د خالد ابوزيد يكتب:”الضوء في نهاية النفق المظلم لسد النهضة”
خبير دولي في الموارد المائية وعضو مجلس المحافظين في المجلس العربي للمياه
بعد أن وصفت مصر وصول مفاوضات سد النهضة إلى طريق “مسدود”، وتأكيد أثيوبيا والسودان أن الطريق مازال مفتوح للوصول الى حلول توافقية، هل هناك ضوء في نهاية هذا النفق المظلم؟!
هل استنفذت كل الوسائل للوصول الى إتفاق حول قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي للسد؟!
“تحليل للتطور التفاوضي حول سد النهضة”
غالبا ما تشمل أي مفاوضات وخاصة تلك المتعلقة بالمياه، خطوط حمراء، وبعض التنازلات، ومنافع مشتركة من استخدامات المياه للاطراف المشتركة في التفاوض.
وللمتابع لتطور المفاوضات حول سد النهضة وبكل وضوح وشفافية وحيادية، يمكن تحليل مواقف الدول الثلاث من المفاوضات كما يلي.
“مصر: إعلان المبادئ – حسن النية والخطوط الحمراء”
نبدأ بالطرف المصري والذي قدم كل ما في وسعه من إعتراف بحق أثيوبيا في التنمية وفي إنشاء سد النهضة لتوليد الطاقة دون التأثير على حق مصر في المياه وفي الحياه. فمع قدرة مصر على التصعيد الدولي والملاحقة القانونية لخرق أثيوبيا لإتفاقية ١٩٠٢ عند تدشينها لسد النهضة عام ٢٠١١ دون التشاور مع مصر، فقد فضلت مصر وقتذاك التجاوب مع تراجع أثيوبيا ورغبتها في تشكيل لجنة خبراء دولية مشتركة لتقييم دراسات سد النهضة والتي أوصت بدراسات إضافية. ثم أكدت مرة أخرى مصر حسن نيتها من خلال توقيع اتفاق إعلان المبادئ عام ٢٠١٥ والذى اعترف بحق أثيوبيا في توليد الطاقة من السد ولكنه وضع الخطوط الحمراء التي تؤكد على ضرورة عدم إحداث السد لضرر جسيم لدول المصب وضرورة اتفاق الاطراف الثلاثة على قواعد الملء الأول والتشغيل السنوي قبل البدء في الملء الاول وبعد انتهاء الدراسات المشتركة.
واكدت مصر حسن النية مرة أخرى عند اختيار المكتب الاستشاري الدولي نزولا على رغبة أثيوبيا. ثم مرة أخرى أبدت حسن النية ووافقت على التقرير الاستهلالي للدراسات المشتركة الاضافية الذي أعده المكتب الاستشاري المستقل. ومرة اخرى وبعد تعثر المفاوضات حول التقرير الاستهلالي نتيجة اعتراضات الجانب الأثيوبي ابدت مصر حسن النية وطالبت بالاستعانة بالبنك الدولي كطرف رابع للفصل في تلك الإعتراضات، وقد قوبل المقترح بالرفض الأثيوبي. ومرة اخرى وبعد توقف مرحلة الدراسات والدخول مباشرة في التفاوض حول قواعد الملء والتشغيل السنوي وتعرقُل تلك المفاوضات، إفترضت مصر حسن النية واقترحت دخول طرف رابع للتوفيق بين الاطراف الثلاثة، ولكنه قوبل أيضا بالرفض. ومن جانب آخر نجد الآن قيادة سياسية مصرية تتناول الموضوع بمنتهى الشفافية والوضوح ومبادئ حسن الجوار والتعاون المشترك والمتمثلة في الاعتراف بحق أثيوبيا في التنمية مع عدم المساس بحقوق مصر المائية.
“أثيوبيا: مماطلة ورسائل متناقضة”
وبتحليل مواقف الطرف الأثيوبي، نجد خرق لإتفاقية ١٩٠٢ عند تدشين سد النهضة، ورفض اشراك خبراء دوليين في اللجنة المشتركة لسد النهضة، ثم الاختلاف حول مبادئ علمية دولية راسخة ومتعارف عليها في دراسات تقييم آثار السدود استخدمها المكتب الاستشاري الدولي، والتأويل الخاطئ في تفسير بنود اعلان المبادئ، ورفض اشراك منظمات دولية أو أي طرف رابع في التفاوض للتوفيق، وعدم اتساق أعمال اللجان الفنية والتفاوضية وتناقضها مع تصاريح القيادات السياسية الأثيوبية مما يعكس مماطلة لمد أمد المفاوضات. وذلك بالإضافة إلى عدم قدرة الجانب الفني الأثيوبي على إثبات عدم الإضرار بدول المصب، أو إثبات تحقيق المنافع لمصر خاصةً.
“السودان: مع مصر في مركب واحدة، ولكن!!!
ومن تحليل الموقف السوداني، نجد أنه مع وجود السودان ومصر في مركب واحدة من حيث تأثر كميات المياه المنصرفة لهما عبر النيل الازرق بعد السد، ولكن الاعتقاد بأن منافع السد أكبر، يغلُب على الموقف السوداني. فإن منافع السودان من انتظام تصرف النيل الازرق أو تخفيض الإطماء في سدود السودان لا تقارن بالتأثير السلبى للنقص في تصرفات النيل الازرق والذي يجب ان تتقاسمه مصر والسودان حسب إتفاقية ١٩٥٩.
“الضوء في نهاية النفق المظلم”
وإذا كان هناك ضوء خافت في نهاية النفق المظلم لسد النهضة، فهناك بعض الأساسيات من وجهة النظر الشخصية والتي نري أنها ضرورية لكي ينطلق منها أي نقاش قادم إذا كُتب للأطراف الثلاثة العودة لطاولة المفاوضات.
أولا: أن الهدف من المفاوضات هو الوصول لاتفاقية حول الملء الاول والتشغيل السنوي والألية المشتركة لإدارة السد ومعايير تقييم الضرر والتعويض والمنافع المشتركة ومعايير تقدير حجم التصرف الطبيعي للنيل الازرق بعد السد، حسب إعلان المباديء.
ثانيا: أن حجم الملء الأول هو الحجم الادني للتشغيل السنوي، والذي سيتم على اساسه وضع قواعد الملء الأول وقواعد التشغيل السنوي.
ثالثا: أن تعريف الضرر الجسيم لسد النهضة على مصر هو النقص في تصرفات النيل الازرق والذي له تأثير قصير أو طويل المدى على قدرة مصر على الحصول على حصتها المائية سنويا.
رابعا: أن أي نقص في تصرفات النيل الازرق، من شأنه التأثير على حصة مصر المائية، سيكون له نفس التأثير على حصة السودان حسب اتفاقية ١٩٥٩.
خامسا: أن تعريف المنافع المشتركة من السد (إن وجدت)، يجب أن يكون مترجم لمنافع صافية لكل دولة على حده دون تكبد الدولة لأي تكلفة إضافية.