د خالد وصيف يكتب:هل يحال السد العالى للتقاعد فى عيده الستين؟
خبير موارد مائية
كان حلما فخاطرا فاحتمـــــــالا
ثم أضحى حقيقة لاخيــــــالا
عمل من روائع العقل جئنــــــاه بعلم
و لم نجئه ارتجـــــــــالا
إنه السد فارقبوا مولد الســــــد
وباهوا بيومه الأجيــــــــــــالا
هكذا كتب الشاعر الكبير عزيز اباظة عن السد العالى عام 1959، نحتفل هذا الشهر بحدثين مهمين, الاول هو مرور ستين عاما لوضع حجر الأساس, الذي يوافق9 يناير1960, والثاني هي الذكري االتاسعة والأربعين علي افتتاح السد العالي والذي يوافق15 يناير.1971
السد العالى حالة خاصة، شهد ميلاده اعظم فترات تألق ثورة يوليو عام 1952 ووصل به منحنى ادائها الى ذروة ارتفاعه. انتصار اقتصادى بتأميم قناة السويس بقرا جرئ وطنى ثم انتصار سياسى كبير تحقق فى عام 1956 بعد انسحاب العدوان الثلاثى على مصر، ثم انتصار آخر بتدبير تمويل لبناء السد عن طريق قرض سوفيتى بعد رفض البنك الدولى للمشروع. ثم يأتى اهم انتصار وهو توقيع اتفاقية تقاسم فؤائد بناء السد بين مصر والسودان، بعد ان تحررت الدولتان من الاستعمار البريطانى وامتلكا الارادة المستقلة لاتخاذ قرار بناء السد واقتسام فوائده.
كانت هناك ظروف دولية مواتية وفرها تنافس امريكى سوفيتى اتاح للدول النامية هامشا من استقلال القرار تمثل فى قيام حركة عدم الانحياز، ليتحول حلم التنمية الذى كان يراود قلوب المصريين بعد ثورة يوليو الى حقيقة واقعة فى غضون عشر سنوات (1959-1969)
انطلق العمل في بناء السد في التاسع من يناير عام1960, من خلال عدة مراحل تم خلالها حفر قناة التحويل والأنفاق وتحويل مياه النهر إلي قناة التحويل والأنفاق والبدء في تخزين المياه بالبحيرة وبناء جسم السد حتي نهايته وإتمام بناء محطة الكهرباء إلي أن انطلقت الشرارة الأولي من محطة كهرباء السد العالي في أكتوبر1967, وبدأ تخزين المياه بالكامل أمام السد العالي منذ عام1968, وفي منتصف يوليو1970 اكتمل صرح المشروع, وفي15 يناير1971 تم الاحتفال بافتتاح السد العالي.
لا مجال للاسهاب فى ذكر فوائد السد: فقد ارتفع نصيب مصر من مياه النيل ليصبح 55.5 مليار متر سنويا، مما ادى الى زيادة الرقعة الزراعية بحوالى 1.2 مليون فدان، كما تم تحويل 970 ألف فدان من نظام الرى الحوضى الى نظام الرى الدائم، علاوة على تحسين الملاحة النهرية على مدار السنة، وتوليد طاقة كهربائية وصلت الى 10 مليار كيلووات سنويا، استغلت فى انارة القرى والمدن وأغراض التوسع الصناعى والزراعى. الاهم من كل تلك الفوائد انها اتت بدون وقوع اضرار على اى من الدول التى تشاطئنا نفس النهر، لا اثيوبيا تضررت ولا السودان التى تحقق لها نفع مؤكد.
من هنا تبرز المقارنة بين شرعية السد التى اكتسبها فور بدء عملية الانشاء عام 1959، وبين السدود الاخرى التى تبحث لها عن شرعية وسط معلومات ترشح عن تأثيرها السلبى على جيرانها نتيجة التحكم فى التدفقات المائية، او تأثيرها السلبى من ناحية سلامة الانشاء واستيفاء عوامل الامان.
فى العيد الستين للسد نجد حولنا ظروفا دولية تختلف بالكلية عن ظروف الخمسينيات، سيولة هائلة فى المواقف وتغيرات يومية فى التحالفات، لا صديق دائم ولا عدو دائم. تقدمت المصالح على الحقوق وحقائق القوة بكل معانيها على مبادئ الشرعية والقانون. ومع الظروف الدولية المختلفة نجد ان الدائرة الاقليمية ليست افضل حالا. حروب فعلية قائمة ومشروعات حروب يجرى الاعداد لها بكل همة.
تحول السد العالى من حلم فخاطر فاحتمال فحقيقة، كما قال عزيز اباظة فى قصيدته الرائعة، وفى عيده الستين نجد تلك الحقيقة تواجه احتمالات اخرى نخشاها ونعمل جاهدين على تلافيها، وكما شهد ميلاده معركة سياسية وتفاوضية ناجحة، يشهد هو نفسه بعد ستين عاما معركة مشابهة، سياسية وفنية، من خلال مفاوضات سد النهضة الاثيوبى والتى تجرى منذ تسع سنوات فى ماراثون طويل للحفاظ على الحقوق المائية. السد العالى هو عمدة سدود النيل الازرق. وتظل الرغبة فى الحفاظ عليه والقيام بدوره غاية مصرية لاتعرف التردد او التخاذل. وتكون الاجابة التى انتظرت السطر الاخير على تساؤل العنوان هى: لا والف لا