د نسرين سليم تكتب: منع تداول الدواجن الحية بين الواقع والمأمول
المدير الفني للشركة الدولية للتبادل التجاري الحر – أستاذ تغذية الدواجن – معهد بحوث الإنتاج الحيواني
إن التطور التكنولوجى بمجال إنتاج الدواجن و مصنعاتها على مستوى العالم شجع العديد من الدول لتطوير منظومة إنتاج الدواجن و طرق و أشكال تسويقها منذ عقود فتعددت منتجات الدواجن و شهدت مواصفاتها تطور و تحديث مستمر لصالح المنتجين و المستهلكين و بما يتفق و رغبات المستهلك الغذائية.
و رغم إختلاف تجارب الدول إلا أن دعم المربين و الحفاظ عليهم الى جانب زيادة الإستثمار من خلال منتجين جدد هو من أهم أساسيات التطوير لأن التحول الى منظومة حديثة بحجم إستثمار و إنتاج أقل سيضر بالمستهلكين غذائيا و إقتصاديا بالإضافة الى تضرر المنتجين المتعثرين.
و بالنظر للوضع المحلى لإنتاج الدواجن فإن صغار المربين و المزارع المتوسطة تمثل النسبة الأكبر من حجم الإنتاج لدجاج التسمين و تعانى هذه الشريحة من عديد من المشاكل و المعوقات التى تسبب تسجيل خسائرأحيانا.
و تقع هذه الشريحة من منتجى الدواجن تحت ضغوط الحلقات الوسيطة للتسويق فى معظم الأحيان. و على الجانب الآخر فقد يعانى المستهلك من إرتفاع أسعار الدواجن فى بعض الأوقات خلال العام.
بالإضافة الى ذلك فإن آلية تسويق الدواجن من خلال التجار و بيعها بمحلات الذبح مباشرة للجمهور بلا شك تتسبب فى مشاكل بيئية و صحية نتيجة إتباع طرق غير منضبطة فى التعامل مع مخلفات الذبح و كذلك نتيجة عدم وجود ضمانة لسلامة القطيع قبل البيع.
هذا ما أدى بالدولة لإتخاذ بعض الخطوات لتصويب المسار مثل قانون منع التداول الحى للدواجن (القانون 70 لسنة 2009) و عديد من القرارات الوزارية لوزارة الزراعة بشأن منح تراخيص تشغيل للمزارع (الغير مرخصة وفقا للقانون) و تجديدها فى حال إتباع سبل الأمان الحيوى و قرار تحديد الأبعاد الوقائية بين المزارع و موعد بدء الإنتاج والتسويق للمزارع المتقاربة (All in all out ) بالإضافة الى أحدث القرارات الوزارية بشأن إلزام المزارع بوجود طبيب بيطرى للإشراف كمتطلب للترخيص أو تجديده. و جميعها خطوات و إجراءات جيدة و تستوجب الدعم إلا أنه لم يتوافر معلومات عن مردود الخطوات السابقة (خاصة إصدار رخصة التشغيل بهدف الرصد للمربين و التحفيز لإتباع سبل الأمان الحيوى) على مشاكل الصناعة و المربين حتى الآن و هل إلتزمت جميع المزارع بإجراءات الأمان الحيوى؟ و التى من شأنها خفض معدل المشاكل المرضية بنسبة كبيرة.
أما ما يتعلق بآلية التسويق فبالرغم من مرور 11 عاما على صدور القانون 70 الذى ينظم طريقة تداول الدواجن و تسويقها إلا أنه لم يتم حتى الآن تفعيل القانون. و لا يختلف إثنان على أهمية و ضرورة إتباع طرق التسويق الصحية للمنتجات و السلع الغذائية بشكل عام بل و ضرورة وضع مواصفات غذاء تضمن السلامة الصحية و الجودة الغذائية للمنتج النهائى و تحدد مظاهر الغش التجارى للسلع الغذائية.
و هذا ما بدأت الدولة بالفعل تهتم به من خلال إنشاء هيئة سلامة الغذاء و كذلك الجهود المستمرة للجهات الرقابية بوزارات الصحة و الزراعة و التموين و البيئة.
و برأيى أن السبب الرئيسى لتأخر تحقيق إنجاز على أرض الواقع بهذا الشأن هو طرح الأمر مرات عديدة للتطبيق و الإهتمام بجزء من المنظومة و ليس كل الأطراف المشتركة فى التنفيذ لتحقيق التغير الدائم لإسلوب التسويق. فنجد أن بكل مرة طرح فيها القانون للتفعيل لم يتم تقديم خطة تنفيذية شاملة لتقييم كل الأبعاد الإيجابية و السلبية لهذا الإنتقال و إختلطت الأدوار بين وزارتى الزراعة و الحكم المحلى.
فالأمر لا يقتصر على منع محلات ذبح الدواجن من ممارسة نشاطها و تغير النشاط خلال أيام كما طالعتنا الصحف كتصريح لمحافظ أحد محافظات الدلتا كثيفة الإنتاج للدواجن و التى لا تشتمل على مجازر تستوعب الطاقة الإنتاجية للمحافظة فكيف ستحصل تلك المحلات و منافذ البيع على الدواجن المذبوحة من خلال المجزر؟
كيف سيتغير نمط الإستهلاك فجأة لمحافظة أغلب سكانها ينتمون لمجتمع ريفى يفضل الذبح وقت الإستخدام للدواجن؟
إن تصريح غير مدروس جيدا كهذا يمكن له أن يتسبب فى أزمة توفير أحد أهم الأغذية للمواطن المصرى فى وقت حساس جدا لحدوث أى خلل غذائى لدى المواطنين و كفيل بهدم الجهود الفائقة للدولة لتوفير السلع الغذائية للمواطنين رغم ما يعانيه العالم من أزمة إقتصادية.
إن تفعيل القانون 70 يعتبر من الخطوات قبل النهائية لخطة تطوير الصناعة و تنفيذه الناجح و الدائم مرتبط بالعديد من الخطوات التمهيدية الضرورية التى تعمل على:
- وقف توغل إنتاج الدواجن داخل الكتلة السكنية تدريجيا و التركيز على فتح إستثمارات جديدة و حديثة بمناطق صحراوية معزولة (و هذا الإتجاه بذلت به وزارة الزراعة جهودا مستمرة حتى تم تحديد مواقع الإستثمار الجديدة و نماذجها), كيفية جذب صغار المربين لتكوين كيانات إنتاجية اكبر و الإستثمار بمناطق التوسع الحديثة.
- رفع مستوى الكفاءة الإنتاجية للمزارع القائمة من خلال تقييم المزارع و إمكانية تحديثها و تحويلها للنظام المغلق, وضع المواصفات القياسية للعنابر المغلقة و المعدات المستخدمة وتقييم إقتصاديات الإنتاج فى ظل منظومة سعرية واضحة خلال العام, التدريب الفنى للكوادر غير المؤهلة من المنتجين.
- زيادة دور الإشراف البيطرى بالمزارع و مشاركته بمسؤلية الصلاحية للتسويق و الرقابة الذاتية.
- وضع منظومة متكاملة لعلاقات المربى بالموردين للمستلزمات من جهة و المسؤلين عن الرقابة والتسويق من جهة اخرى.
- ضبط و تعديل خريطة التوزيع الجغرافى للمجازر و وضع الخطة الزمنية لذلك.
- الإسراع فى تنفيذ خطة الدولة لزيادة درجة الإكتفاء الذاتى من خامات الأعلاف محليا لضمان ثبات نسبى لأسعارالأعلاف و توفر منتظم للمستلزمات.
- خلق منظومة تسويق جديدة تتميز بالإنتشار و الحداثة و الجودة و وضع ما يلزم من قواعد للرقابة المحكمة عليها. إشراك اصحاب محلات ذبح الدواجن فى منظومة التسويق بعد تعديل نشاطها.
- طرح سيناريو العلاقة بين المربى و المجازر و ما يتبع ذلك إجراءات تفرض على جميع الأطراف الإلتزام لضمان التوريد المنتظم للسلعة بالأسواق.
- دراسة إجتماعية و نفسية عن كيفية تغير ذوق المستهلك تنتهى بوضع خطة تنفيذية و الجدول الزمنى للتنفيذ و التقييم.
- تحديد الأدوار و المسؤليات للوزارات المشتركة بالتنفيذ و التنسيق بينها
و لا شك أن كل ما يبذل من جهود حكومية و فردية للسير على طريق تنمية صناعة الدواجن هى جهود تستوجب الثناء. و لكننا نتطلع للإطلاع على خطة شاملة متكاملة تنتهى بالتطبيق الكلى لمنظومة إنتاج حديثة على مستوى كل المحافظات.
و نظرا للتغير و النمو المستمر لصناعة الدواجن فإن تحقيق نتيجة ملموسة و لتطوير الصناعة لن يتم إلا بوضع إستيراتيجية تطوير تشمل خطة تنفيذية يتحدد بها الأهداف و الأدوار و المسؤليات و الجدول الزمنى و مصادر التمويل و بمشاركة جميع الأطراف المعنية فى التنفيذ من حكومة و إتحاد منتجين و مربين و ذوى الخبرة.
يتم العمل بها فى مسارين رئيسيين متوازيين هما زيادة الإستثمارات الجديدة الى جانب رفع كفاءة وحدات الإنتاج الحالية دون حدوث أزمات غذائية أو إقتصادية مع وضع مخطط شامل للمسار الإنتاجى حتى الوصول للمستهلك. والأمر ليس مستحيلا فلدينا من الخبرات العلمية و الإستثمارية بمصر ما يؤهلنا لهذا النجاح لنصل الى تعميم منظومة إنتاج حديثة تستند على معايير واضحة و قواعد ملزمة للجميع يتم تطبيقها بشكل عام لنتحول من مرحلة الآمال الى مرحلة االإنجاز و حتى يتحول حلمنا المأمول الى واقع دائم مستقر.