“الحور”… الشجرة الملعونة كادت أن تشعل الحرب بين الكوريتين (حقائق تاريخية)
>> كوريا الشمالية تقتل عسكريين أمريكيين بسبب تقليم شجرة وواشنطن ترد بقطع الشجرة
في أغسطس من عام 1976، قبل 43 عاما، هاجم عسكريون كوريون شماليون مجموعة من الأمريكيين والكوريين الجنوبيين الذين كانوا يشذبون شجرة حَور في المنطقة منزوعة السلاح المحصنة التي تفصل بين الكوريتين الجنوبية والشمالية.
وقتل في الحادثة ضابطان أمريكيان ضربا بالفؤوس والهراوات.
وبعد نقاش استمر لثلاثة أيام، وصل مستواه إلى البيت الأبيض ذاته، قرر الأمريكيون الرد على الحادثة بقوة ساحقة.
إذ قرر الأمريكيون تعبئة المئات من جنودهم، مدعومين بطائرات مروحية وقاذفات قنابل من طراز B-52وأسطول بحري تقوده حاملة طائرات، كل ذلك من أجل قطع شجرة الحور.
تحدث 6 من الرجال الذين شاركوا في العملية عن دورهم في أخطر عملية في التاريخ.
كانت منطقة محايدة تدعى “المنطقة الأمنية المشتركة” تقع عند الحدود بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، في المنطقة المعروفة بالمنطقة منزوعة السلاح. وكانت هاتان المنطقتان قد أسستا بموجب شروط اتفاق الهدنة الذي وضع حدا للحرب الكورية في عام 1953.
يذكر أن “المنطقة الأمنية المشتركة” (التي يشار لها بـ JSA) والمعروفة ايضا ببانمونجوم أو قرية الهدنة، هي المنطقة التي تستضيف المفاوضات التي تجري بين الطرفين الكوريين. وشهدت في الآونة الأخيرة اللقاء الذي عبر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أرض كوريا الشمالية للمرة الأولى.
وفي عام 1976، كانت المنطقة مكانا يتمكن فيه العسكريون من الجانبين، كوريون شماليون وجنوبيون وأمريكيون، من التواصل مع بعضهم البعض.
كان بيل فيرجسون في الـ 18 من عمره فقط في أغسطس 1976، وكان ملحقا بوحدة للجيش الأمريكي متمركزة في الـ JSA تحت قيادة النقيب آرثر بونيفاس الذي كان يتمتع بشعبية في صفوف الجيش الأمريكي المتمركز في كوريا الجنوبية.
يقول فيرجسون “كان النقيب بونيفاس يريد منا حقا أن نفي بشروط اتفاق الهدنة. فقد كان يحثنا على ترويع الكوريين الشماليين عن طريق السماح بحرية التنقل والحركة المطلقة ضمن منطقة الـ JSA”.
في ذلك الوقت، كان لا يسمح للعسكريين الأمريكيين بالخدمة في تلك المنطقة إلا إذا تجاوز طولهم مترا و83 سنتيمترا، وذلك في سياق محاولة اخافة الكوريين الشماليين وترويعهم.
ويقول فيرجسون “لم تكن علاقاتنا معهم (الكوريون الشماليون) ودية أبدا”، ولو أنه يعترف بأن حرس الحدود الكوريين الشماليين كانوا أحيانا يستبدلون موادا دعائية بسجائر “مارلبورو”.
وكانت التعليمات المشددة التي كانت سارية آنذاك تحدد عدد العسكريين الموجودين في المنطقة من الجانبين وأنواع الأسلحة التي يسمح لهم بحملها. وكان عسكريو أحد الطرفين يحاولون استفزاز عسكريي الجانب الآخر، مما كان يؤدي في كثير من المناسبات إلى اندلاع أعمال عنف بين الطرفين. ففي الوقت الذي قضاه فيرجسون هناك، كسرت ذراع أحد العسكريين الأمريكيين من قبل عسكريين كوريين شماليين بعد أن قاد عربته العسكرية – بطريق الخطأ، حسب ما يقول – إلى مؤخرة مبناهم الرئيسي الذي كان يطلق عليه اسم جناح بانمونجاك.
في تلك الأثناء، كان الملازم الأمريكي ديفيد زيلكا – الملقب “بالكلب المسعور” – يحث رجاله على حمل عصيّ كبيرة معهم عندما كانوا يقومون بواجبات الدورية، وذلك للقرع على جدران المباني التي كان ينام فيها الحرس الكوريين الشماليين ولاستخدامها كأسلحة عن الضرورة.
يقول مايك بيلبو، وكان أحد رفاق فيرجسون في نفس السرية التي كان يخدم فيها، “كان زيلكا يأمرنا بالمشاركة في تلك الدوريات السرية، وتمكنّا في مناسبة أو اثنتين من القبض على جنود كوريين شماليين كانوا يوجدون في أماكن ما كان ينبغي أن يوجدون فيها، فضربناهم قليلا، ولكن ليس بصورة مبرحة”.
ويقول بيلبو إن هذه التصرفات العدوانية من قبل الجانبين قد تكون أدت في نهاية المطاف إلى اندلاع الأزمة حول الشجرة، ولكنه أضاف “لم يكن لهم مبرر لفعل ما فعلوه”.
كانت أغصان شجرة الحور تحجب مجال الرؤية بين نقطة للتفتيش وأحد المراصد في المنطقة، ولذا صدر أمر لفريق من العسكريين الأمريكيين والكوريين الجنوبيين لتشذيب هذه الأغصان.
اعترضت كوريا الشمالية في المحاولة الأولى قائلة إن أي عمل من هذا النوع يستوجب الحصول على موافقة الطرفين. وأجهضت الأمطار الغزيرة محاولة ثانية.
ولذا قرر النقيب بونيفاس – “الكلب المسعور” – الإشراف على المحاولة الثالثة شخصيا في الـ 18 من أغسطس 1976.
ظهرت مجموعة من الكوريين الشماليين وطالبت الأمريكيين وحلفاءهم الكوريين الجنوبيين بالكف عن تشذيب أغصان الشجرة. وعندما تجاهلهم النقيب بونيفاس، هجم الكوريون الشماليون على الأمريكيين وحلفائهم مستخدمين فؤوسا وهراوات انتزعوها منهم، وقتلوا النقيب بونيفاس والملازم الأمريكي مارك باريت.
إثر ذلك، إنطلقت صفارات الانذار في أرجاء المنطقة منزوعة السلاح، ووضعت القوات فيها في أقصى حالات الإنذار. ووصل نبأ الهجوم سريعا إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث طالب وزير الخارجية آنذاك هنري كيسنجر بمهاجمة معسكرات الجيش الكوري الشمالي للتأكد “من الاحتمالية الكبيرة للاقتصاص من أولئك الذين قتلوا الأمريكيين”.
وقال كيسنجر في مؤتمر صحفي “قتلوا أمريكيين اثنين، وإذا لم نرد، سيفعلون ذلك ثانية. علينا الرد بطريقة ما”.
ولكن في نهاية الأمر لم تعر الإدارة الأمريكية أي اهتمام لرأي كيسنجر. فبينما تداولت القيادات العسكرية والسياسية الأمريكية في الأسلوب الأمثل للرد، استقرت آراؤهم على أمر واحد: يجب قطع الشجرة.
وتوصل القادة العسكريون الأمريكيون إلى خطة لتشذيب الشجرة باستخدام عرض كبير للقوة. أطلق على العملية العسكرية المكلفة بذلك “عملية بول بنيان” – تيمنا باسم قاطع الأشجار الأمريكي الشهير – وتقرر أن تنطلق في الـ 21 من أغسطس.
أما الكيفية التي كان الكوريون الشماليون قد يردون على عرض القوة هذا فكان أمرا آخر.
كان واين جونسون جنديا أمريكيا مكلفا يبلغ من العمر 19 عاما، وكان من أفراد السرية الثانية التابعة للواء التاسع مشاة ومقره في معسكر “ليبرتي بيل” الواقع على أطراف المنطقة منزوعة السلاح. وأوصل جونسون آمر وحدته بسيارة عسكرية إلى مؤتمر عقد عشية انطلاق عملية قطع الشجرة، وشهد ملازما وهو يسأل ما الذي سيحل بوحدته بعد ذلك.
وقال “رأيت الضابط الذي كان يدير المؤتمر وهو يرسم علامة X على وحدتنا الممثلة في الخارطة التي كانت خلفه، واستدار وقال “هل من أسئلة أخرى؟””
وكان الجندي المكلف المراهق جونسون مكلفا بتلغيم معسكر كامب ليبرتي بيل بالمتفجرات لتدميره بالكامل إذا حاول الكوريون الشماليون مهاجمته والسيطرة عليه. وبعد أن فرغ من ذلك، توجه للالتحاق برفاقه في الوحدة في المنطقة منزوعة السلاح، مجتازا نقاط تفتيش تابعة للجيش الامريكي وجيش كوريا الجنوبية.
وقال “رأيت أن ذلك أمرا مضحكا إلى حد ما، فعند بوابات المنطقة منزوعة السلاح اضطررت للمرور من خلال نقطة تفتيش. وكنت أفكر، ألم يعلم هؤلاء الشباب أن أمرا جللا سيحدث؟”
“كنا مستعدون لا لا نعود سالمين”
قضى بيل فيرجسون ومايك بيلبو تلك الليلة في الاستعداد لمهمتهما، وهي اقتحام المنطقة منزوعة السلاح والسيطرة على جسر “اللا عودة” لمنع القوات الكورية الشمالية من التوغل في المنطقة والتدخل في عملية قطر الشجرة.
يقول بيلبو “أصيب عدد من رفاقنا بالدوار من شدة التوتر، فقد كان الجميع في أقصى حالات الترقب والقلق. وعندما انسحبنا من معسكرنا، كانت هناك عدة مروحيات من طراز كوبرا تحوم استعدادا للانطلاق”.
وقال “نظرت إلى الطريق فلم أر إلا ارتالا من العربات العسكرية على مد البصر. كانت قوة احتلال بشكل من الأشكال”.
كان تيد شانر نقيبا يبلغ من العمر 27 عاما ومن ضباط الفوج الثاني التابع للواء المشاة التاسع، وكان وقتها يستقل احدى المروحيات التي كانت تحوم في الجو بينما كان الجنود يستقلون آليات عسكرية تقلهم إلى مكان الشجرة.
يقول النقيب شانر “كان منظرا مؤثرا ومثيرا للاعجاب”. لم يكن أحد متأكدا من أن حربا ستندلع أم لا. وقال شانر “كنا بالطبع نأمل في أن لا تندلع حرب، ولكني كنت أشعر بأننا كنا على أتم الاستعداد لذلك. كنت فخورا بالجنود الذين كانوا بإمرتي”.
في ذلك اليوم، بقيت سرية “ألفا” التابعة للفوج الثاني لواء المشاة التاسع، على الأرض إذ لم يتم نقلها جوا إلى أرض المواجهة.
يقول جول براون، الذي كان حينئذ جنديا مكلفا لم يتجاوز عمره 19 عاما وأحد أفراد سرية “ألفا”، “كان الوضع سرياليا إلى حد ما. فقد كنا هناك منذ عام 1950، وشعرت بأن كل شيء سينهار بسبب شجرة”.
وصلت سرية مايك بيلبو وبيل فيرغسون إلى المكان المعين في وقت انقشاع الضباب. وقاد سائق الشاحنة العسكرية التي كانا يستقلانها شاحنته وأوقفها بحث تغلق جسر اللا عودة، بينما ترجل الجنود منها مسلحون بالمسدسات والفؤوس فقط.
يقول بيلبو “وعلى الفور توقفت قربنا شاحنة يستقلها عسكريون من سلاح الهندسة يحملون مناشير آلية لم أر مثلها من قبل لطولها”.
كان تشارلز تواردزيكي، من فوج الهندسة الثاني، قد قضى ليلته وهو يتمرن على استخدام هذه المناشير. وكان توارديزيكي، العريف البالغ من العمر 25 عاما آنذاك، قد نصح باستخدام معدات أثقل وأكبر لقطع الشجرة، ولكن أمراءه خشوا من أنه سيكون من العسير سحب هذه الآليات اذا حاول الكوريون الشماليون التدخل، مما كان سيجبرهم على قطع أغصان الشجرة بأيديهم دون استخدام أي أداة”.
وبينما كان الأمريكيون يقطعون أغصان الشجرة، وصل إلى المكان جنود كوريون شماليون على متن شاحنات وحافلات.
وقال بيلبو “شاهدنا الكوريين الشماليين وهم ينصبون مدافع رشاشة. وكنت أنظر إلى اليمين واليسار لايجاد ملاذ من القصف المدفعي عندما يبدأ. وفي حقيقة الأمر كانت المدفعية بأسرها من جانبنا وجانبهم مركزة علينا”.
ويتذكر عدد من العسكريين الأمريكيين إنهم بمعية قوات خاصة كورية جنوبية كانت تصطحبهم قد هربوا أسلحة ثقيلة إلى المنطقة كانوا خبأوها تحت أكياس رمل في الشاحنات التي استقلوها. وتحزّم بعض الكوريين الجنوبيين بألغام حول صدورهم وأمسكوا بصواعقها في أيديهم متحدين الكوريين الشماليين.
وقال جونسون، الذي كان واقفا على مسافة قصيرة من بيل فيرجسون ومايك بيلبو أثناء عملية قطع الشجرة “كنت ملما ببعض العبارات المسيئة باللغة الكورية، وكان هناك الكثير من الكلام المقذع في تلك المواجهة بالتأكيد”.
ولكن الكوريين الشماليين لم يتدخلوا. وعندما فرغ الأمريكيون من تشذيب أغصان الشجرة، وانسحبوا وحلفاؤهم الكوريون الجنوبيون بسرعة من المنطقة الأمنية المشتركة. وانتهت العملية بأسرها في غضون 45 دقيقة.
“مبادلة خاسرة”
قال مايك بيلبو “كان الجميع متحمسون”، مضيفا أن “الرمزيات تثير الكوريين الشماليين أكثر من الحقائق”.
وأضاف “في يوم من الأيام، ذهبت وقصصت بضعة أجزاء من أغصان الشجرة. الجميع لديهم أجزاء من تلك الشجرة الملعونة”.
شعر العسكريون الأمريكيون بأنهم أذلوا الكوريين الشماليين، الأمر الذي كانوا يعرفون أنه سيغضبهم. ولكن بعض الأمريكيين كانوا غاضبين أيضا.
قال تشارلز تواردزيكي “شعرت بأننا خسرنا المواجهة. فقد كنا نشذّب الشجرة وهم قتلوا إثنين من ضباطنا، ولذا قررنا قطع الشجرة كليا. اعتقد أن تلك كانت مبادلة خاسرة”.
وقال فيرغسون “لم نشأ أن نكون المسؤولين عن اندلاع حرب جديدة، ولكنا كنا نتطلع أيضا للانتقام”.
تغيرت قواعد المواجهة المتبعة في المنطقة الأمنية المشتركة بعد وقت قليل من عملية “بول بنيان”، فقد فصلت القوات الكورية الشمالية عن “قوات الأمم المتحدة” (أي القوات الأمريكية والكورية الجنوبية) بحاجز خرساني صغير عبره الرئيس الأمريكي ترامب في يوليو الماضي، مما وضع حدا لمحاولات التسلل والترهيب عن الحدود.
قال فيرجسون “كان ذلك خذلانا كبيرا. ولم تكن كوريا الشمالية معجبة بذلك الترتيب، إذ كانوا ينظرون إليها باعتبارها منطقة محايدة. ولكن بالنسبة لي ولغيري من الذين كانوا يحرسون الخط الحدودي من خلال المنطقة الأمنية المشتركة، كانت بمثابة استسلام”.
ولكن التعبير النادر عن الأسف من جانب الزعيم الكوري الشمالي آنذاك كيم إيل سونج حول مقتل الضابطين الأمريكيين يوم قطع الشجرة أدى إلى أن يفهم كثيرون بأن كوريا الشمالية أصيبت بالرعب ازاء عرض القوة الأمريكي.
وبقيت القوات الأمريكية في معسكر ليبرتي بيل والمنطقة الأمنية المشتركة في حالة استنفار عقب العملية، تحسبا لأي رد كوري شمالي. واستمر هذا الوضع لعدة أسابيع قبل أن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي,
وقال واين جونسون “لم يتوجه أي من رجالنا إلى المدينة القريبة لأكثر من شهر، واعتقد أن بعض الحانات في تلك المدينة اضطرت إلى اعلان افلاسها. ولكن عموما كان الاعتقاد السائد أن الأمور عادت إلى طبيعتها”.