الأخباربحوث ومنظمات

محمد بلال يكتب: أنقذوا البحث العلمي

مركز بحوث الصحراء

في العام ٢٠١٣ وبعد تعييني كمساعد باحث بمركز بحوث الصحراء طرحت فكرة مشاركة شباب الباحثين من الهيئة المعاونة في نشر الأبحاث العلمية المشاركين فعلاً في تصميم تجاربها والحصول علي نتائجها والمساهمين في إجراءات التحليل المعملي أو القياس الحقلي بها أو كتابتها وإخراجها بالشكل العلمي المتاح للنشر المحلي بمجلات نشر محلية أو في دور النشر العالمية..

 لاقت تلك الفكرة وقتها استحسان البعض والتشجيع الكبير لها من الكثير من الأساتذة والزملاء الأعزاء.. وكان لا ينقص تلك الفكرة غير أن تري النور ويبدأ تنفيذها فعلاً علي أرض الواقع فالكثير من زملائي من الهيئة المعاونة يعملون في المحطات البحثية المختلفة أو في معامل وإدارات المركز العلمية ويتابعون التجارب الحقلية منذ تصميمها وحتي تحقيق المطلوب منها وأخذ القراءات والقياسات بعد تطبيق المعاملات المختلفة علي الوحدات التجريبية المتنوعة وربما يقوم بعض الزملاء باللازم تجاه التجارب منفرداً علي مدار عمر الوحدة التجريبية وبمجرد اتباع للتوجيهات المناسبة من السادة الباحثين وقد يصل بالبعض أن يشارك فعلاً في كتابة البحث وتجميع المادة العلمية الداعمة لفكرة البحث ثم في النهاية يتم نشر البحوث المختلفة دون الإشارة إلي مشاركة الزميل من الهيئة المعاونة.

 علي المستوي الوظيفي لا عيب في ذلك أبداً بل هو دعم لمهارات الهيئة المعاونة التي يتم تأهليها كباحثين في المستقبل لكن علي المستوي العلمي وأخلاقيات البحث العلمي فإنه يتحتم علي الباحثين إضافة إسم الزميل من الهيئة المعاونة للبحث وهذا ليس كلام يخص فقط السادة الباحثين في مركز بحوث الصحراء وإنما هو ما يجب تنفيذه في كل مراكز مصر وهيئاتها البحثية والعلمية في كل المجالات.

عموما …بعد قدومي للصين حاصلاً علي منحة لدراسة الدكتوراه ومع بدء التعارف مع بعض الأصدقاء من دول أخري كانت الصدمة الكبيرة لي عند سؤالي عن ما نشرته من أبحاث وعن ما شاركت فيه من مشروعات وعن مساهمتي دوليا في النشر الدولي للأبحاث.. كانت الصدمة الكبيرة لي أثناء نقاشي مع زميل من دولة باكستان والذي فاجئني بأن لديه ٢٣ بحث منهم ٩ أبحاث دولية ٣ منها بمعامل تأثير “Impact Factor” أكبر من ٤ .

كنت أعتقد أنه يداعبني أو أنه يحلم أن يصل لهذا المستوي حيث أنني لـ”التو” فقط قد عرفت قصة معامل التأثير فقد تم تعييني في ٢٠١٢ في الهيئة المعاونة ولم يخبرني أحد بهذه القصة.. بالفعل لم أكن أعرف ما هو النشر الدولي وما فائدته وما تفاصيله وقد عرفتها كلها من هذا الصديق العزيز من باكستان في نهايات ٢٠١٨!!

لماذا حصل هذا ؟! ولماذا لم يخبرني أحد ؟! ولماذا لم أنشر  3 أو 4 أو  6 بحوث طيلة السنوات السابقة.. ما هو الخلل الذي أصاب ركابنا العلمي فأصبحنا متواضعين لتلك الدرجة التي تجعل منك غير مؤهل حتي للمقارنة العلمية مع نظراءك من دول العالم المختلفة..

 ٢٣ بحثاً شارك فيها هذا “الطالب الباكستاني”  وكتبها وشارك في تجاربها وإعدادها.. ٢٣ خبرة كتابة وتصميم وإطلاع وتطوير ونشر.. ٢٣ فرصة تؤهله لأن يصبح عالماً كبيراً في مجال علوم البيئة مجال تخصصه..

نعم لا يزال هناك فارق في أننا وبرغم الإهمال الجسيم الذي تعرضنا له علي مدار سنوات إلا أن العقل المصري لايزال يحتفظ بنضوجه وبُعد نظره وسلامة تطلعاته وقوة أفكاره.. لكن لابد من إنقاذه فهو في مهب الريح..

بعد شهرين فقط من لقائى الأول مع الزميل الباكستاني وانشغاله الدائم بشيء ما علي جهاز اللاب توب الخاص به دعاني لأحتفل مع باقي زملائنا بنشره الدولي لبحثه رقم ٢٤ والعاشر دولياً .. وكنت أحتفل معه وأنا في قمة الفرحة له وقمة الحسرة علي حالنا! ..

 زميلي الباكستاني ليس وحده.. أغلب من قابلتهم لديهم رصيد قوي من البحوث العلمية الدولية وخبرة وافرة في مجالات النشر

. ما الحل!؟

 نستطيع احداث ثورة علمية في الأبحاث في المراكز البحثية فقط إذا إشترطنا النشر الدولي بعامل تأثير Impact factor مناسب ويكون مجموع الأبحاث المنشورة بقيمة معينه لعامل التأثير أو ما يعرف ب Citations كشرط للترقيات أو الحصول علي الدرجات العلمية..

إذا بدأنا فوراً تحويل مجالس الوحدات والأقسام والشعب المختلفة من مناقشة الأبحاث التي سوف تقيَّم أصلاً عند النشر إلي مناقشة الأبحاث حديثة النشر في المجلات العلمية المختلفة كلٌ في تخصصاته كي نسير في مواكبة التقدم العلمي الحاصل، لكي لا نجد أنفسنا نسبح سريعاً في إتجاه الغرق في بحر التخلف و الإنهيار العلمي..

سيجد الزملاء من شباب الباحثين أنفسهم مجبرين علي الإطلاع علي الجديد في العلوم ومناقشة أفكار جديدة وطرق حديثة وربما الإبداع في مرحلة ما. المكاتب والغرف المغلقة تكون فقط للفحص البحثي واستخلاص الأفكار وإتاحة المعلومات والدراسات العلمية الحديثة.. المعامل فقط التحليلات والقياسات المعملية والملاحظات الدقيقة..

بالنسبة للتحليلات الدقيقة  التي تعد باهظة الثمن نستطيع إسنادها لشركات تحليلات أو معامل كبري بتكلفة مناسبة لابد من وجود احصائيات عامة ثابته في مصر .. الفواكه المصرية.. الخضر المصرية.. المحاصيل المصرية.. حموضتها.. مضادات الأكسدة.. نسب الأملاح.. مواصفات قياسية.. ارقام قياسية مصرية في أحجام الثمار وكميات المحاصيل ومواصفات الوحدة النباتية وتركيز العناصر و محددات الهندسة الوراثية.. القطاع الحيواني والداجني وغيرها لابد من تحديد مواصفاتها القياسية في انتاج اللحوم والألبان ونسب العناصر وتحليلات كل شىء من أول غذائها ومكوناته إلي مخرجاتها ومحتوياتها.. الحشرات.. الأمراض.. الأراضي والمياه والترب المصرية ومكوناتها وعلومها لابد من وضع مواصفات قياسية مرجعية تكون لدي الهيئات العلمية المصرية لتوحيد المخرجات والأهداف

. العلوم متداخلة ولا يجب انفراد مكتب او معمل او وحدة بعلم واحد دون التداخل مع باقي العلوم فالمحاصيل مرتبطة بالتربة والتربة مرتبطة بالمياه والمياه مرتبطة بالمناخ والمناخ مرتبط بالبيئة والبيئة مرتبطه بالنبات والنبات مرتبط بالوراثة وهكذا كل في رباط ودائرة واحدة.

البروفيسور هو “الأستاذ” الحاصل علي فلسفة الدكتوراه وله الخبرة العلمية اللازمة لإدارة أهداف البحوث وتوجهاتها.. وهو وحده من يقرر برنامجه للعمل وتنفيذ خطط البحوث .. الأستاذ هو الرقيب علي البحوث وهو من يقوم بعرضها علي لجان تقييم البحوث.

 لا داعي أبدا في تشتيت الباحثين الشباب في محاولات النصر في معارك تقييم الخطط البحثية الحاصلة في كل مراكز مصر وهيئاتها البحثية. فلتتوجه كل امكانياتنا نحو البحوث والمشروعات.. ثم نحو المعامل والمجلات العلمية.. توفير المحكمين الدوليين .. دعم النشر الدولي مادياً..

 علي الباحث أن يعمل وعلي الهيئات أن تنشر له وتدفع. ماذا لدينا لنعطيه للعالم أم أننا اكتفينا أن نقدم ما تركه الأجداد القدماء… يجب أن نقدم لهم علما ينفعنا وينفعهم.. نواجه مشكلة كبيرة يجب أن ندركها سريعاً وإلا فلنغرق في صمت .. كانت وصية الله لنبيه الكريم يحي ابن زكريا أن يأخذ الكتاب بقوة.. خذوا العلم بقوة.. خذوا المبادرة بقوة.. حفظ الله بلادنا مصر وهيأ لنا من أمرنا رشدا.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى