د عبدالله الشافعي يكتب: مزاعم إستبدال “قصب السُكَّر” بـ”البنجر” لتوفير مياه الري غير موضوعي

معهد بحوث المحاصيل السُكَّرية- مركز البحوث الزراعية- مصر
تتعالى العديد من الأصوات المُنادية بإستبدال زراعات قصب السُكَّر ببنجر السُكَّر لتوفير المياه المستخدَمة فى الزراعة فى مصر . يحدث ذلك على فترات متفاوتة وتزايد هذه الأيام خاصة فى ظل الأزمة التى فرضت نفسها على كل المسئولين والمفكرين والعلماء وهى أزمة سد النهضة الأثيوبى والذى يهدد مصر فى أن تحصل على حصتها من المياه المحدودة أصلاً والتى تُقدّر بنحو 55.5 مليار متر مكعب من المياه .
كثيراً ما يُتَّهم قصب السُكَّر بإرتفاع أو زيادة إحتياجاته المائية مُقارنة بِالمحاصيل الحقلية الأخرى ومنها بنجر السُكَّر ، ونرى أن تتم مناقشة هذا الموضوع الهام فى إطار الحقائق التالية:
* يَعتمد الإحتياج المائى لأى محصول أساساً على عوامل الظروف الجوية السائدة كالسطوع الشمسى ، سرعة الرياح ، درجة الحرارة والرطوبة النسبية ، ويُعرَّف الإحتياج المائى بأنه كمية المياه التى تُفقَد بالبخر (من الأسطح المكشوفة من التربة.. أى البور الخالية من النباتات) وكمية المياه التى تُفقَد بالنتح (أى من الثغور الموجودة بأوراق النباتات) بالإضافة إلى كمية المياه التى تحتفظ بها النباتات داخل أنسجتها (وهى لا تزيد عن 1% من كمية المياه المُضافة عند الرى).
* تنتشر زراعة قصب السُكَّر ، رُباعى الكربون ، فى مصر بين دائرتى عرض 24 إلى 26 درجة شمالاً وذلك من محافظة أسوان جنوباً إلى محافظة المنيا بمصر الوسطى ، حيث الجو الحار الجاف والأمطار النادرة وزيادة شدة ومدة سطوع الشمس وإرتفاع معدل البخر – وللقصب فترة نُمو عظمى تمتد من يونية إلى سبتمبر تصل خلالها إحتياجاته المائية أقصاها وهى الفترة التى يستهلك القصب من 60 إلى 70 % من إحتياجه المائى اللازم لِموسم النُمو.
* يمكث قصب السُكَّر فى الأرض 12 شهراً (الزراعة الربيعى) أو 14-16 شهراً (الزراعة الخريفى) – وقد وُجد أنه فى حالة زراعة محصولين آخرين (صيفى وشتوى) بدلاً من القصب خلال نفس المدة فإنهما سوف يستهلكان كمية من الماء تساوى تلك التى يستهلكها قصب السُكَّر – علاوة على إمكانية تحميل محصول شتوى (قمح ، شعير، فول ، بصل ، ثوم ، طماطم ، وغيره) على القصب الخريفى.
* ذكر الجندى (1991) و خليف وآخرون (1997) أن التسوية الدقيقة لِسطح التُربة بإستخدام تقنية أشعة الليزر وإستخدام نظام الرى السطحى المُطوَّر تؤدى إلى توفير نحو 30 % من الماء المُضاف وتزيد المحصول بحوالى 25% ، وفى هذا النظام يتم تسوية سطح التربة بميل من رأس الأرض (أعلى مكان فيها) إلى ذيلها (أكثره إنخفاضاً) بواقع 5-10 سم لكل 100 متر ، مع تركيب أنبوب (ماسورة) بلاستيك أو ألومنيوم مُثقَّب أو مُبوَّب ، بحيث يتم سحب الماء من مصدره ليتم ضخه فى الأنبوب فيخرج الماء ليصب مباشرة مع الميل فى بطون الخطوط ، ويتم الإستغناء تماماً القنى والبتون داخل الحقل ، وهذا يزيد مساحة الحقل بحوالى 10-12% ، يتم زراعتها بالمحصول – عِلاوةً على أن التسوية الدقيقة لسطح التربة تُقلل كمية الماء المضاف وتقلل زمن وتكلفة الرى (من حيث الوقود والعمالة) – كما يكون نمو النباتات متجانساً قوياً نتيجة تجانس عمق القطاع المبتل بالماء على طول الحقل ، بعكس الرى السطحى التقليدى الذى يكون فيه القطاع المُجاور للقناة الرئيسية عند رأس الحقل عميقاً فى حين يكون العمق المبتل عند ذيل الأرض ضحلاً ، وهذا يؤدى إلى عدم تجانس نمو النباتات .
* يُزرع قصب السُكَّر فى مساحة تبلغ نحو 325 ألف فدان ، تُنتج ما يزيد عن 15 مليون طن عيدان قصب ، يتم توريد نحو 75 % منها إلى مصانع سُكَّر القصب الثمانية (أبوقرقاص ، جرجا ، نجع حمادى ، دشنا ، قوص ، أرمنت ، إدفو و كوم امبو) ، تُنتج حوالى 0.9-1.0 مليون طن سُكَّر بمتوسط 4.0-4.5 طن سُكَّر/فدان.
* بنجر السُكَّر نبات ثلاثى الكربون من محاصيل المناطق الباردة والمعتدلة ، يُزرَع بين دائرتى عرض 30 إلى 60 درجة شمالاً ، ويزرع فى مصر فى المحافظات الشمالية وتصل زراعته جنوباً حتى الفيوم والمنيا وسوهاج ، ولذا فإن نموه ومحصوله وجودة الجذور تتأثر سلبياً بإرتفاع درجات الحرارة ، مما يؤدى لزيادة معدل التنفس عن تراكم السكروز ، وبالتالى إنخفاض نسبة السكر بالجذور ونقص كمية السُكَّر التى يمكن إستخلاصها منه ، ، كما يتعرض لهجوم شديد من عدد كبير من الآفات الحشرية والمرضية والحشائش والقوارض.
* يُزرع بنجر السُكَّر فى مساحة تبلغ نحو 500 ألف فدان تم توريدها إلى مصانع سُكَّر البنجر السبعة (الدلتا ، الدقهلية ، الفيوم ، النوبارية ، النيل ، الأسكندرية و أبو قرقاص) ، تنتج حوالى 1.3 مليون طن سُكَّر ، بمتوسط 2.0-2.5 طن سُكَّر/فدان.
* سوف يؤدى إستبدال مساحة القصب ببنجر السُكَّر (نظرياً) إلى نقص كمية السُكَّر المُنتَجَة فى مصر بنحو 250 ألف طن سُكَّر (هذا بإفتراض ثبات إنتاجية البنجر من السُكَّر بالفدان تحت ظروف صعيد مصر) ، وهذا يؤدى إلى زيادة الفجوة فى السُكَّر إلى ما يزيد عن 1.3 مليون طن ويقلل بالتالى نسبة الإكتفاء الذاتى من تلك السلعة الإستراتيجية الهامة .
* قام معهد بحوث المحاصيل السُكَّرية بتجربة زراعة بنجر السُكَّر فى مناطق زراعات القصب حيث درحات الحرارة المرتفعة ، وكانت النتيجة هى زيادة الإصابة بالأمراض والحشرات ، علاوة على تعفن الجذور بعد الرى وإنخفاض نسبة السكر بشدة نتيجة إرتفاع معدل التنفس وهدم السُكَّريّات وضعف معدل إنتقال وتخزين السُكَّر بالجذور .
* تقوم على مُتبقيات صناعة سُكَّر القصب (المُصاص و المولاس) عدد كبير من المُنتجات الصناعية الهامة ، لها مصانع مقامة توفر آلاف من فرص العمل ، كما يتم تصدير معظم إنتاجها للخارج مما يوفر النقد الأجنبى ويساهم فى زيادة الدخل القومى ، من هذه المُنتجات الكحول الإيثيلى ، الخل ، والخميرة ، سلفات البوتاسيوم ، ألواح الخشب الصناعى والشمع ومُكسبات الطعم والرائحة ، وغير ذلك الكثير.
* يتم إنتاج ما يزيد عن 60 ألف طن عسل أسود سنوياً من القصب غير المورد إلى مصانع السكر ، تمثل غذاءً شعبياً هاما فى مصر ، كما يتم تصدير بعضها للخارج.
* سيواجَه التوسع فى زراعات البنجر فى مناطق إنتاج القصب بالوجه القبلى بضرورة عمل تعديل فى مُقدِّمات سبعة مصانع تستقبل القصب لإستخلاص السكر حالياً تتطلب إستثمارات ضخمة من العملات الصعبة – كما تم فى مصنع أبو قرقاص بمحافظة المنيا الذى يستقبل القصب وجذور البنجر كمادة خام لتصنيع السُكَّر ، حيث يتم عصر عيدان القصب مباشرة فى حين يتم الحصول على العصير السُكَّرى من جذور البنجر بتقطيعها ونقعها فى الماء الساخن حيث ينتشر السكر الموجود بخلايا جذور البنجر فى الماء الساخن ، وذلك التعديل يتطلب إستثمارات مالية ضخمة .
* لا يحتاج محصول القصب إلى تجديد الزراعة سنوياً ، وتتم زراعته خضرياً بتقاوى عبارة عن عقل ساقية يتم الحصول عليها من حقول المزارعين أنفسهم – فى حين يُزرع بنجر السُكَّر بتقاوى يتم إستيرادها من الخارج لصعوبة إنتاجها تحت الظروف الجوية فى مصر .
* إستبدال مساحة القصب ببنجر السُكَّر يتطلَّب من المُزارع فى الصعيد إسغلال الأرض فى الموسم الصيفى بزراعتها بالمحاصيل الحقلية (والتى سوف تستهلك نفس القدر من المياه الذى يستهلكه القصب خلال مدة مكث المحصول الصيفى لاعتماد النتح والبخر أساساً على العوامل الجوية من سطوع شمسى وسرعة رياح ورطوبة نسبية ودرجة الحرارة وبنسبة ضئيلة على المحصول المنزرع ذاته الذى يختزن فى أنسجته 1% فقط من مياه الرى) وقد يقوم المزارع بزراعة الخضر فى الموسم الصيفى وذلك يتطلب وسائل نقل وتخزين مُبردّة لسرعة تلف الخضر فى تلك الظروف .
* إذا تحدذ البعض عن قدرة الدول الأوروبية منع تصدير تقاوى بنجر السكر إلى مصر ، وهذا سوف يتسبب فى توقف العمل فى زراعة البنجر وتعطُل مصانع سكر البنجر ، نقول إن المساحة المنزرعة حالياً بالبنجر سوف تُضاف إلى كلا المحصولين الهامين المُتنافسين معه فى الموسم الشتوى وهما القمح والبرسيم ، وبذلك لن يُضار المُزارع المصرى – أما مصانع سكر البنجر فيمكنها التحوُّل بسهولة إلى إنتاج السكر الأبيض من السكر الخام المُتاح عالمياً ولا تسيطر عليه الدول الأوروبية وأمريكا ، وللعلم فإن شركات السكر لديها طاقة تكرير تبلغ نحو 3-3.5 مليون طن سكر .. وهذا يزيد كثيرا عن الفجوة السالبة التى نعانى منها حالياً.
مع خالص تحياتى وإحترامى لكل مُجتهدٍ وصاحب رأى