“دوار فهيم”:حتمية هيكلة “الباحث” الموظف
قطاع الزراعة فى مصر متشابك ومرتبك جداً وتعقدت مشكلاته وتداخلت ولن يفك هذا الاشتباك إلا مراكزها العلمية وعلماؤها فى الوقت الذى تملك مصر فيه أكبر وأضخم مراكز البحوث فى مجال الزراعة، والتى تمتلئ بالكفاءات فى كل تخصصاتها، منها مركز البحوث الذى يعد اكبر صرح بحثى فى إفريقيا والشرق الأوسط، وبه نخبة من الكوادر البشرية وبنية تحتية من معامل ومحطات بحوث ووحدات إنتاج، وله تاريخ ممتد من الانجازات والأدوار الكبيرة فى تطوير الزراعة فى مصر وخارجها .
وفى خلال سنوات قليلة أضحت منظومة البحث العلمي الزراعي مجرد أرقام فى ميزانية الدولة فلا أبحاث تطبيقية تلامس الواقع الزراعي المعقد والمتشابك وانفصلت عن واقع الزراعة تماما حتى أصبحت فى نظر الدولة مجرد كيانات تحوى الألاف من الموظفين.
والآن وليس غداً لابد من اعادة هيكلة اداء هذه المنظومة تماماً لكي تشارك فى صناعة نهضة مصر وان تكون فاعلة وليس مفعول بها.
ويجب أولاً
أن نعرِّف ما هي وظيفة “الباحث الزراعي”، باختصار شديد هو ذلك الشخص الذي كلفته الدولة بتطوير وتنمية مواردها الزراعية، وهو من وكلت إليه تعظيم إنتاجية الارض وتحسين غلتها ، وهو من انابت إليه استنباط الحلول لقطاعها الزراعي، و هو من استأمنته علي قوت وغذاء وأرزاق الناس ، وهو شخصية اعتبارية في اعلي مراتب العلم بحكم القانون والدستور ، ومن دونه اي كان موقعهم هم موظفون لدى الدولة لتسهيل مهمته وتلبية احتياجاته ، وليس مشكلته ابداً أنهم يجهلون حدود وظيفته ووظيفتهم .
ثانياً
يوجد مجموعة من المشكلات التى تواجه الباحثين، أولها أن حجم الميزانية التى تصرف على البحث العلمى ضعيف ولا يتناسب مع حجم قطاع الزراعة فى مصر حيث أن الإنفاق على البحث العلمى الزراعى لا يتجاوز 0.06% من الناتج القومى الزراعى وهذا لا يتناسب مع حجم القطاع الزراعي.
ونحن هنا لا ننكر ان هناك تضخماً هائلاً فى المؤسسات العلمية الزراعية من ناخية الكوادر البشرية حيث يوجد عشرات الآلاف من الباحثين والحاصلين على درجات الماجستير والدكتوراه وحتى الان لم يتم استثمار هؤلاء الباحثين وهذه الأعداد الضخمة وانه لا استفاده حقيقية من التخصصات العلمية وجميع أقسام كليات الزراعة بالجامعات المصرية، وكل المشتغلين فى البحث العلمى الزراعى وأكثر من 40 الف حاصل على الماجستير والدكتوراه فى العلوم الزراعية والعلوم المرتبطة.
ولذلك فقد آن الأوان ان يتم إعادة هيكلة اداء وعمل وشكل ومضمون كل المؤسسات البحثية الزراعية وايضا لابد من تنفيذ سياسة بحثية زراعية ترتبط بالواقع الزراعى وتنفيذها فى صورة برنامج قومى للبحوث العلمية الزراعية والتخلص تماما من نظام الجزر المنعزلة وتوفير الدعم اللازم للأبحاث العلمية وتقييم نتائج البحث العلمى واستخدامها فى التطبيق على ارض الواقع .
وننتقل الى نقطة هامة وهي أهمية وجود آلية “محايدة” فى اختيار القيادات لمنظومة البحث العلمي الزراعي “المترهل” جداً والغائب عن مشاكل واشكاليات قطاع الزراعة خارج “اسوار” مؤسساتها وهيئاتها .. والقضاء تماماً على منهج “اختيار الأقرب” والذي اضاع كيانات وشوه تاريخ ممتد لها وانجازات لا يمكن تجاهلها …
السياسات الزراعية لا تناسبها الخطط البحثية ابدا و”تكلس” و “تقوقع” القيادات فى اعمال السكرتارية التنفيذية ادى الى ما نحن فيه من غياب “كامل” لمنظومة البحث والتطوير عن “واقع” الزراعة المصرية المثقلة بمشاكلها المزمنة … فقد تكون بارقة امل ان يتولى امر هذه الكيانات من هم على علم وارداة وفكر ، ممن لديهم دراية كاملة بمفهوم “التخطيط الاستراتيجي” لتطوير منظومة البحث الزراعي وعلى دراية تامة بمشاكل قطاع الزراعة والامن الغذائي المصري خارج اسوار المؤسسات البحثية والجامعات وكيفية ادارة الخطط والسياسات البحثية للتعامل مع هذه المشاكل.
ومن هنا فيجب تحديد “مهام” وواجبات هذه المؤسسات … وهي:
- ادارة “الشاملة” لقطاع الزراعة المصري ..والربط التام بين الزراعة والغذاء .
- عدم الانفصال بين إدارة الزراعة والغذاء والحد من الفجوة كبيرة بينهما وتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك (تستورد مصر اكثر من 40 في المئة من إجمالي غذائها بقيم تزيد عن 13 مليار دولار سنوياً)..
- الصيانة المستمرة لخصوبة الأراضي الصالحة للزراعة والعمل علي عدم تدهورها ، وخاصة الاراضي التاريخية (الوادي والدلتا).
- العمل علي النجاح السريع والكفء في اراضي خارج الوادي والدلتا وتنمية سريعة برؤية واضحة للظهير الصحراوي «البكر» .
- تقنين وترشيد استخدامات المياه في الري وتقنين الاعتماد على المياه الجوفية لإنتاج الغذاء في مصر رغم أنها لن تنضب قبل مرور 100 عام على الأقل.
- إدارة منظومة مياه الري الري بكفاءة كبيرة بدلا من الاستهلاك الجائر بدون خطط واضحة للاستخدام حتي لا تتعرض لمخاطر التأثير علي الإنتاج كما ونوعا.
- وضع حلول جدية لمشكلة تفتت الحيازات الزراعية وضعف استخدام الميكنة الزراعية وهيمنة محاصيل الحبوب (ذات العائد الاقتصادي الاضعف) على خريطة التراكيب المحصولية.
- كذلك خفض الفجوات المتسعة بين تكنولوجيات منظومات الانتاج الزراعي فى اراضي الوادى والدلتا وشركات القطاع الخاص فى الاراضي الجديدة.
- وضع آليات قوية للرقابة الصارمة على جودة واسعار مستلزمات الانتاج (تقاوي – اسمدة – مبيدات) .
- ان تكون هناك “سياسة” واضحة ومحددة لادارة البحوث الزراعية التطبيقية بجدول زمنى واضح وبمؤشرات اداء وآلية لتقييم أداء المؤسسات العلمية البحثية.
- يجب أن تكون معالم السياسة البحثية مرتبطة بوضع وتنفيذ الخطة القومية للبحوث بالتنسيق والتكامل بين المؤسسات البحثية.
- تطوير البنية التحتية لمؤسسات البحث الزراعي وتحديثها.
- تنفيذ برامج التنمية البشرية للكوادر البحثية خاصة صغار الباحثين والاجهزة المساعدة وتزويدها بالخبرات الدولية.
- حتمية الربط المستدام بين منظومات البحث الزراعي ومؤسسات الارشاد الزراعي ونقل التكنولوجيا.
- تعظيم أطر التعاون مع المؤسسات البحثية الإقليمية والدولية وضمان استمرارية هذا التعاون.