الأخبارالاقتصادالوطن العربىبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د عطية الجيار يكتب: الطبقة الوسطى والتحولات في بعض الدول العربية

The middle class and the changes in some Arab countries

 الأستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة – جيزة –  مصر  –  والمستشار لوزيري الزراعة والري بدولة رواندا

 [email protected]

الطبقة الوسطى تلعب الدور الفعال في الحراك الاجتماعي وفي التطور والتغيرات، ويصعب وضع معايير مطلقة وثابتة لها ولمواصفاتها، لارتباط هذه بالظروف والزمان والمكان، ولكن على الغالب فإن المعيارين الرئيسيين اللذين يحددان مواصفاتها، هما الدخل والسلوك؛ أي الواقع الاقتصادي، والشرط الأخلاقي وما ينتج عنهما أو يرتبط يهما.
وتهتم هذه الطبقة ومن ينتسبون إليها، باستقرار المجتمع ، لأن مصلحتها تقتضي ذلك، وعليه فإنها تحترم القانون وتهتم بتطبيقه، وتصر على تطبيق النظام أيضاً، وتهفو لتحقيق أمن المجتمع واستقراره، وتتمسك بالدستور والقانون، وبمعايير الدولة الحديثة، كالمشاركة والحرية والديمقراطية، وفصل السلطات واستقلال القضاء، والحياة البرلمانية.

ولأن الطبقة الوسطى هي الأكثر عقلانية وموضوعية بين طبقات المجتمع، فهي أكثر شعوراً وحماساً لتطبيق المساواة، والعدالة الاجتماعية، واحترام حقوق الطبقات والفئات الشعبية الأخرى، وحرية التعبير، والصحافة، والحق في النقد، أي أكثر شعوراً بالمسؤولية تجاه بناء مجتمع مستقر مزدهر.وهى تسعى لإقامة مجتمع مدني تُحترم فيه هذه المعايير، وتشجع مؤسسات هذا المجتمع ومنظماته، وفي ضوء هذا فإن الطبقة الوسطى، هي العامل الأساسي لحفظ توازن المجتمع، وتحفيز تطويره واستقراره، وتحقيق تنميته المستدامة، وعلى هذا، إن غياب هذه الطبقة عن بعض المجتمعات العربية، أربك تطور هذه المجتمعات، وعرضها للمفاجآت والمغامرات وللتطور غير المتوازن، وإن نموها من جديد أو تنميتها، هما من أهم الوسائل لحفظ استقرار المجتمعات العربية، وتخليصها مما نشاهده ونلمسه حالياً من اضطرابات أو عدم استقرار بسبب ما يطلق عليه(الربيع العربي).

لقد فطنت إسرائيل منذ زمنٍ بعيد إلى حقيقة أن أي نهضة عربيَّة شاملة ترتبط أساسًا بحدوث تحول ديمقراطي حقيقي، يُفضي إلى ولادة أنظمة سياسيَّة تتبنى مشاريع نهضويَّة حقيقيَّة، و أن حدوث التحولات الديمقراطيَّة في العالم العربي يتوقف بشكل أساسي على وجود طبقة وسطى سميكة ومؤثرة؛ لذا فقد سعت إلى أن تسهم سياساتها تجاه العالم العربي في تحطيم هذه الطبقة. أن غياب بلورة دور واضح للطبقات الوسطى في الاقتصاديات أسهم مع عوامل أخرى في عدم استغلال الموارد البشرية والرأسمالية إلى الحد الأقصى، وانخفاض معدل الإنتاجية، وعدم القدرة على تقليل الاعتماد على النفط وإنشاء هياكل اقتصادية أكثر تنوعا. كما أن ضعف الطلب على اليد العاملة في القطاع العام قد يكون من أسباب أفول الطبقة المتوسطة، حيث يتم حاليا خلق معظم فرص العمل لدى القطاع الخاص، خاصة في القطاعات الخدمية. إن مسألة الطبقات الوسطى في العالم العربي قضية محورية لما لها من أهمية للدور الذي يمكن إن تضطلع به هذه الشرائح من ناحية امتصاص حدة الأزمات وإجهاض تفجرها وأيضا، تشكيل صمام أمان في البلد من خلال طبقة محكومة بان تدافع عن مصالحها، وحتى عن امتيازاتها.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي مؤسسة “أجري توداي”

 

Back to top button