تقارير

د  سلوي عبدالله تكتب: تلوث الهواء وحرق المخلفات الزراعية

رئيس قسم سمية المبيدات – المعمل المركزي للمبيدات – مركز البحوث الزراعية – مصر

يعد تلوث الهواء من المؤشرات الهامة لمتابعة التقدم نحو تحقيق المستقبل الصحى المستديم الذى نرجوه. ويمثل التعرض للهواء الملوث وتأثيره على الصحة مؤشرا فعالا لقياس مدى التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.وبالحديث عن أقليم البحر المتوسط نجد أنه معرض لتلوث الهواء بمستويات قد تتعدى حدود مقاييس جودة الهواء. وينطبق هذا الحال خاصة على منطقة الدلتا بمصر كونها عند تقاطع أنواع مختلفة من الهبات الجوية والتى تنشأ نتيجة الأنشطة الحضريه الصناعية وحرق مخلفات المواد الزراعية بالأضافة الى مصادر الأتربه فى الأقليم وكذاالتلوث القادم من الشمال حيث قارة أوروبا. وتتسبب تضاريس القاهرة و منطقة الدلتا فى بقاء الهواء الراكد الذى يسرع من حدوث تداعيات تلوث الهواء. وترتفع مستويات الغبار خلال شهر فبراير بسبب الأعاصير الصحراويه. والعواصف الرملية التى تنشأمن الصحراء الغربية تتسبب فى حدوث أرتفاعات فى مستويات أول أكسيد الكربون خلال شهرى مارس وأبريل. وأثناء الصيف خاصة خلال شهر يونيو فأنه ترتفع مستويات الأوزون لدرجة كبيرة نتيجة أنتقال الأوزون عبر الحدود من أوروبا. أما شهرى سبتمبر وأكتوبر فأنه من المعروف ظهور السحابة السوداءوهناك جدل كبير بين الباحثين والمهتمين بقضايا البيئة أنه من أهم الأسباب  فى هذه التداعيات هو حرق المخلفات الزراعية خاصة قش الأرز بعد موسم حصاد الأرز.

ونختص بالحديث اليوم عن حرق مخلفات المواد الزراعية ومن المعروف أن الحرق المفتوح للمخلفات الزراعية هو الخيار الأسهل والأقل تكلفة لتنظيف الحقول واعدادها للزراعات القادمة. ويتم من خلاله أنطلاق بعض المغذيات للتربه والتخلص من البعوض وبعض الحشرات الأخرى.وعندما يتم حرق المخلفات الزراعية لأول مرة فأن هذه الممارسات يمكن أن تحسن من أنتاجية الأرض لكن على المدى الطويل تؤدى الى تدهور الغطاء النباتى وفقد لرطوبة التربة وأنخفاض أنتاجية المحصول والقضاء على الكائنات النافعة والحشرات.

كما أن الحرق المتكرر لمخلفات المواد الزراعية ينبعث عنه عدة ملوثات أهمهاالمواد الهيدروكربونية متعددة الحلقات والجسيمات العالقة شديدة الصغر (PM2.5)والتى يمكن أن تتسبب فى حدوث السرطان وأيضا بعض الأمراض التنفسية الشديدة والكحة والأزمات الربوية. ووفقا لحصر مصادر انبعاث مركبات الديوكسين و الفيوران فيأتى حرق المخلفات الزراعية ليحتل المرتبة الثالثة بين المصادر المختلفة لأنبعاثات الديوكسين فى الدول النامية.

ومن العوامل التى تلعب دورا فى أنبعاثات الديوكسين ظروف الحرق ومحتوى ذرات الكلور وكذا وجود مبيدات ممتصة داخل الأوراق والسيقان فى المخلفات الزراعية. كما أنه يمكن لمركبات الديوكسين أن تنطلق الى التربة خلال نواتج الحرق وتزداد كلما كانت المخلفات الزراعية ملوثة بالمبيدات. ومركبات الديوكسين (حتى عند التركيزات القليلة جدا) يمكنها أن تشكل أضرارا صحية وبيئية حيث أنها مواد غير قابلة للتحلل, لها القدرة على التراكم داخل الأنسجة الدهنية للأنسان والحيوان, لها القدرة على الأنتقال لمسافات بعيدة فى الغلاف الجوى, ولهذا يمكن أن تتولد فى مكان ما ولكنها يتم رصدها وتقديرها فى مكان أخر بعيدا جدأ عن مصدر أنبعاثها. وتتوالى تأثيراتها السلبية على الأرض الزراعية على المدى الطويل حيث تؤدى الى تأكل التربة وفقد العناصر المغذية وبالتبعية تقليل الأنتاجية.

وقد تم أقرار أتفاقية أستوكهولم للتقليل والتخلص من مثل هذه المواد السامة وتعد مصر طرفا فى هذه الأتفاقية و صدقت مصر على بنودها منذ عام 2005. وألزمت هذه الأتفاقية الأطراف بأتخاذ أجراءات محددة للتخلص من هذه الملوثات فى البيئة. علاوة على ذلك فأن توصيات الدراسات السابقة قد ذكرت أنه من الضرورى عمل رصد أوسع وأحدث لمستويات الملوثات العضوية الثابتة (الغير مقصودة خاصة الديوكسين والفيوران) ويجب أدراجها فى كل من التشريعات الوطنية وفى المعاهدات الدولية.

مما سبق يتضح لنا ضرورة زيادة الوعى لدى المزارعين وتعظيم الأستفادة من المخلفات الزراعية وترسيخ مبدأ(التقليل-أعادة الأستخدام-أعادة التدوير) والخلاص فى النهاية لوضع توصيات للمسئولين المعنيين بشأن تقليل المخاطر المحتملة نتيجة حرق مخلفات المواد الزراعية. وكذلك ضرورة تطوير أستراتيجية تقليل المخاطر/الأدارة السليمة وتشجيع مشاركة أفراد المجتمع فى تنفيذ طرق مناسبة من شأنها تقليل العبءالناتج عن تدهور نوعية الهواء بالأضافة الى التعاون المشترك بين الهيئات البحثية المختلفة وتقديم المقترحات للمسئولين بشأن تحسين جودة الهواء

 

ونذكر هنا بعض الأليات المقترحة لتقليل مخاطرمثل هذه المشكله البيئية من خلال تطبيق منهج التفكير المتكامل والذى يمكن أن يشمل الأتى:

  • اعداد برامج للتوعية حول الممارسات الغير مقصودة والغير مسئولة للمزارعين والتى تؤدى الى زيادة العبء البيئى لتلوث الهواء وذلك بأستخدام طرق  أهمها المدارس الحقلية للمزارعين وكذلك برامج توعية المرأة الريفية والتى أنطلقت فعاليتها مؤخرا فى محافظات مصر بمجهود كبير ومشكور من لجنة مبيدات الأفات الزراعية.
  • وضع بدائل أمنة لحرق مخلفات المواد الزراعية (مثل اقامة برامج تحكم متعددة المراحل للحرق بهدف تقليل الأنبعاثات خلال فترات زمنية محددة ويجب التحقق من جفاف المخلفات قدر الأمكان قبل الحرق- تجميع المخلفات وأعادة أستخدامها كوقود للحصول على الأيثانول أو الغاز الحيوى (الميثان)- علف للحيوانات- مواد الببناء والتشييد (بلوكات مزدوجة مصنعة من القش حيث أنها تعتبر عازل حرارى ممتاز)- تنمية المشروم وبعض المحاصيلالأخرى- اخرى…………..).

 

زر الذهاب إلى الأعلى