د طارق قطب يكتب: إعادة هيكلة سياسات وآليات القطاع الزراعي للتعامل مع ازمة كورونا
مدير البرامج القطرية بقسم اسيا والباسفيك – الصندوق الدولي للتنمية الزراعية “إيفاد” – الأمم المتحدة
تتنبأ دراسة حديثة أجرتها منظمة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة أن الدول العربية ستخسر ما يعادل 42 مليار دولار أمريكي من أجمالي الناتج المحلى لعام 2020 من جراء أزمة وباء الكرونا الحالية، وستزيد معدلات البطالة بمقدار 1.2%، وسيزداد عدد الفقراء بمقدار 8.3 مليون شخص ليصل أجمالي الذين يعيشون تحت خط الفقر في الوطن العربي الى 100 مليون شخص ، تعيش النسبة الأكبر منهم في المناطق الريفية. كما سيزداد الوضع سوءا لحوالي 55 مليون شخصا يعيشون حاليا في أوضاع شديدة الهشاشة ويحتاجون الى مساعدات إنسانية عاجلة على رأسها الغذاء والدواء. كما سيتأثر كثيرا مصدرو النفط في المنطقة بانخفاض أسعاره مما سيؤدى الى اضطرابات اقتصادية، وستقل بالتبعية تحويلات العاملين بالخارج والتي تعد من أهم مدخولات الاقتصاد في كثير من البلدان ذات الكثافة السكانية العالية.
وقد أعلنت بعض الدول وقف تصدير أو استيراد الغذاء لعوامل تتصل بتامين المخزون الاستراتيجي أو سلامة الغذاء أو عدم توافر العملات الأجنبية. فقد لجأت بعض الحكومات مؤخرا الى تخزين الغذاء ووقف تصديره طبقا لوكالة بلومبرج الألمانية، حيث أقبلت حكومة كازخستان التي تعد واحدة من أكبر مصدري الدقيق في العالم على حظر تصدير هذا المنتج بجانب منتجات غذائية أخرى مثل الجزر والسكر والبطاطس، وتوقفت صربيا عن تصدير زيت عباد الشمس وسلع أخرى، في حين قد ترى روسيا حظر تصدير القمح تحسبا لامتداد الأزمة ونفاذ مخزونها الاستراتيجي. وبالتالي بات على جميع الدول إعادة النظر بصورة عاجلة في سياساتها الزراعية والتركيبات المحصولية التي ينبغي أن توفر الاكتفاء الذاتي من سلة الغذاء الرئيسي مثل الحبوب والخضروات والفواكه واللحوم ومنتجات الالبان، والتوقف عن انتاج بعض ما يسمى بالمحاصيل النقدية حيث تتقلص فرص التبادل التجاري مع سياسات الأغلاق (Country Lockdown) المتبعة حاليا في العديد من البلدان للحد من انتشار الوباء.
وقد اتخذت مصر – على سبيل المثال – إجراءات فاعلة بإنشاء صوامع مجهزة لتخزين القمح كأحد أهم المحاصيل الاستراتيجية، ومن ثم تقليل الفاقد من التخزين بحوالي 15% ضاربة المثل بالتعامل الاستراتيجي مع كافة عناصر متسلسلة القيم الزراعية (Value Chain) والتي تبدأ بالزراعة وتنتهي بالتسويق مرورا بالتخزين والنقل والتعبئة والتغليف. والى جانب ذلك تتوجه حاليا العديد من الدول الى تطبيق إجراءات خارج الأطر التقليدية للتعامل مع تداعيات الازمة مثل التركيز في الفترة القادمة على زيادة تغطية وكفاءة شبكات المعلومات العنكبوتية وتطبيقات الجوال لإنشاء منصات اليكترونية للإرشاد الزراعي، وبيع المحاصيل الزراعية، وشراء مدخلات الزراعة من البذور والتقاوي والمخصبات والاعلاف الحيوانية وغيرها.
وقد بدئت بالفعل العديد من المشروعات المنفذة حاليا على مستوى العالم – على سبيل المثال الممولة من قبل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) أحد منظمات الأمم المتحدة بإدخال تلك المنصات الاليكترونية وتعظيم دورها في ظل الاغلاق وحظر التجول المطبقين حاليا للسيطرة على انتشار وباء الكرونا. وتسمى تلك المنصات “منصات أصحاب المصلحة المتعددين” أو (Multi Stakeholders’ Platforms) وتضم كافة شركاء الإنتاج الزراعي من مزارعين بمختلف حيازتاهم وموردين للمدخلات الزراعية ووسطاء وتجار. كما سهلت البنوك فتح حسابات لصغار المنتجين لتمكين البيع والشراء والتمويل اليكترونيا، ومن ثم تقليل فرص اجتماع او تزاحم الأفراد في أماكن الخدمات.
وفرضت الأزمة الحالية على عديد من الحكومات ايضا زيادة الدعم اللوجيستي وخدمات نقل المنتجات الزراعية من باب المزرعة الى الأسواق الريفية والحضرية، وانشاء اليات جديدة للنقل الصحي والتخزين الآمن لتقليل الفاقد – بالذات من منتجات صغار المزارعين – الذين لا يمتلكون تلك الأدوات ويعدون أكثر فئات المنتجين تأثرا بأية خسارة. وقد قامت بعض الدول أيضا بتعزيز دور الجمعيات الاهلية الريفية وخصوصا الشبابية في معاونة المزارعين بالإمداد ببعض خدمات الإنتاج الزراعي والنقل والتسويق بعد تدريب و توعية هؤلاء الشباب بإجراءات الوقاية وامدادهم بأدوات الحماية سواء في المناطق التي وصل اليها الوباء أو لم يصل.
كل تلك الإجراءات وغيرها تفتح افاقا جديدة للتعامل مع الأزمات المستجدة وتتيح فرص التعاون الدولي وتبادل الخبرات، وتوجه اقتصادات العالم الى اعادة ترتيب الاولويات والحفاظ على حق الأنسان في الغذاء والكساء أينما كان.
رؤية واضحة لفترة صعبة – سلمت يداك يا دكتور طارق