المياهبحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالات

محمد بلال يكتب: بلاد ماوراء السد

هل تخيلت يوماً أن يسألك أفريقي من أحد دول منابع النيل عما إذا كانت مصر في أفريقيا أم أوروبا ؟!! ..

ماذا إن سألك عن مصر المذكورة في الكتاب المقدس وتتفاجيء بأن هذا آخر علمه عنها ولا يعلم عنها فقط غير الأهرامات !! ..

الحقيقة ما قلته للتو ليس جزء من “إفيه” سينمائي أو مشهد درامي ولكنه بالفعل ماحدث ويحدث كل يوم تقريباً حيث أكتشف وكأنني أتحدث لبشر من قارة أخري أو ربما من عالم آخر ..

الصدف السعيدة وقدري المكتوب قادني لأكون قريب جداً من أشقائنا في القارة السمراء في رحلتي الدراسية الممتدة والمستمرة حيث كان رفيق غرفتي في الشهور الأولي رواندي ثم الآن أصبح زميل الغرفه أثيوبي الجنسيه وربما هذا الحظ السعيد هو الفرصة العظيمة التي سمحت لي للتعرف علي هؤلاء البشر من أفريقيا الشقيقة ..

يضحك صديقي الأثيوبي وأحياناً يسقط أرضاً من الضحك حينما أخبره بأنني بالفعل لم أكن أتصور أفريقيا كلها سوى مجموعة من غابات السافانا المليئة بمشاهد الإفتراس والحياة البرية وربما قليل من البشر وأطفال عراه يقفزون في الطرق بلا ملابس وربما أمراض وأوبئة وحروب أهلية فقط ..

في الواقع كانت هذه الصورة الأغلب لما أعرفه عن أفريقيا .. لم أكون لأصارح صديقي الأثيوبي بهذا إلا بعد صداقة حقيقية واحترام واعجاب شديد منه بالفتي المصري المسلم الناضج وكذلك استيعابي له واعجابي بإصراره علي التعلم وثقافته العالية ومطالعته للكتب والتاريخ..

أيضاً لأكون صريحاً أكثر لم أذكر له بأنه ربما أغلب الشعب المصري لا يعلم شيء عن إفريقيا سوي ذلك أو أقل من ذلك للأسف ..

ربما لا يعلم الكثيرون أسماء الدول الإفريقية وعواصمها وأشهر المدن الإفريقية .. بالفعل لا نعلم أكثر من ذلك وأقل بكثير جداً مما يجب أن نعلمه عن إفريقيا ..

يجب أن يعلم أبناؤنا عن إفريقيا وعن بلاد ماوراء السد .. يجب أن نريهم كيف تبدو كيجالي العاصمة الرواندية جميلة كيف أن نيروبي رائعة ومنظمة وصاخبه وكيف أن أديس أبابا تعني الوردة الجميلة وبها أقدم كنائس إفريقيا وأكبرها وكيف أن هراري عاصمة زيمبابوي بها مناظر طبيعية تفوق البنجاب الهندي والريف السويسري أحياناً .. كيف أن كيب تاون مدينة الجمال الإفريقي وكيف أن داكار أهلها طيبون ويحبون الغرباء ويكرموهم وماهي عملات إفريقيا وأعلام إفريقيا وغيرها من صفات إفريقيا العظيمة.

تعرفت في خلال الفترة السابقة من رحلتي الدراسية علي مايقارب عشر جنسيات أفريقية مختلفه بحانب أضعاف هذا العدد من جنسيات العالم المختلفه. هذا التعرف الذي كان عن قرب كان النافذة الحقيقية لي علي إفريقيا التي لا نعرفها. إفريقيا التنوع في كل شيء إفريقيا السمراء والبيضاء والقمحاوية ..

إفريقيا الموارد الضخمة والجغرافيا الغنيه جداً .. إفريقيا الجيوسياسية وإفريقيا الديموغرافيه وافريقيا التنوع اللوني والديني والعرقي .. إفريقيا القديمة المتجددة .. الخصبة المطيرة , إفريقيا أكبر تنوع حيوي وثراء بيولوجي إفريقيا أعالي البحار ومجاري الأنهار والبحيرات والمناجم .. إفريقيا أقدم قارات العالم وقلب العالم القديم والحديث .. الحر والبرد والأمطار والسيول والصحاري والغابات في إفريقيا ..

إفريقيا البلاد البكر والأراضي التي تتفجر خصوبة وخير .. تستطيع أن تغمض عينيك وتشير بإصبعك علي خريطة القاره دون توجبه حتماً ستشير إلي مورد عالي القيمة وأرض فائقة الخصوبة أو مصدر للخير متدفق.

عندما يجلس معي زملائي الأفارقة لا يخلو الحديث من ذكر مصر وعلاقتها بإفريقيا .. الجميع لديهم أسئلة كثيرة جداً عن مصر ودور مصر في إفريقيا .. مصر الدولة العظمي افريقياً والأولي في تاريخ إفريقيا والسباقة دائماً إلي عون إفريقيا ..

يتسائلون أين مصر من الإستثمار في إفريقيا أين هي من دفع التنمية في إفريقيا الجميع يخبرني بأنهم ينتظرون المصريين هناك منذ سنوات فإذا بهم يجدون الإسرائيلي قد وصل مبكراً وحاملاً معه أجندته التنموية وربما يرتدي زياً أوروبياً أو آسيوياً أو أمريكياً .. كيف كنا نتابع كل جمعه برنامج عالم الحيوان بشغف وكأننا نستمتع بينما كنا مخدوعين فخلف تلك الكاميرات يقف من وصل مبكراً ويريدك فقط الإستمتاع بالأسد وهو يغوص برأسه في أحشاء الفريسه بينما هوا يغوص بأجندته ومخططه في أحشاء القارة !!.

دعوني أحدثكم بالصدق والصراحة .. أغلب من قابلتهم من الشباب الإفريقي لديهم فكره خاطئه ومغلوطة عن الوضع المصري والإقليمي .. أغلبهم يعشقون إسرائيل ليس لجمال عيون الشعب الإسرائيلي وإنما لما استطاع الصهيوني غرسه فيهم بأن اسرائيل وعاصمتها القدس هي أرض الميعاد ومكان المسيح ومسري اليهود ومحط العهد القديم والجديد.

وقد دخلت كثيراً في جدالات لتغيير تلك الفكرة بأن اسرائيل اليوم الدولة الغاصبه والسياسية ليس لها علاقة بأبناء اسرائيل والمسيح عليه السلام وأن روايتهم التاريخية مغلوطة ويجب تصحيحها وبالفعل اقتنع الكثيرين بذلك , ولكن لم تنتهي القصه هنا فهناك من استطاع التسلل عبر السنوات السابقة إلي العلاقه الإفريقية المصرية تحديداً بإعتبار مصر عامود الخيمه في القضية العربية مع اسرائيل واستطاع ضرب العمق المحوري للدور المصري هناك.

إذا استطعنا استيعاب الصورة السابقة وأسقطنا ذلك علي مشهد سد النهضة والمشكلة المعقدة الحاصلة نجد أنه من السهل تفسير ما يحدث ومن يقف وراء السد النفسي قبل السد الحجري حيث يشعر الأثيوبيون بأهمية صناعة التنمية بشكل محلي دون انتظار الدور المصري فكيف لا أستفيد من النهر الجاري أمامي في حين لا يقدم لي المصريون شيئاً وما الذي يجبرني علي ذلك ..

أيضاُ غياب القيمة الحقيقية لمصر خلال الحقبة الأخيرة قبل تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي شئون البلاد، بينما يلهو المصريون أمام عالم الحيوان كل جمعه جعلت الأفارقة لا يكترثون بالأخطار التي قد تصيبك جراء هذه التحركات ..

سد النهضة الأثيوبي هو نموذج للحاجز الفكري الذي تم بناؤه بين مصر وإفريقيا علي مدار عقود حيث قاد ذلك البلاد التي تقف خلف السد إلي الإستفادة بهذه العلاقة المهترءه الضعيفه فلا يجب أن ننظر للسد كبناء خرساني عظيم بقدر ماهو نتاج طبيعي لغياب دورك الأعظم في إفريقيا بعد سنوات طوبله من وجودك كرمز للتحرر الأفريقي وهو ما يحاول الرئيس السيسي إصلاحه حاليا.

نستطيع أن نلخص الموضوع أن علينا أن نصل بأقصي سرعة إلي البلاد التي قتلها الإنتظار حين كانت بلاد ناشئة تجتاحها عوامل الضعف والتردي لتصبح بإهمالك وغيابك بلاداً غريبة عنك وعن محيطك الإقليمي والقاري. حفظ الله مصر الإفريقية وكل الأمنيات أن تعود مرة أخري وبسرعة لقيادة الفكر الإفريقي والقطار الإفريقي السريع ينتظر المصريون للإنطلاق نحو مستقبل واعد و غد مشرق.

 

زر الذهاب إلى الأعلى