د عبدالسلام منشاوي يكتب: فوضي تداول التقاوي والمبيدات والصدأ الأصفر
رئيس بحوث القمح في سخا-معهد بحوث المحاصيل الحقلية مركز البحوث الزراعية – مصر
من المعلوم للجميع أن الزراعة هي عصب الحياة وصمام الأمان للأمن الغذائي وهي الحل الأمثل لمشكلة الغذاء. إذا كان توفير الغذاء يمثل الجانب الأمني، بل الجانب الرئيس للأمن الغذائي فإن الرقابة على المستلزمات الزراعية وحماية المزارع تمثل أمر في غاية الخطورة. إن الرقابة على تداول المستلزمات الزراعية لا تقل أهميه عن الرقابة على المخدرات فكلاهما يهدد المجتمع كله و ينعكس عليه بالضرر ويمس الأمن القومي للدولة.
تحرير الزراعة لا يعني الإضرار بالأمن القومي للبلاد، ومن يتأمل الزراعة في الفترة الأخيرة يرى أنها قد ساد فيها نوع من الفوضى وغياب التشريعات والقوانين والرقابة، لإنه من المعلوم إن وجود الضمير الحي ينظم العلاقة داخل فئات المجتمع أما في حاله انعدام الضمير فلابد من وجود قوانين وتشريعات وجهات رقابية تحمي المواطنين من جشع وخداع معدومي الضمير والوطنية والذي قد يضر بالأمن القومي للبلاد.
إن الناظر إلى محصول القمح كنموذج لتداول التقاوي والمبيدات وعشوائية الزراعة، يرى ذالك واضح و جليا. وجدنا في الفترة الأخيرة القمح المبرد بذوره والذي يزرع في شهر سبتمبر ثم رأينا التريتيكال والقمح الفرعوني والخارق والشبح. كل ذالك مع اختلاف مواعيد الزراعة و عدم التزام المزارعين بالمواعيد الموصى بها من قبل الوزارة يؤدي إلى زيادة المخاطر على المحصول الاستراتيجي في مصر. حينما تسير بين زراعات القمح في شهر فبراير وتشاهد القمح في كل مراحل النمو المختلفة، فنجد القمح في طور الامتلاء وفي طرد السنابل والحبلان والاستطالة والتفريع والبادرة في وقت واحد، في هذه الحالة تستطيع أن تقدر حجم المشكلة. أضف إلى ذلك الطرز المختلفة الموجودة وعدم الالتزام بالسياسة الصنفية والتي تمثل خريطة الأصناف فأصبح الوضع أكثر خطورة.
إن عدم الالتزام بالسياسة الصنفية التي توضع من قبل قسم بحوث القمح جعل الوضع أكثر تعقيدا وأكثر خطورة. ويقصد بالسياسة الصنفية تحديد أصناف القمح التي يوصى بزراعتها في المناطق التي تجود بها بناء على نتائج التجارب والبحوث والمقاومة للأمراض لعدة مواسم .فمن المعلوم أن قمح المكرونة لا يوصى بزراعته في الوجه البحري ولا ينصح إطلاقا بزراعته هناك ولكن يوصى به في مصر الوسطى ومصر العليا فقط ومع ذلك أصبح موجود في ربوع الجمهورية وحتى وصل إلى أقصى الشمال على حدود البحر المتوسط.
السياسة الصنفية تعمل كصمام أمان في حاله انتشار الأمراض. وفي ظل وجود سلالات فسيولوجية جديدة فإن السياسة الصنفية تعمل على التوازن بين الأصناف وتحمي زراعات القمح من حدوث وبائية وتقلل الضرر على المحصول. ومن الملاحظ عدم الالتزام بالسياسة الصنفية، فالصنف سدس 12 صنف أصبح في تعداد الأصناف المصابة وعليه تم منع زراعته في الوجه البحري ولكن يوصى به في مصر الوسطى ومصر العليا. ومع ذلك نجد انتشاره بشكل كبير جدا في جميع محافظات الجمهورية خصوصا في الوجه البحري، وقد ساهم ذلك في زيادة مشكلة الصدأ الأصفر. إن خطورة الأمر تكمن في أن الجراثيم المسببة لأمراض الأصداء تنتقل عن طريق الهواء، وقد تنتقل إلى ألاف الأميال على هيئة ظلل من الجراثيم مع الرياح والسحاب و تأتي الإصابة الأولية لمصر من مناطق مختلفة حسب اتجاه الرياح وحسب مصدر وجود الجراثيم. وفي ظل توافر العوامل المساعدة لحدوث الإصابة الثلاثة (صنف قابل للإصابة، ظروف بيئية مناسبة، المسبب المرضى القادر على إحداث الإصابة) تحدث الإصابة الأولية. ثم بعد ذلك بفترة 12-15 يتم تواجد الطور المتكرر (اليوريدي) المعدي وهو الأخطر داخل القطر المصري حيث ينتج جراثيم بمعدل كبير جدا وتنتقل إلى الحقول المجاورة وتحدث الإصابات في المناطق الأخرى في ظل الظروف البيئية المناسبة.
و أذا علمنا أن الإصابة المرضية ترتبط بمرحله عمريه معينه لنمو النبات. فوجود مساحات كبيرة منزرعة في مواعيد زراعة مبكرة ساهمت بوجود النباتات في مراحل عمريه مناسبة لحدوث الإصابة. وفي حالة الأصناف القابلة للإصابة و التي لا ينصح بزراعتها في تلك المناطق حدثت الإصابة و تطور المرض في ميعاد مبكر بما يسمح لانتقال العدوى لحقول القمح التي في عمر مناسب. ما سبق يفسر ظهور الإصابة مبكرا في نهاية شهر يناير مما ساهم في زيادة الإصابة.
أضف إلى ذلك وجود التريتيكال والقمح الفرعوني أو الشبح أو الخارق والمنزرع في بداية شهر أكتوبر في محافظات الوجه البحري وهي طرز حساسة جدا للإمراض ومتأخر في طرد السنابل مما ساهم في وجود عائل مناسب لحدوث الإصابة لفترات ساهم في وجود لقاح معدي بشكل عالي جدا ولفترة طويلة، كل ذلك أيضاً ساهم في زيادة الإصابة وتطورها.
وعلى الجانب الأخر نرى تداول المبيدات ساهم بشكل كبير في زيادة الإصابة، ففي مناطق ظهور الإصابة تم التوصية باستعمال المبيدات الموصى بها اشتكي المزارعين من عدم فاعلية المبيدات وعمليه الرش والمكافحة ويرجع ذلك إلى عدم التزام أصحاب محلات المبيدات بالمبيدات الموصى بها و إعطاء المزارع أشياء لم يصرح بها للبيع مع إضافة أحماض أمينيه وهيومك وكبريتات ومغذيات ومخصبات ………. ألخ.
وقد ينشط المسبب المرضي أو يقلل من كفاءة المبيد وبالتالي عدم تأثير المبيد ويزيد خطورة المرض. كيف يتم تداول طرز وراثية بدون تسجيل من لجنه تسجيل الأصناف وتوزيعها وزراعتها في العلن دون أن يحاسب من يقوم بذلك مع العلم أن هناك مجموعات منظمه ومعلومة تعمل على تداول مثل هذه الأشياء بهدف التربح من دماء المزارعين والإضرار بالأمن الغذائي للوطن. لماذا نجد من يقوم بتوزيع صنف محصول لم يتم تسجيله بعد من خلال لجنة تسجل الأصناف ولا أحد يحاسب أو توزيع أصناف خلاف توصيات وزارة الزراعة الموصى بها. إن وجود التشريعات وأجهزة الرقابة لحماية الأمن الغذائي في الوطن في غاية الأهمية. فحينما كان محصول القطن يمثل المحصول الاستراتيجي في السابق كان هناك تشريعات تحدد مواعيد الزراعة، بل كان هناك من القوانين و التشريعات التي تعمل على حماية محصول القطن. فمثلا كان هناك قانون يمنع ري البرسيم في شهر يونيه للحد من مخاطر دودة ورق القطن على محصول القطن.
أين دور التعاونيات الذي يحفظ توازن السوق ويمنع الغش والجشع مع العلم أن ذلك كان موجود في الماضي وكان محل ثقة للمزارعين.لابد من إعادة النظر في مثل هذه الأمور على ضوء المستجدات الحادثة والخروج بتوصيات فعالة لحماية المجتمع من الجشع وانعدام الضمير والحس الوطني .