتفقت الدول العربية ممثلة فى مجلس وزراء المياه العرب في إجتماعه الأول فى الجزائر العاصمة فى شهر يونيو من عام 2009 على أن يكون الثالث من مارس هو يوماً خاصاً للمياه العربية.
وبالرغم من ضعف الإحتفال باليوم العربي للمياه في مقابل اليوم العالمي للمياه إلا أن قرار المجلس الوزاري العربي يؤكد الأهمية الخاصة والمتزايدة للمياه فى المنطقة العربية التى تتسم بندرة شديدة فى المياه العذبة المتجددة، الأمر الذى يضع المنطقة العربية أمام تحديات كثيرة للوفاء بالإحتياجات المائية في ظل معدلات الزيادة السكانية المرتفعة.
فبينما يشكل سكان البلاد العربية نحو 5% من إجمالي مجموع سكان العالم فإن الموارد المائية المتجددة لا تزيد عن 1% من إجمالي المياه العذبة المتاحة فى العالم. كما أن أكثر من 60% من موارد المياه السطحية تأتي من أنهار مشتركة تمثل فيها الدول العربية دول مصب بينما تمثل دول الجوار الجغرافي غير العربية دول المنبع مما يمنح هذه الدول ميزة جيوسياسية في في مواجهة الدول العربية.
وقد يكون النهر ماراً بأكثر من دولة كما فى حالة نهر النيل الذى تشترك فيه إحدى عشرة دولة فى الوقت الحالي وهو النهر الذى يمثل يساهم بنحو 98% من موارد المياه العذبة المتجددة في جمهورية مصر العربية.
ولا تقف التحديات المائية عند التحديات الخارجية بل أن هناك العديد من التحديات الداخلية أيضا. ففى الوقت الذى يتزايد فيه الطلب على المياه من أجل التنمية يزداد عدد السكان باضطراد وهو الأمر الذى جعل كل البلاد العربية تقريباً تقع تحت خط الفقر المائى الذى يقدر عالمياً بحوالى ألف متر مكعب للفرد فى السنة، حيث يقل متوسط نصيب الفرد حالياً فى البلاد العربية عن هذا الحد بينما كان يقدر بحوالى 3500 متر مكعب فى السنة فى حقبة الستينيات من القرن الماضى.
تشير التقارير الدولية إلي أن بعض الدول العربية ينخفض فيها نصيب الفرد الى أقل من 200 متر مكعب فى السنة مما يشكل تحدياً حقيقيا لهذه الدول ومنها اللجوء إلي موارد المياه غير التقليدية مثل التحلية أو إعادة إستخدام مياه الصرف الصحي المعالج وهي موارد تحتاج إلي استثمارات رأسمالية وتشغيلية كبيرة قد لا تستطيعها موازنات وإقتصاديات بعض الدول العربية.
وفي الوقت الحالي فإن الدول العربية ممثلة في دول الخليج العربي تنتج نحو 35% من إجمالي الناتج العالمي من مياه التحلية حيث تأتي المملكة العربية السعودية بإجمالي 2,7 مليار متر مكعب سنويا يليها دولة الإمارات العربية المتحدة بإجمالي 2 مليار متر مكعب سنوياً. وقد وضعت الحكومة المصرية برنامجا طموحا للتوسع في التحلية وتبني صناعة التحلية وتوطينها حيث وصل الإنتاج الحالي في مصر إلي ما يقرب من 240 مليون متر مكعب يومياً ومن المتوقع أن يصل إلي 950 مليون متر مكعب بحلول عام 2030.
وللأسف فإنه بالرغم من هذه الندرة الشديدة والتحديات الكبيرة فإن الحكمة تغيب عن الطرق والأساليب المتبعة فى استخدامات المياه سواء للأغراض المنزلية أو الزراعية أو الصناعة أو المتنزهات والحدائق العامة والأماكن الترفيهية.
ويتراوح ذلك بين الإسراف فى الاستخدام والهدر والفاقد والتلوث وإلقاء المخلفات فى المجارى المائية، ولذلك فنحن أحوج الشعوب لأن نتعامل مع مياهنا العربية بمزيد من الحكمة والحرص والترشيد والعناية على كل مستويات وطوائف المجتمع وأفراده دون أستثناء.
فلكل فئة نصيبها فى المسئولية وله دورها الذي تلعبه بدءاً من إصلاح السياسات وتناسقها وتناغمها في سياسة موحدة لإستخدامات وإدارة الموارد المئاية. وكذلك الإصلاح المؤسسي للمؤسسات التى تدير المياه وتقدم خدماتها، ومروراً بتطوير وتحسين البنية التحتية لمشروعات المياه وإمتدادا لجهود التوعية والتربية والتعليم للتعريف بقيمة المياه وضرورة الحفاظ عليها وترشيد استخدامها، وصولاً الى تعظيم ثقافة ندرة المياه والتعامل مع المياه بقدر ما تمثله من قيمة اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة ترتفع الى مستوى قيمة الحياة نفسها وهو دور مهم يقع على وسائل الإعلام وقادة الفكر ورجال الدين الذين يشكلون فكر المجتمع ووجدانه.
كذلك فإنه من المتوقع أن يأتي لنا المستقبل بمزيد من التحديات فى صورة تأثير التغيرات للمناخية المحتملة سواء بتناقص موارد المياه العربية نتيجة تناقص معدل الأمطار التى تسقط فى المنطقة العربية بحوالى 20% بحلول نهاية القرن الحالى أو إنخفاض معدلات تصرفات الأنهار الرئيسية فى نفس الوقت الذى ترتفع فيه درجة الحرارة ويزداد الفاقد عن طريق البخر ويزداد في الطلب على المياه. إن الأمر جد خطير ويحتاج إلي تضافر الجهود سواء من المؤسسات الحكومية أو المستخدمين أو الإعلام أو المؤسسات الدينية والتعليمية. لذا فإنني أوجه الشكر لوزارة الموارد المائية بجمهورية مصر العربية على الإحتفال المميز هذا العام باليوم العالمي للمياه وإشراك جميع المؤسسات به بشكل يليق بأهمية الحدث.