الأخباربحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د احمد جلال يكتب: الزراعة قلب التنمية المستدامة

عميد كلية الزراعة – جامعة عين شمس-مصر

اذا كان لكل جسد قلب فان الزراعة تعتبر قلب التنمية المستدامة على مستوى العالم. فخلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، أصبحت هناك ضرورة ملحة إلى تحسين إنتاج وتوزيع الأغذية من أجل ضمان الغذاء والصحة للبشر في جميع أنحاء العالم. بعد سبع سنوات من الحرب، أعطت الحكومات الأولوية لاستعادة النظام الغذائي بهدف حل مشاكل الجوع وسوء التغذية. في عام 1945، تم إنشاء منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) كهيئة متخصصة للأمم المتحدة، والتي كانت في ذلك الوقت تتألف من 44 دولة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الزراعة مورداً رئيسياً للحد من الفقر والمساهمة في تحسين مستوى معيشة سكان العالم. وتضم الان منظمة الأغذية والزراعة 149 عضواً (منظمة الأغذية والزراعة، 2017). كانت هناك العديد من التقلبات في الإنتاج في مناطق مختلفة خلال سنوات ما بعد الحرب الأولى، بسبب الآثار السلبية التي كانت أكثر خطورة مما كانت عليه في الحرب العالمية الأولى. منذ 8000 عام، كانت الحبوب مثل الذرة والقمح والأرز مصدر الغذاء الرئيسي للبشر والحيوانات في جميع أنحاء العالم. وتعتبر الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل والاتحاد الأوروبي الدول الرئيسية المنتجة للحبوب على مستوى العالم.

وكانت الثورة الخضراء واحدة من المساهمات الرئيسية لمنظمة الأغذية والزراعة لتحويل الزراعة العالمية والزيادة المهمة في أصناف محاصيل الحبوب عالية الغلة (القمح والأرز) في البلدان النامية مثل الهند والمكسيك بين عامي 1960 و1970.

الزراعة والتوقعات المستقبلية

تشير التوقعات المستقبلية الى ارتفاع النمو في الإنتاج الزراعي، حيث لا تقتصر الأغراض النهائية فقط على الغذاء لسكان العالم، بل تستخدم أيضًا كاحتياجات غذائية للحيوانات. يعد النمو السريع لإنتاج الطاقة الحيوية من الوقود الحيوي مثالًا على تنويع المحاصيل الزراعية في السنوات الأخيرة، وخاصة تلك المحاصيل التي تحتوي على نسبة عالية من النشا والسليلوز. على سبيل المثال، يستخدم نشا الحبوب، المشتق أساسًا من الذرة والقمح، في الغالب كمواد خام لإنتاج الإيثانول. تمتلك المخلفات الزراعية، المعروفة باسم الكتلة الحيوية، إمكانات مهمة لإنتاج طاقة مستدامة من الوقود المتجدد. في عام 2006، مثلت الطاقة الحيوية 10 ٪ من الطاقة العالمية، بينما بين عامي 2000 و2015، أثر إنتاج الوقود الحيوي بشكل كبير على زيادة الطلب على المحاصيل. في عام 2009، أدرك بعض الخبراء الصلة الوثيقة بين الطاقة والزراعة مع الإشارة الى وجود خطر محتمل لإنتاج الغذاء للاستهلاك البشري المباشر. في ذلك الوقت، كان من المتوقع أن يعتمد إجمالي الطلب على الحبوب على زيادة الطلب على الوقود الحيوي وتوسيع التكنولوجيا المصممة لتحويل الكتلة الحيوية الزراعية إلى منتج حيوي. في عام 2018، زاد إنتاج الحبوب مقارنة بعام 2017، وأصبحت آسيا المنتج الرئيسي للحبوب على مستوى العالم (منظمة الأغذية والزراعة، 2018)، وترجع هذه الزيادة في إنتاج الوقود الحيوي بشكل أساسي إلى قيام بعض الدول بتقديم لوائح إلزامية لخلط هذا المنتج مع الوقود التقليدي. تعد الولايات المتحدة والبرازيل والصين والاتحاد الأوروبي من بين المنتجين الرئيسيين للإيثانول (منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، 2017).

الزراعة والتغيرات المناخية

زاد الإنتاج الزراعي أكثر من ثلاث مرات على مدى السنوات الخمسين الماضية بسبب: توسيع التربة للاستخدام الزراعي؛ المساهمة التكنولوجية للثورة الخضراء التي أثرت على الإنتاجية؛ والنمو المتسارع للسكان. تنتج الزراعة ما معدله 23.7 مليون طن من الغذاء يومياً في جميع أنحاء العالم (منظمة الأغذية والزراعة، 2017). وقد أدى هذا النمو في الإنتاج العالمي إلى زيادة الضغط على البيئة، إلى حد التسبب في آثار سلبية على التربة والهواء وموارد المياه، مع التأثيرات اللاحقة على صحة السكان واستدامة النظم الإيكولوجية المعرضة للخطر. حيث ان الزراعة مسؤولة عن 21 ٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة greenhouse gases. في السنوات الأخيرة، أدى هذا الوضع الجديد إلى نموذج يتسم بمزيد من التنمية المستدامة، مما يستلزم تغييرات مهمة في أنظمة الإنتاج الزراعي الحالية. منذ أكثر من 30 عامًا، نبهنا تقرير اللجنة العالمية للبيئة والتنمية إلى عمق أزمة البيئة بسبب النمو السكاني المتسارع، مما زاد من الطلب على الموارد الطبيعية، من أجل تحسين التنمية الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، تم حث الدول على التعبير عن وتنسيق الإجراءات السياسية من خلال برنامج عالمي للتغيير يتيح لها تحمل مسؤولية إدارة الموارد الطبيعية لضمان تقدم بشري دائم. منذ إعلان ريو بشأن البيئة والتنمية (1992)، تم توحيد نهج نموذج جديد للتنمية المستدامة، مما يعني ضمناً دمج العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لضمان رفاهية وتحسين حياة السكان. تم توجيه هذه المبادئ التطورية الجديدة للحكومات منذ ذلك الحين من خلال أهداف التنمية العالمية مثل الأهداف الإنمائية للألفية في عام 2010، وجدول أعمال التنمية المستدامة 2030 الجديد، الذي تمت الموافقة عليه في عام 2015، مع 17 من أهداف التنمية المستدامة والتي تعكس رغبة قادة العالم في تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات الموجهة نحو الحفاظ على الموارد الطبيعية من أجل ضمان الاستدامة البيئية. تفرض هذه الأهداف العالمية الجديدة الحاجة إلى إصلاح هيكلي حقيقي في الاقتصاد العالمي للحد من التدهور البيئي الذي يهدد مستقبل البشرية. وبالتالي، وفقًا لتقرير أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2019، فإن التدابير المعتمدة حتى الآن لم تكن كافية لإحراز تقدم مرضي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في السنوات العشر القادمة. لذا يلزم اتخاذ تدابير أكثر طموحًا وسرعة من الحكومات، التي تركز على الاستخدام الفعال للموارد الطبيعية وتكامل معايير الاستدامة في جميع قطاعات الاقتصاد، لضمان تحول اجتماعي واقتصادي حقيقي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى