د عطية الجيار يكتب: الاقتصـاد الأزرق (المانجروف)
الأستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة – مركز البحوث الزراعية – مصر – والمستشار لوزيري الزراعة والري بدولة رواندا
إن كانت العلاقة بين بيئة المانجروف Mangrove Ecology والظروف البيئية لكل منطقة تنمو فيها هذه النباتات مستمرة ومرتبطة ارتباطا وثيقا وترتبط بكافة العمليات الحيوية والكيميائية والفيزيائية في النباتات نفسها من نمو وإزهار وإثمار وإن كانت لهذه النباتات القدرة على تعديل بعضا من هذه العمليات فهذا لا يعني أنها سوف تنتصر بالنهاية على كل من التحديات البيئية والتلوث بل سوف تكون هي الخاسرة وهذا ما نلحظه على أرض الواقع من تناقص المساحات المزروعة بالمانجروف يوما بعد يوم .
وهناك أنواع من هذه النباتات وللأسف قد سجلت في قائمة النباتات الشبه منقرضة أو المنقرضة , إن نباتات المانجروف تعتبر كالأم الحنون التي ترعى وتخدم حولها المئات بل الآلاف من الكائنات الحية ومن كافة الأجناس والأنواع فوق أغصانها وتحت أغصانها وتحت سطح الماء ومع ذلك لم تلق حتى أقل التقدير والعناية والحماية في العديد من دولنا العربية التي تنمو بها تلك الأشجار النبيلة والتي لا تقدر بثمن وإن خسارة أشجار المانجروف ستكون لها آثار مدمرة وخطيرة على الاقتصاد والبيئة لتلك الدول..
تقوم الكائنات الحية في المحيطات بامتصاص واحتجاز %2.4 إلى %4.6 من انبعاثات الكربون في العالم، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن نصف عمليات حجز ذلك الكربون تتم في الأراضي الرطبة ذات “الكربون الأزرق”. وتقوم هذه النظم البيئية ـ التي تتسم بملوحة مياهها، إضافة إلى وجود كميات كبيرة من الأعشاب البحرية وأشجار المانجروف ـ بتعزيز وجود المصائد السمكية الصحية، واحتجاز الكربون في تربتها.
تحافظ أشجار المانجروف على هذه التربة من التفتت والانجراف، كما تشكِّل خط الدفاع الأول ضد العواصف الشديدة، وتمنع تسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية المحلية. لقد فقد العالَم على مدار العقود الماضية أكثر من ثلث أشجار المانجروف، وأصبح أكثر استسلامًا لمشروعات مزارع الجمبري، وحقول الأرز، ومزارع النخيل، التي يتم التوسع فيها سنويًّا، إضافة إلى مشروعات التنمية السياحية والعقارية. ولا شك أن هذه المشروعات من شأنها أن تدرّ أرباحًا طائلة، لكن البيئة هي التي تدفع الثمن.ورغم الجهود الجبارة المبذولة حاليًّا لوقف هذا النزيف البيئي، إلا أن المشروعات الرائدة التي حققت نجاحات على هذا الصعيد لا تزال قليلة.
و يمكن لأنظمة أشجار المانجروف البيئية وحدها أن تخزِّن في تربتها كمية من الكربون تصل إلى 20 مليار طن، أي ما يعادل انبعاثات الكربون في العالم في أكثر من سنتين، وسوف تتسرب غالبية هذه الكمية إلى الهواء في حالة تدمير هذه الأشجار. كما أكدت إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2012 أن المحافظة على غابات المانجروف يمكن أن تكون فعّالة بتكلفة قدرها ما بين 4 إلى 10 دولارات أمريكية فحسب لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، وهي التكلفة التي تقع في نطاق معدلات الأسعار الحالية في نظام تجارة الكربون الأوروبي.
في بعض الحالات يمكن أن يكون نظام تجارة كربون الغابات المعمول به حاليًّا مفيدًا لعمليات حماية غابات المانجروف واستعادتها؛ إذ يساعد هذا النظام الدول المتقدمة على الاستثمار في الجهود الرامية إلى الحدّ من ظاهرة إزالة الغابات في الدول النامية، لكن هذا يتطلب المزيد من الاستعانة بالعلم؛ لتوثيق حدود المشكلة؛ والوقوف على أسبابها من جانب، ولتوفير البيانات اللازمة، إذا توجهت الدول نحو إدراج الأراضي الرطبة الساحلية ضمن مخزوناتها من الكربون، وتخطيطها لمواجهة التغيرات المناخية من جانب آخر.