د محمد الشاطر يكتب: مخاطر تلوث الأسماك على الصحة العامة
رئيس بحوث صحة الأغذية – معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية – مصر
تعتبر الثروة السمكية فى مصر احدى مصادر الدخل القومى والأسماك مصدر هام من مصادر البروتين الحيوانى الذى يوفر الاحتياجات الغذائية للفرد.
وتتمتع مصر بمساحات كبيرة من المصايد الطبيعية وتشمل البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر وكذلك البحيرات بالاضافة إلى النيل وقد قامت الحكومات المصرية المتتابعة بالاستزراع السمكى لتنمية الثروة السمكية وزيادة نصيب الفرد من الأسماك والبروتيين الحيوانى.
تعتبر شوادر الأسماك المنتشرة فى محافظات مصر المختلفة هى حلقة الوصل بين مصادر الأسماك الطبيعية واسماك الاستزراع والمستهلك مرورا بعمليات نقل الأسماك إلى أماكن عرضها للبيع.
والحديث عن تلوث الأسماك فى مصر قد لا يروق لنا كثيرا إنما نحن نعرض حقائق مجردة دون تجميل أو تزييف لواقع نعيشه ليلا ونهارا وقد يكون نبل الهدف وحسن القصد فى عرض الحقيقة المجردة ابتغاء غد أفضل لصحة المصريين غفرانا لنا عن قساوة الصورة التى تحمل الكثير من الملوثات بما فيها من اخطار ضارة بصحة المصريين الذين يعيشون هذه الحقبة من الزمن وربما تمتد المخاطر لأجيال قادمة.
وللتنظير للملوثات نبدأ أولا بتعريفها ” الملوثات للاغذية هى كل مايصل إلى غذاء الإنسان ويشكل خطرا على صحته”.
وهناك تعريفات علمية كثيرة لا يتسع المقال لذكرها وهى تعنى المتخصصين العاملين فى صحة الاغذية وسلامتها.
ونحن فى هذا الصدد للحديث عن ملوثات الأسماك لابد أن نعرف مصادر هذه الملوثات قبل أن تصل إلى المستهلك الذى لا يستبعد أن يكون احد مصادر هذه الملوثات.
إن أول مصدر من مصادر التلوث هو التلوث الذى تحتويه المياه الطبيعية التى يعيش فيها الأسماك كما هو الحال فى البحار والتى يلقى فيها مياه الصرف الصحى والمخلفات القاتلة (والنفايات النووية فى بعض دول العالم) ومخلفات السفن التى تلقى فى جوف البحر ليصل إلى جوف الأسماك. وكذلك تلوث النيل الذى أنشئ عليه العديد من المصانعٍ التى لم تتورع فى إلقاء مخلفاتها الكيميائيه والعضويه فى مجرى النهر لتكون طعاما اجباريا للكائنات التى تعيش فيها شاءت أم أبت, ولم ينجُ الاستزراع السمكى سواء البحرى والنهرى او الاستزراع في الأراضى البور التى تعتمد على مياه الصرف الزراعى بما تحمله من ملوثات وكذلك البحيرات الاصطناعية مثل بحيرة ناصر ومنخفض الريان.
وقد نتساءل ماهى أنواع تلك الملوثات التى تحملها الأسماك قبل أن تنقل إلى أماكن بيعها للمستهلك؟
مجمل القول فى أنواع الملوثات أنها نوعين كيميائية وبيولوجية.اما ايجاز القول فى الملوثات الكيميائية فمنها على سبيل المثال المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم والزرنيخ وكذلك بقايا المضادات الحيوية وبقايا العقاقير الطبية التى تستخدم فى الاستزراع السمكى بصفة خاصه.
أما القول فى الملوثات البيلوجية فتتمثل فى الميكروبات مثل البكتريا الممرضه والمسببة للتسمم الغذائى منها السالمونيلا والايشيريشيا كولاى والليستيريا والشيجلا وغيرها وكذلك الفيروسات مثل فيروسات الكيد والطفيليات التى تنتقل إلى الإنسان ولا يفوتنا القول بأهمية التلوث الفطرى وسمومة الضارة.
ولاتخلو رحلة نقل الأسماك- من مصايدهاالطبيعية والمزارع السمكية – من احتمال انتقال الملوثات اليها عن طريق الطاولات الملوثة والثلج الملوث وتساهم درجة الحرارة بارتفاعها عن نشاط يكتيرى كبير قد يسبب فساد الأسماك حال وصولها إلى اماكن بيعها اذا كانت اجراءات حفظ الأسماك غير سليمة او أن تطول فترة رحلة النقل اكثر من المتوقع.
أما عن التلوث فى شادر الأسماك عند عرضها للبيع فتبدا بالهواء الذى يحيط به حيث الاتربة والذباب الذى يغطى سطح الأسماك وقد يستخدم بعض الافراد المبيدات الحشرية اما بالرش المباشر او الغير مباشر للتخلص من الذباب وهؤلاء الافراد غير المسئولين لايعرفون إنهم يدفعون الضر باللأضر والخطير بالأخطر .ونحن بصدد تلوث الأسماك فى شادر الأسماك او فى أى مكان تعرض فيه للبيع لا نبرئ الأفراد المتعاملين مع الأسماك سواء تجار أوعمال أومستهلكين والذين لديهم عادات وممارسات غير صحية تنقل بكل سهولة الملوثات إلى الأسماك.وقد يكون المكان احد اهم المصادر التى تساهم بشكل كبير فموقع المكان اذا كان قريبا من أى مصر للتلوث مثل مقالب القمامة او احد الورش او المصانع التى تلقى بمخلفاتها والابخرة والغازات المنبعثة منها ,اما المصدر الهام فى شوادر الأسماك فهو انسداد الصرف الصحى بالمكان وتراكم بركة من مخلفات الصرف الصحى وماتحملة من ملوثات ممرضة وقد تكون قاتلة.
أما عن الحالات المرضية التى تتبع تناول هذة الملوثات قد يكون تسمم غذائى بكتيرى او اصابة بالبكتيريا الممرضة اواصابة بالفيروسات او الطفيليات.اما خطورة الملوثات الكيميائية فخطورتها كبيرة فبعضها قد يسبب الفشل الكلوى والبعض الاخر قد يسبب حالات السرطان او الاضطرابات العصبية واضطرابات فى اجهزة الجسم المختلفة وخصوصا الجهاز العصبى والمخ وهى أحد مسببات مرض الزهايمر بالاضافة الى اضطراب هرمونات الجسم.
وبعد هذا الايجاز فى القول عن خطر الملوثات قد يثبت فى اذهاننا ويستقر انه لا مناص من التلوث فهو قائم وقادم ويبقى الامل قائما لانحسار خطره وتقليله إلى مستويات مقبولة ولكن القول من البعض انه لابد من القضاء نهائيا على التلوث فى الأسماك فى مصر فهو درب من دروب الوهم اوالمستحيل.
الحديث عن تلوث الأسماك فى مصر لا ينفصل عن تلوثها فى باقى دول العالم فلقد عانت منه اليابان واوروبا والدول الصتاعية الكبرى جراء الثورة الصناعية التى اجتاحت العالم باسرة. واحس العالم بهذا الخطر فبعض الدول قد انحازت لصحة شعوبها واتخذت خطوات علمية جادة للحد من خطورة الملوثات، وقد نجحت فى هذا المنحى وبعض الدول قد تخاذلت عن الاهتمام بصحة شعوبها وجنت ثمار ضياع صحة هذه الشعوب.
إن الطريق لحل مشكلة تلوث الأسماك ليس لمن لدية معجزة- فقد انتهى عصر المعجزات -ولكن الطريق لمن لدية إرادة.
إن عقد المؤتمرات ووضع التوصيات التى يتخيلها البعض أنها الحل- دون دراسات علمية جادة وكافية – ولا تتجاوز حناجر قائليها مثل المؤتمر الدولى الافرواسيوى للرى والصرف الذى عقد فى القاهرة عام 1987م، والذى كان شعاره “الحفاظ على المياه من التلوث اهم من تنمية الموارد المائية“، وكان الدافع لعقد هذا المؤتمر هو ظهور تلوث المياة بالمعادن الثقيلة وها نحن اليوم نجنى ثمار المؤتمر “زيادة تلوث المياة وانحسار الموارد المائية فى العالم.
ولحل مشكلة التلوث لابد أننا ندرك أنها مشكلة عالمية فى جوفها مشاكل محلية خاصة بكل دولة . يتمركز حل المشكلة عالميا على محاور ثلاث: المحور الاول يتمثل فى التعاون الدولى الجاد المخلص من الدول التى تنتج اسلحة نووية ،وتلقى بالنفايات النووية فى البحار او المحيطات أو فى أراضى دول العالم الثالث، فى أن تجد الية امنة لدفن هذه النفايات القاتلة التى تعدت على الإنسان وغذاؤه بل والإنسانية. اما المحور الثانى فيتمثل فى إيمان حكومات الدول المختلفة بأهمية العلم، فالحكومات التى تؤمن بالعلم تستطيع أن تاخذ ماهو متاح من العلم لحل المشكلات او إنتاج علم لحل المشكلات.
أما المحور الثالث هو الافراد فلابد أن يكون لديهم قناعة فاعلة باهمية صحة وسلامة غذاء الإنسان،فالإنسان الفرد هو السياسى صانع القرار وهو العالم والمتعلم ، وهو منتج ومستهلك الغذاء.
يأتى دور الدولة فى الحد من خطرالملوثات فتحديث القوانين المتعلقة بالغذاء وتلوثه وحفظه وتداوله وغش الغذاء بما يواكب العصر الحديث ومتطلباته، وعلى الدولة أن تراعى فى إنشاء المنشات التى يتداول فيها الأسماك بصفة عامة والاغذية المختلفة أن لا تمنح الحكومة هذة المنشات التراخيص الخاصة بالانتاج الا بعد التاكد من قدره هذه المنشاة على تطبيق نظم سلامة الغذاء لإنتاج غذاء أمن. كما أن دور الدولة هام فى احكام الرقابة والحزم فى تطبيق القانون.
جدير بالذكر أن تلوث الأسماك لاينفصل عن تلوث الغذاء فى أنواع الملوثات المختلفة إنما الخلاف يأتى بين طبيعة بيئة الأسماك فى المياه وبقية الأغذية فى اليابسة. أن تلوث الأسماك لايبدأ فى شادر الأسماك إنما يزيد فيه.
إن دور المستهلك عظيم فى الحد من كمية التلوث الذى تحمله الأسماك وتقليلة بعمليات الغسيل الجيدة بالاضافة إلى عمليات الطهى المختلفة الجيدة. ونحمد الله أن ليس من بين عادات المصريين تناول الأسماك نيئة دون طهى كما هو الحال فى كثىر من شعوب العالم مثل اليابانيين وإلا كان الخطب عظيم.
وأود أن أختم مقالى هذا بقول الله تعالى:
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) صدق الله العظيم) (فاطر: 12)
وقول الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41)