الأخبارالمياهالنيلحوارات و مقالاتمصر
د خالد وصيف يكتب: لحظة الحقيقة… ممر في الطريق المسدود
خبير موارد مائية
انتهت جولة المفاوضات الأخيرة حول سد النهضة ببيان رسمي يشير الى طريق مسدود ارتطمت به المفاوضات. نتيجة لم تكن مفاجئة لكثير من الخبراء والمتابعين لكنها في نفس الوقت لم تكن وليدة اللحظة ولا مسؤولية المفاوضين الذين بذلوا مجهودات هائلة في ظروف شديدة الصعوبة ورياح دولية غير مواتية. للحقيقة والانصاف، لقد فقدنا لحظات منحها لنا التاريخ بكرم بالغ لحسم الامن المائى المصرى بشكل نهائى.
اللحظة الأولى أتت فى أعقاب ثورة ١٩٥٢، حينما تم الشروع في بناء السد العالى باشتراك مصري سودانى وتحفظ اثيوبى مبطن. وقتئذ تم النظر بخفة لامتناع اثيوبيا (الضعيفة عندئذ) عن الموافقة على اتفاقية تقاسم مياه السد العالى وتم توقيع مصر والسودان فى العام ١٩٥٩ والانطلاق في بناء السد واقتسام فوائده.
كان العام 1959 لحظة مثالية لبذل ضغوط حقيقية او تقديم حزمة حوافز جاذبة تدفع الاثيوبيين لتوقيع مايؤمن إمدادات النيل الأزرق لمصر والسودان.وتطبيق مفهوم المصلحة المشتركة كما يجب ان يكون بين دول المنبع والمصب لكنها افلتت اللحظة الثانية التى تفلتت منا جاءت بعد حرب أكتوبر73 ثم الانطلاق فى ترتيبات مبادرة السلام ١٩٧٨.
نتذكر التراشق اللفظي بين الرئيسين السادات ومنجستو هايلاماريام الذى كان كافيا للتنبيه بضرورة حسم هذا الملف ليقف على قدمين بدلا من العصا الواحدة المتعلقة بالحقوق المكتسبة التي يتكئ عليها مع اتفاقات أخرى متقادمة. وبدلا من الانخراط فى مناكفات لفظية تثير إعجاب العامة لكنها لاتحصن حقوقا ولا تؤمن مياها ، كان يجب الاستفادة من الدعم الأمريكى والغربى للرئيس السادات للضغط لوضع هذا الإطار القانوني لتأمين مياهنا.
أتت اللحظة الثالثة بعد حرب الخليج (١٩٩٠) وقد كانت الثالثة التابتة كما يقولون، لم نستفد منها سوى فى إسقاط الديون العسكرية وبعض المساعدات المالية من دول الخليج. وهى فائدة هزيلة بالقياس للدعم المصرى الكبير الذى لولاه ما تحررت الكويت.
وقتها كان حديث الخبراء يجرى عن الطبوغرافية الصديقة التى تمنع تعرجاتها اثيوبيا من مجرد التفكير فى بناء اى سدود ضخمة.. قد تتعرض للانهيار بسبب سرعة جريان التيار.
وحيث ان للتاريخ مكره ودروسه الفادحة كما ان للطبوغرافية تقلباتها، فقد منح اللحظة الرابعة لاثيوبيا بعد ان كان سخيا معنا ومنحنا ثلاث لحظات خلال ثلاثين عاما بمعدل لحظة كل عشر سنوات.
كانت اللحظة الرابعة عند منحنى هبوط واضطراب فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير 2011، وكانت هى اللحظة الاثيوبية التى استغلتها بمهارة وطوعت الطبوغرافية لفرض امر واقع كانت مستعدة له جيدا وتنتظر لحظتها التى أتت على طبق من ذهب..
سرنا فى طريق لثماني سنوات ويعرف أغلبنا نهايته، مسلحين بحق تاريخي مكتسب ووضع قائم نسعى لتدعيمه بوضع قانوني رسمى. ربما حدا البعض الأمل فى تغييرات مفاجئة تعيد الأمور لنصابها لكن الرياح لم تكن مواتية لسفينة التفاوض ووصلت الى ما كان متوقعا ان تصل اليه..
لا اذكر تلك اللحظات لازيد من الرغبة المتزايدة في اللوم والقاء الاتهامات التي تحفل بها وسائل الاعلام. هي فقط للتنبيه بأهمية اللحظة الحالية التي يجب الا تنفلت حتى ولو جاءت في ظروف قاسية ورياح دولية غير مواتية. ونكف عن جلد الذات للجيل الحالي الذى ورث عبأ ثقيلا عمن سبقه. وهو ما يستلزم الاستعداد الكافى للخطوات القادمة التي ستتخذها المؤسسات المصرية. وكلنا ثقة انها لن تدع تلك اللحظة تتفلت مرة اخرى .
فلكل طريق مسدود “ممر” يخترقه او جسر عال يرتفع فوقه او مسار جانبى يلتف حولهِ