الأخبارالاقتصادبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

محمد بلال يكتب: “غربل الوطن يا سمير”…وأبدأ بالزراعة

ربما تتشابه تلك العبارة مع عبارة كانت الأشهر والأطهر علي لسان البطل الشهيد عمر القاضي في لحظة تفرق الأبطال عن الجبناء والشهداء عن المجرمين .. ربما لو توقف ذلك المشهد المهيب عند تلك اللحظة وسمح لنا التاريخ بالرجوع والوقوف أمام البطل وهو يقول تلك الكلمات وننظر لتفاصيل المشهد وقتها لنجد مجموعة من المجرمين القتله المخربين يقفون حول مبني صغير ومجموعة من الشهداء أجسادهم الطاهرة ملقاه علي الأرض أو مستندة علي سواتر وتحصينات صغيرة وهناك شاب عشريني ذو ملامح بيضاء جميلة وعيون خضراء يحمل سلاحاً بلا ذخيرة فقد نفذت ذخيرته في محاولاته المستميته للدفاع عن كيانه وموقعه وزملائه وقد أصيب ببعض الطلقات ودمه ينزف وعرقه من الإجهاد يتصبب..

ربما سيكون حينها رد الفعل الطبيعي لأي إنسان هوا الصراخ والإستغاثه وربما الإستجداء والرجاء والتذلل للمهاجمين بأن يرحموه أو يتركوه لكن ما سمعناه وعرفناه أن البطل ظل يصرخ ويزأر في وجه القتله غير عابئ بما سيحدث له بعد ثواني من القتل والتنكيل وإزهاق الروح قائلاً لزميله علي اللاسلكي :”غربل السبيل ياسمير” ثم يوجه زئيره إلي قاتليه قائلاً: “تعال ياض خدني لو تعرف” في تحد صارخ لكل قوانين الطبيعة البشرية ..

إذا سمح لنا التاريخ أن نكون في تلك اللحظة لنفسر تلك المعجزة الحاصلة ونفهمها لعرفنا ساعتها أن البطل القاضي كان يقصد أنه طالما وصل الدواعش إلي الكمين فلا مانع أبداً من أن ندمر الكمين بكامله للتخلص منهم .. يقصد أن العضو الذي فسد بتسلل المرض إليه يجب التخلص منه فوراً ليعيش باقي الجسد .. كانت عيناه تنظر إلي السبيل كالعضو الذي أصبح المرض الخبيث حاضراً فيه الآن فيجب بتره وقطعه فوراً..

وإنطلاقاً من كلمات النور التي أطلقها الشهيد القاضي والتي هي كلمات بريئة طاهره كدم القاضي ورجاله وإذا انتقلنا بالمشهد نفسه إلي دواوين الوزارات ومكاتب الحكومة وهيئاتها سنجد نفس المشهد مع تغيير بسيط في الأحداث فسنجد الفساد والروتين وعدم الجرأه في اتخاذ القرارات الصحيحه وعدم وجود رؤي واقعيه مستقبلية لمواجهة مشكلاتنا هي البديل للدواعش فكلاهما مخرب وكلاهما مدمر وقاتل لكن الفرق في الضحيه فالضحية الأولي كان القاضي ورجاله الأبطال والضحية الثانية هي مستقبل أولادنا الذي ندمره قبل أن يبدأ بأننا فقط نمرر الماضي الكئيب المتأخر إلي المستقبل دون السعي لتغييره ..

وإذا اقتبسنا كلمات النور “غربل السبيل ياسمير” وأحدثنا تغييراً بسيطاً لتصبح “غربل الوطن ياسمير” فإننا وباعتبار “سمير” هوا صانع القرار نكون قد أكملنا المشهد الجديد الذي لا يقل في عظمته عن مشهد استشهاد البطل القاضي ورجاله ..

صناعة القرار في مصر تحتاج إلي غربلة .. منظومة الرقابة تحتاج إلي غربلة .. المناصب التي تشنجت وانعدمت حركتها يجب غربلتها لتتدفق القرارات وبسرعة ..

تلك الجلطة الإدارية في شريان القرار المصري تحتاج إلي إذابتها وبسرعة وغربلة مسبباتها لكي نصون هذا الوطن العظيم .. من أول التحصيل المالي للخدمات والعقوبات علي السلوك العام وجميع المخالفات والغرامات وحتي البطء في قرارات التنمية وتسهيل الإنطلاق نحو الأفضل. يجب قبل ذلك غربلة اللوائح المائعة غير الواضحة والمحددة للجميع ..

ثقافة الشعب وكل ما يقدم للناس في مواقع التتواصل الإجتماعي والتليفزيون والمكتبات العامة وإنتاج دور النشر والصحف القومية والخاصة يجب غربلته بما يخدم ما يحتاجه الشعب المريض بأوبئة الأزمنة السابقة وعهود التأخر الحضاري الذي حكمت مصر وتسللت لثقافة شعبها.

إسأل أي مواطن مصري بسيط ما الذي تتمناه لمصر .. سيقول أن أراها مثل الدول المتقدمة .. وهي إجابة طبيعية ليس لها أي إنتماء سياسي أبداً ولكن هو فقط إنتماء مجرد للوطن بماضيه وحاضره ومستقبله ..

يا أخي ليس نيل المطالب بالتمني .. دعنا نفتح كتالوج الدول المتقدمة ونسير علي نفس الطريق ..

لنأخذ مثالاً أعيشه وأنا أكتب هذه الكلمات وهي الصين.. بإختصار شديد جداً وضعت الصين نظاماً للعقاب شرس جداً ومتطرف قبل نظام الثواب .. من يخرج عن مسار التنمية لا يهدد نفسه أبداً بقدر مايهدد المسيرة كلها ويعرضها للخطر ..

الصينيون لديهم نظام غربلة قاسِ جداً في مواجهة أي تواطئ فالقطار الصيني السريع يحمل مسئولية شعب يقارب المليار ونصف نسمة وليس هناك رفاهية التلاعب والتباطؤ .. الكل يعمل في منظومة واحدة والكل جزء من ترس يحرك تروس أخري في ماكينة العمل الجماعي ..

مساحة الحرية المتاحة لك شاسعه جداً فيما يفيدك ويفيد مستقبل أبنائك .. كل وسائل الرفاهية متاحة ويسيره ومجانية .. أفضل أنواع التعليم والدعم وخدمات التأمين الصحي أفضل منظومة للنقل والطريق وكل مناحي الحياة.

ولكن تذكر أني قلت لك أنه من يحاول فقط الخروج عن المسار ومحاولة إستيراد نماذج أخري للحرية يعتبر مهدداً مباشراً لمصير الشعب كله وحرفياً لن تعرف له الشمس طريقاً وربما لن تتذوق الأرض طعمه ..

يجب علينا أن نقبل بمسار محدد لنصل لما وصلت له شعوب العالم المتقدم .. ونحتاج إلي غربلة مركزه لمدخلات ومخرجات هذا المسار الصعب .. المريض يحتاج إلي الدواء المُر ليتعافي وكلما كان المرض متغلغلاً كانت العلاج أكثر صعوبة وأكثر مرارة وكلفه.

ليست ثقافة الشعب وحده ماتحتاج غربلة .. في الحقيقة وزارات الحكومة وقطاعاتها كلها تحتاج غربلة .. غربلة الخطط التي لا تنفذ وغربلة من يعطلها ومن لا يحارب من أجل تنفيذها .. غربلة من يعيش في المنصب ليمرر الماضي إلي المستقبل .. غربلة من لا يستطيع أن يسير بسرعة قطار التنمية المنطلق الآن في كل وزارات مصر ..

وزارة الزراعة -كمثال- تحتاج إلي غربله في كل قطاعاتها .. قطاع التعاونيات كاملاً يحتاج إلي خطة قوية وعبقرية للإستفاده منه فهو أساس وزارة الزراعة وهوا الوصلة الوحيدة بين الوزراة والمزارعين وللأسف هذه الوصله مقطوعة وغير مفعله فلا الوزراة إستطاعت تنفيذ مخططاتها ولا الفلاح وجد المظلة الآمنه له في زراعته فبات مهدداً يواجه آفات المحصول وآفات التجار وآفات حركة السوق وأفات الروتين وحده هو وأسرته ..

غربل التعاونيات يا سمير من الموظفين أصحاب البطالة المقنعه كثيري الكلام قليلي العمل والفعل .. غربل هيئات الوزراة ياسمير .. غربل المتخاذلين الذين لا يعرفهم مزارعي المواشي والأسماك ومنتجي الأعلاف إلا وقت السبوبة.

غربل المراكز البحثية وأزلها من علي عاتقك لتكون ضمن وزارة البحث العلمي أو ضع خطط لتطويرها وضخ الإمكانيات في عروقها لتتجدد بالباحثين عن حلول لمشاكلك .. غربل الطب البيطري ليصبح هيئة مستقلة عن الوزارة وتابعه للصحة أو البيئة .. غربل الإدارات العامة والخاصة وكل من يعطل العمل أو لا يسعي لتطويره ..

التفاصيل كثيره ولدينا في مصر الكثيرين قادرون علي وضع حلول مناسبة وجذرية لمشكلات الوزارة .. فمن الصعب أن يكون نشاط وزارة الزراعة فقط مقتصراً علي مشروع الصوب الزراعية أو مشروع المليون رأس ماشية أو مشروع الفرافرة أو المغره والصوامع الجديدة غيرها فهذه ليست مشروعات وزراة الزراعة ولا يجب أن تنصب وزارة الزراعة نفسها وصيه عليها ..

إنجازات وزراة الزراعة الحقيقية يجب أن تكون بعد غربلة كل الهيئات والإدارات والمراكز البحثية ثم نسمع عن مبادرات مثل “الفدان بخمسين” لتعمير الصحراء وتوسيع الحيازات في الأراضي القديمة ومباردة “محصولك بتاعنا” لتأمين محصول المزارعين وتوصيلة للمصنعين ومبادرة “ميلون شجرة مثمره” لتشجيع التوسع في زراعات الفواكه والأشجار المثمرة ومبادرة “مليون خلية نحل” أومبادرة “مصنع أعلاف لكل قرية” وغيرها من المبادرات التي ينتظرها الفلاح والمزارع من الوزارة ..

ينتظر الناس من الوزارة إعادة الدورة الزراعية في الأراضي القديمة وتحديد وإلزام الفلاحين بمحصول معين طبقاً لخطة الدولة واحتياجاتها في مقابل إلتزام الوزارة بشراء المحصول بسعر محدد سابقاً فيما يعرف بالزراعات التعاقدية .. الوزراة تحتاج غربلة للأفكار والخطط والعقول تحتاج لمن يزأر ويصرخ في كل المسئولين عن هذا الوضع المزري الذي وصلت إليه وزراة الزراعة ولن نجد خير مما قاله البطل لحظة إستشهاده عندما فقد الأمل في موقعه ونقول بأعلي صوت “غربل الوطن ياسمير”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى