“دوار فهيم”: المناخ و الشخصية المصرية … تغير يقابله تغير !!
مناخ مصر: كما يلخصه المقريزي:
مصر متوسطة الدنيا سلمت من حر الأقاليم الأول والثاني ومن برد الأقاليم السادس والسابع ووقعت في الإقليم الثالث، فطاب هواؤها وضعف حرها وخف بردها وسلم أهلها من مشاتي الأهواز ومصايف عمان وصواعق تهامة ودماميل الجزيرة العربية وجرب اليمن وطواعين الشام وحمي خبير…
مناخ مصر: هو أكثر عناصر البيئة المصرية تجانساً، فالظروف المناخية متشابهة بشكل ملحوظ فوق أرض مصر، ولا يتنوع تنوعاً كبيراً، ولا يوجد استثناء سوى شريط الساحل المتوسطى الدقيق، الذى يتضاءل مساحة بسبب التدهور المناخى، والحرارة هى السمة الغالبة على مناخ مصر، لأن فصل الصيف يتفوق على فصل الشتاء بنسبة 7 : 5 أشهر، وفى غياب المطر يكون الجو الصحراوى الجاف هو السائد، والاستثناء الوحيد هو انخفاضات الأعاصير الشتوية …
أن الشخصية المصرية على طول تاريخها تتميز بالوسطية، وليس العنف من سماتها، فالشخصية المصرية مثل الطبيعة المصرية (المناخية) لا تتغير بسهولة ولا تتغير بسرعة، بل تميل إلى الاستقرار والوداعة والمهادنة وتثبيت الوضع القائم كلما أمكن والتصادق معه وقبوله.
تغير يقابله تغير !!
ومع التغير الواضح فى المناخ خلال السنوات القليلة الماضية وما يتبعها من سيادة ظروف مناخية متقلبة وزيادة التأثيرات السلبية على الانشطة الزراعية (الاقتصادية) وارتداد ذلك على نقص الانتاجية والدخل للمزارع ووقوفه “عاجزاً” تماماً امامها … وشعوره بالضجر والضيق بسبب عنادها ….
والسؤال الآن لماذا تغير مناخ مصر ؟
ولماذا بالتحديد تغير شتاء مصر ليكون بهذه الشدة فى الانخفاض والتذبذب الشديد فى الحرارة مع موجات الصقيع وهطول متقطع للأمطار وخاصة على الدلتا ومحيطها وهل سيستمر هكذا خلال السنوات القادمة؟؟
بدايةً : هذا المقال العلمي استباقي لتوضيح الصورة امامكم … المسئول عن هذه الاضطرابات المناخية هي فى الغالب ترجع لظاهرتان مناخيتان وهما النينو و اللانينا…
فهاتان الظاهرتان تنشآن وتتطوران في المنطقة الاستوائية في المحيط الهادي كل فترة، ويؤدي كل منها إلى التأثير على أنماط توزيع الغيوم ومتوسط درجة الحرارة بشكل مختلف، وإن كانت مدة هذا التأثير تعتبر أقل زمنيا مقارنة بمدة تأثير الدورات الشمسية.
ويتمثل تأثير “النينو” في زيادة درجة حرارة المياه السطحية في تلك المنطقة بشكل لافت، خاصة في فصلي الصيف والخريف، مما ينتج عنه تولد تيارات مائية بحرية دافئة، وتحركها شرقا لمسافات طويلة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تغيرات مناخية وبيئية قاسية، أبرزها ارتفاع درجة الحرارة وزيادة موجات الجفاف واضطراب المناخ بشكل عام بالقرب من سواحل أستراليا الشرقية وإندونيسيا، وتأثيرات مماثلة لكنها أقل حدة على سواحل الهند وشرق وشمال أفريقيا (مصر) وبقاع أخرى بنصف الكرة الجنوبي.
وتتعاقب مع ظاهرة “النينو” في نفس المنطقة بالمحيط الهادي، ظاهرة بحرية أخرى هي ظاهرة “اللانينا”، والتي تؤدي إلى تأثيرات معاكسة تتمثل في انخفاض درجة حرارة المياه السطحية وبرودة الطقس نسبيا في أكثر من منطقة عبر العالم.
والواقع أن العالم على وشك الخروج من تأثيرات ظاهرة “النينو” التي بدأت منذ عام ٢٠١٥ ، وهناك بوادر قوية على تعاقب موجة جديدة من “اللانينا” بعدها، مما يمثل بدوره علامة على انخفاض درجة الحرارة على سطح الأرض بشكل إضافي خلال الموسم المناخية القريبة.
ظاهرة النينو : هي ظاهرة جوية تتعلق بارتفاع درجة حرارة سطح وسط وشرق مياه المحيط الهادي عند خط الاستواء تقريباً بقيم اعلى من المعدلات وتتكرر كل بضع سنوات ومن المتوقع بنسبة ٦٥٪ ان يشتد تأثيرها في المواسم القادمة.
هذه الظاهرة تعمل على قلب النظام الجوي الاعتيادي بين غرب المحيط وشرقه وتؤثر بشكل مباشر على غرب الاميركيتين واستراليا وشرق آسيا ولن نغوص بتفاصيل التأثير العالمي الآن كي لا نطيل عليكم وسندخل بصلب الموضوع المتعلق بمنطقتنا لفصل الشتاء حيث اننا نتأثر اجمالاً بالمؤثرات الاوروبية نتيجة مسار الكتل الباردة والرطبة الطبيعية من الغرب نحو الشرق (غالباً وليس دائماً ( ،
عادةً تأثير هذه الظاهرة يكون بطريقة غير مباشرة على اجواء المحيط الاطلسي حيث يسمح تبريد الهواء الهابط بتشكل مرتفعات جوية قوية مقابل شمال غرب افريقيا وشبه الجزيرة الايبيرية (اسبانيا والبرتغال) وبالتالي تزداد هيمنة ما يعرف بالمرتفع الآزوري في هذه المنطقة.
ولكن مهلاً : بالنسبة لطقس اوروبا هذا ليس سوى عامل واحد من عدة عوامل تؤثر على طقسها حيث ان المنظومة الخريفية والشتوية الاوروبية معقدة للغاية وصعبة التحليل خاصةً ان الهواء القطبي يلعب دوراً بارزاً في الساحة الاوروبية
وفي حال تم تحييد العوامل المؤثرة الاخرى منها مسارات الرياح القطبية والابقاء على ظاهرة النينو فقط سنحصل على فرص اكبر لبناء مرتفعات جوية تمتد من غرب اوروبا وافريقيا وصولاً الى اواسطهما نتيجة تعمق المنخفض الايسلاندي شمال غرب اوروبا وبالتالي تندفع الكتل الباردة والمنخفضات عبر شرق اوروبا نحو الشرق المتوسط (مصر) لنحظى بالامطار والثلوج على دفعات ..
ولكن هذا ليس الاحتمال الاوحد في حال تحييد العوامل الاخرى حيث ان فرص بناء منطقة الضغط الجوي المرتفع قد تمتد لتشمل حوض البحر المتوسط كاملاً لنتأثر بأجواء مشمسة قد تكون دافئة او باردة ولكن اقرب الى الجفاف بشكل عام ،
واشدد ان الاحتمالين السابقين هما نتيجة ربط ظاهرة النينو بطريقة غير مباشرة مع طقس اوروبا المؤثر علينا شتاءً في ظل ” تحييد ” العوامل الجوية الاخرى المؤثرة والتي قد تقلب الامور رأساً على عقب.