أفريقياالأخبارالمياهالنيلحوارات و مقالاتمصر

محمد بلال يكتب:هل أتاك حديث أثيوبيا !

دعوني اليوم أقوم بالكشف عن مفاجأة من العيار الخفيف أوالمتوسط .. المفاجأه التي قد يشعر البعض أنها محض كلمات عابرات لن يهتز لها طفل رضيع ولكن في الحقيقة ستهتز لها مصر كلها بشعبها وتاريخها وجغرافيتها.

نري الآن مايحدث من ردة فعل متهورة وساخنة وعنيفة تجاه الأزمة الحالية لسد النهضة الأثيوبي وهذا الحال الذي وصلنا إليه جميعاً هو النهاية الطبيعية لسوء تقدير وإهمال جسيم لعلاقاتك مع جيرانك وأشقائك في أفريقيا عامة ودول حوض النيل بالخصوص.

سد النهضة هو المثال الحي الذي نضج وظهر في وجهك وأنت تبدو متفاجئاً به ومندهشاً من وجوده ، لا تندهش ياصديقي فلايزال المستقبل مليئاً بالمفاجئات !! .. كنت تتصور أن مصر العظيمة تستطيع فقط أن تأمر وعلي إفريقيا جميعاً أن تنصاع وتلبي ثم الآن أصابتك المفاجأه ؟!! .. إنها لعبة الأمم يا أصدقاء ، المنتصر فيها  هو الأذكي والأخف وزناً والأسرع تحركاً .. ليس النصر فيها للأثقل والأعرق والأعظم وأصحاب الحضارات والتاريخ .. التاريخ وحده لا يصنع الحاضر ولن يبني المستقبل.

اليوم يُصر الجانب المصري علي مطالبه ويكاد يتجاهلها تماماً الجانب الأثيوبي .. ولا يزال الرأي العام المصري علي ضلاله بأن هؤلاء القوم عليهم أن يتوقفوا عن بناء السد والعودة لمشاهد الزرافات والأسود في غابات السافانا وهذا قمة التغييب الفكري الذي نعيشه.

أثيوبيا بلد لها حضاره تكاد تقارب حضارتك الفرعونية رغم أنها ليس بعظمتها ولكنها عتيقة وقديمه .. كنيستك الأرثوذوكسية المصرية في الحقيقة هي تابعه للكنيسه الأم في أثيوبيا .. أثيوبياً هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي لم تُحتل أبداً بأي نوع من الإحتلال عدا محاولات الإيطاليين لمدة أربع سنوات لإحتلالها وجميعها باءت بالفشل ..

الشعب الأثيوبي هو ثاني أكبر عدد سكان في أفريقيا بعد نيجيريا .. أثيوبيا بها أقدم هيكل عظمي لإنسان منذ 40 مليون سنه .. أ

ثيوبيا الأولي إفريقياً في إنتاج القهوة وإنتاج الماشية وتصديرها .. لديها تنوع حيوي ربما غير موجود بالعالم .. نهر النيل الرئيسي المعروف بالنيل الأزرق يخرج من هضبة أثيوبيا .. أثيوبيا بها مايزيد عن 30 مليون مسلم ..

بل كان لها الفضل الأول في حماية واحتضان الإسلام الأول في عهد النجاشي ملك الحبشة .. أثيوبيا لديها شركة طيران الأثيوبية وهي من أقوي منافسيك إفريقياً ولديها اقتصاد متوازن ومعدلات نمو رائعه .. الشعب الأثيوبي عنيد وعظيم وبرغم اختلافه وخلافاته يضرب بقوة في واقعه ليصنع مستقبله ..

هذه الصورة التي يجب أن تترسخ في أذهان أجيالنا وأطفالنا ومناهجنا التعليمية وليست فقط صورة الأطفال العراه في الصحراء أو في غابات السافانا وغيرها ..

أثيوبيا بلد عظيمة ويجب أن تعامل بإحترام يليق بعظمة شعبها .. ومصر قادرة علي حل مسألة سد النهضة وسيتم حلها في النهاية ولكن الأهم أن تتغير الصورة النمطية عند الرأي العام عن أفريقيا ودول حوض النيل عموماً وأثيوبيا خصوصاً.

“حفاة عراة وربما عصابات تحمل أسلحة و حروب أهليه ، صحاري قفراء وهضاب صفراء ، غابات وزرافات وتماسيح وقطعان من الجاموس تجري خلفها الأسود” .. هكذا يتصور الجميع أثيوبيا أو بالأدق يتصور الجميع أفريقيا وهذا هو الضلال المبين الذي وقعنا فيه طيلة السنوات والعقود السابقة. القصة ببساطة هي أن مصر الناصرية كانت الداعم الرئيسي لولادة الأمم الأفريقية من رحم الإستعمار في ستينيات القرن الماضي وما حدث أنها تركت تلك المواليد في الشارع بلا مسئولية وانشغالاً بالحروب والنكسات والإنتصارات ومعارك السلام والتنمية ..

تلك البلاد الأفريقية الناشئة لم تكن أبداً لتقع فريسة لأعداء مصر إلا بإهمالنا لها علي مدار عقود طويلة حيث لم تجد العون المصري ووجدت فقط أيادي إسرائيل وحلفائها وسقطت تلك البلاد واحده تلو الأخري في إستعمار من نوع جديد وهو الإستعمار الثقافي والإقتصادي.

اليوم تعود تلك المواليد ولكنها قوية يافعه قد أطعمها أعدائك وتحالف معهم من يريد أن يطعنك ويكسر ظهرك ..

تعلمت الدول الأفريقية درساً قاسياً وأليماً ونشأت شعوبها دون رعايتك فلا أنت تملأ عيونهم ولا تاريخك يشغلهم ولا حاضرك يعجبهم ولا مستقبلك يبهرهم ، في إعتقادهم أن فراعنتك كافرين متجبرين خرج موسي طريداً ملاحقاً بسببهم وإسلامك متشدد يقتل الناس ويضطهد المسيحيين ويزوجك بأربع نساء وغيرها وغيرها من الأفكار المغلوطة التي عاش أعداؤك هناك لسنوات يرسخون لها ويبثونها في الناس وأنت غائب في شمال أفريقيا غارقاً في قضايا محيطك العربي الشرق أوسطي وفي همومك ومستقبلك.

في الحقيقة رغم ما نعانية الآن من تراكمات نالت من تأثيرنا الفعال في إفريقيا ولكن علي مايبدو أن مصر تحاول استعادة توازناتها الإفريقية ويبدو هذا واضحاً علي الأرض في علاقاتها المؤثرة مع دول افريقيا مثل السودان و تنزانيا وأوغندا وأريتريا وحتي أثيوبيا نفسها علاقات مبينة علي وجودك هناك تقيم المشروعات وتساهم في التنمية وتساعد في نهضة تلك البلاد .. تحتاج أن تصل بقوة أكبر في المجالات الزراعية والإستثمارية والطبية وأيضاً خدمات الربط الكهربائي وغيرها كي يدوم لك الود وتظل حبال الوصال الإفريقية موصولة ولا يستخدمها غيرك ليضعها حول رقبتك في النهاية .. عاشت مصر وعاشت أفريقيا حره عظيمة قوية.

 

Back to top button