الأخبارالانتاجالصحة و البيئةالعالمامراضبحوث ومنظماتصحة

كورونا تعيد التاريخ السيئ للإنفلونزا الأسبانية: حصدت 50 مليون إنسان

 

قبل 103 عام، ضرب فيروس قوي الكرة الأرضية وتفشى إلى درجة أنه أصاب ثلث البشر في ذلك الزمان، ليترك بصمة سوداء عرفت باسم “الإنفلونزا الإسبانية”، وبدأ هذا المرض في مكان محدود، تماما كما في حالة فيروس كورونا الذي كانت شرارة تفشيه في سوق المأكولات البحرية بمدينة ووهان الصينية.

ويقول مؤرخون إن الفيروس انتشر أولا عام 1918، في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى، التي اعتبروا أنها مسؤولة بصورة جزئية عن تفشي المرض، رغم أن البعض ربطه مؤخرا بالصين.

ويضيفون أن الجنود على الجبهة الغربية للحرب، كانوا يعيشيون في خنادق ضيقة وقذرة ورطبة، مما أدى إلى إصابة عدد منهم.

وتختلف التقديرات للعدد الدقيق لوفيات تلك الإنفلونزا، لكن يعتقد بعض المؤرخين أنها قتلت نحو 50 مليون إنسان على الأقل، أي ما يعادل 10 في المئة من إجمالي الذين أصيبوا بها، مما جعلها الوباء الأكثر فتكا في التاريخ المعاصر.

أما موقع السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، فيقول إن نحو 500 مليون شخص أصيبوا بـ”الإنفلونزا الإسبانية”، أو ما يعادل ثلث سكان الكرة الأرضية آنذاك.

وعلى الرغم من أن هذا الوباء حمل اسم “الإنفلونزا الإسبانية”، فإنه من المرجح أنها بدأت في مكان آخر غير إسبانيا، وربطها البعض بالصين.

وبسبب سوء التغذية، ضعف الجهاز المناعي لهؤلاء، الأمر الذي جعلهم عرضة لفيروس الإنفلونزا الإسبانية، بحسب ما يقول موقع “لايف سيانس” العلمي.

ومن خندق إلى آخر انتشرت الإنفلونزا، حتى خرجت من النطاق العسكري لتصيب المدنيين، خاصة عندما بدأ الجنود في العودة إلى منازلهم مع توقف القتال، ليتفشى الفيروس في قراهم ومدنهم.

ولم يتعاف الكثير من المصابين من الجنود والمدنيين بسرعة، وفي المقابل، تحسنت حالات البعض بعد ثلاثة أيام من الإصابة.

ومما ساهم في تفشي الفيروس مقتل الكثير من الأطباء خلال الحرب، التي أودت بحياة الملايين من البشر.

ويتفق المؤرخون على أن الإنفلونزا الإسبانية لم تفرق بين البشر، إذ أصابت الكبار والشباب والمرضى والأصحاء، وكانت شديدة للغاية على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20-30 عاما، الذين كانوا أصحاء قبل الوباء.

لماذا هذا الاسم؟

كانت إسبانيا من أول الدول التي تم فيها تسجيل وفيات بالفيروس، لكن مؤرخين يعتبرون أن الأمر يعود إلى الرقابة العسكرية المفروضة في البلدان الأخرى.

وأشاروا إلى أن مدريد كانت محايدة أثناء الحرب ولم تفرض رقابة على صحافتها، لذا ساد الاعتقاد بأنها “الانفلونزا الإسبانية”.

وبدأ الأمر ببرقية إخبارية وصلت إلى وكالة “رويترز” في ربيع 1918، بشأن تفشي مرض غريب ذي طابع وبائي في مدريد، بحسب كتاب “الإنفلونزا الإسبانية” للمؤلف هنري ديفيز.

وفي غضون أسبوعين أصيب أكثر من 100 ألف شخص، مما يعني أنها أقوى من فيروس كورونا الذي استغرق شهرين ونصف الشهر حتى وصل إلى هذا الرقم.

وانهارت الخدمات الطبية في البلاد، ودول مجاورة بعدما عجز المستشفيات عن مواكبة العدد المتزايد من المرضى.

وفي صيف 1918، كانت الإنفلونزا الإسبانية قد اجتاحت العديد من الدول في القارة الأوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا وهنغاريا وألمانيا والنمسا.

 

وفي أغسطس من العام ذاته، أصبح الوباء جائحة، ووصل إلى السويد وكندا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا.

ووجهت نصائح حينها من أجل تلافي الإصابة مثل الامتناع عن المصافحة وملازم المنازل وارتداء الأقنعة، في سيناريو تكرر بعد 100 عام في فيروس كورونا حاليا.

وكانت أبرز أعراض الإنفلونزا الإسبانية على النحو التالي: في اليوم الأول، صداع رهيب في الرأس، وإعياء في الجسد، ثم سعال جاف وفقدان الشهية، وآلام في المعدة.

وفي اليوم الثاني، يغرق المصاب بالعرق الذي يفرزه جسده، وتطورت بعض الحالات إلى التهاب رئوي حاد وفشل في الجهاز التنفسي، ويعتبر مؤرخون أن هذين الأمرين المسببين للوفاة.

البداية من الصين

وفي عام 2014، نشرت مجلة “ناشونال جيوغرافيك” العلمية نظرية مفادها أن الفيروس ظهر أولا في الصين.

ونقلت المجلة حينها عن المؤرخ الكندي، مارك همفريز، قوله إن سجلات قديمة كشف النقاب عنها حديثا تشير إلى أنه جرى نقل 96 ألف عامل صيني للعمل خلف خطوط القوات الفرنسية والبريطانية في الجبهة الغربية.

ورجح هذا الباحث أن يكون هؤلاء هم السبب وراء انتشار الفيروس، وقال إن نحو 3 آلاف من هؤلاء أمضوا وقتا في الحجر الصحي بكندا، وبسبب النظرة العنصرية الطاغية في ذاك الزمان، اعتبر الكنديون أن هؤلاء مصابون بمرض “الكسل الصيني”.

وأضاف أن بعضا من هؤلاء أصيبوا أو ماتوا بعدما أكملوا رحلتهم إلى فرنسا في أوائل عام 1918.

وقالت “ناشونال جيوغرافيك” إن أطروحة همفريز نشرت في دورية علمية تحمل اسم “تاريخ الحرب”، مشيرة إلى أن فرضية المؤرخ تنتظر التأكيد عبر عينات فيروسية من ضحايا الإنفلونزا، إذ ستربط هذه الأدلة المرض بموقع واحد. ويجد بعض المؤرخين بالفعل حجته مقنعة.

وبحسب موقع “هستري” المتخصص في الشؤون التاريخية على الإنترنت، فقد انتهت الإنفلونزا الإسبانية في صيف عام 1919، بعدما مات أولئك الذين أصيبوا بها أو طورا جهاز المناعة لديهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى