د إيهاب هلال يكتب: الخفافيش بين الإنقراض وواقع يتهمه بنقل الفيروسات
متخصص في الحياة البرية – معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية – مصر
قبل ان يتم سرد حياة الخفافيش وغلاقتها بإنتشار فيروس كورونا المستجد علينا البحث في حقيقة هامة وهي العلاقة التاريخية لجياة الخفافيش التي تعد من الحيوانات المهددة بالإنقراض وبين واقع يتحسس العالم علي إستحياء حقيقة الإتهامات الموجة لهذا الحيوان بإنه أحد المتهمين بنشر الفيروس القاتل أم حيوانات برية آخري هي المتهم الرئيسي ولذلك علينا أن نبدأ بالتعرف بالتفاصيل علي الحفائق العلمية لهذا الحيوان بمزيد من التفاصيل.
الخُفاشيّات (الاسم العلمي: Chiroptera)
تنتشر الخفاشيات في معظم بقاع العالم وخصوصا في المنطقة الاستوائية و المنطقة شبه الاستوائية ويمكنها العيش في الصحاري و المزارع والغابات وحتى المناطق الصناعية ما عدا القطب الشمالي والقطب الجنوبي. يوجد حوالي ألف نوع من الخفافيش (ربع عدد أنواع الثدييات تقريبا). وهي الثدييات الوحيدة التي تستطيع الطيران حيث يتحورالغشاء ما بين الأصابع مشكلا ما يشبه الأجنحة.
تنقسم الخفافيش لمجموعتين كبيرتين:
الخفافيش الكبيرة (Megachiroptera):
و هذه الأنواع تتغذى على الفواكه و الأزهار, وتوجد في المناطق الاستوائية بأفريقيا وأستراليا والهند. وتتميّز بشكل الأذُن وحجم عُيونها الكبيرة. و لديها مقدرة على الإبصار, وهي تقتاتُ الثِّمار ليلاً.
الخفافيش الصغيرة (Microchiroptera):
و هذه الأنواع تتغذى بشكلٍ أساسيّ على الحشرات، ولكنّها في الحقيقة تستطيعُ أكل مختلف أنواع الطعام ابتداء من الثدييات الصغيرة حتى الأسماك. والخفافيش الصغيرة هي الأكثر انتشارا
وبصفة عامة كل الخفافيش تنشط ليلا أو مع بزوغ الفجر وكثير من الخفافيش الليلية تعتمد علي جهاز سونار للطيران والعثور علي الفريسة. كما ان حاسة الابصارعند خفاش الفاكهة قوية بحيث تمكنها من الإبصار في المستويات الدنيا من الضوء. (و يستثنى من هذا النشاط الليلي, الخفافيش التي تعيش بالجزر المنعزلة والتي تقل بها الفرائس, حيث انها تنشط نهارا).
أثناء النهار تنام الخفافيش بالكهوف وتجاويف الأشجار والمباني المهجورة وفروع الأشجار وغصونها. و هي تنام وتستريح معلقة أرجلها الخلفية ورأسها لأسفل، (بهذا الوضع المقلوب لا تستهلك طاقة, لأن وزن جسم الخفاش يعلقه ويجعله ثابتا في مكانه).
معظم أنواع الخفافيش تعيش في مستعمرات تضم الآلاف لتتجمع أسفلها نفاياتها (الجوانو (guano. وفي العديد من البلدان يجمع هذا السماد ليخصب المحاصيل الزراعية.
و يتراوح حجم الخفافيش من 3 سنتيمتر كخفاش أنف الخنزيرHog-nosed bat (Craseonycteris thonglongyai) الذي يعتبر أقل الثدييات حجما. و اكثر من 40 سنتيمتر كخفاش الثعلب الطائر المالاوي Large flying fox (Pteropus vampyrus) و الذي يبلغ وزنه حوالي 1,2 كجم, و طول اجنحته تصل الى 1,5 م اثناء الطيران, و يقطن منطقة جنوب أسيا.
يطير الخفاش بسرعة 100كم/ساعة ويرتفع بارتفاع 3 كم في السماء، وله قدرة على المناورة في طيرانه. و كثير من الخفافيش يمكنها تحريك الأذن في اتجاه الأصوات الخافتة. حيث أن حاسة السمع لدي الخفافيش متطورة للغاية لأنها تسمع بها صوت الارتداد وصدي الصوت.
بعض الخفافيش لها عيون كبيرة وواضحة, مثل خفاش الفاكهة, و تستطيع الرؤية بها بينما الباقي لها عيون صغيرة، لا تستعملها للرؤية ولا تبصر بهما حيث تحدد اتجاهها من خلال إطلاق نبضات صوتية قصيرة لها تردد عال فوق قدرة الإنسان أن يسمعها بأذنيه وارتداد الصوت يسهل لها عملية تحديد الهدف والسرعة المطلوبة والمراوغة مع فريستها، وصغار الخفافيش التي يقل عمرها عن 9 أيام تكون عمياء لكن بعد ذلك تصبح قادرة على الرؤية، ويقال إن مما ساهم بالاعتقاد الخاطئ بأن الخفافيش عمياء هو طريقتها بالتحرك التي تشبه الحركة العشوائية المتخبطة بين اليمين واليسار لكن الأبحاث الحديثة أثبتت أنه كائن يستطيع الابصار.
و يصدر الخفاش نبضات صوتية قصيرة لها تردد عال فوق قدرة الإنسان أن يسمعها بأذنيه. فتنتشر موجاتها أمام الخفاش الطائر. فترتطم بأي عائق في طريقه فترتد الأصوات كصدى ليترجمها بسرعة ويقدر المسافة بينه وبين هذا العائق وسرعته بالنسبة للبعد منه وحجم الأشياء من حوله ولاسيما أثناء الظلام. فيدير اتجاهه متجنبا الاصطدام به. وعلى جانب آخر معظم الخفافيش الكبيرة آكلة الفواكة نجدها لا تستعمل وسيلة صدى الصوت باستثناء الخفافيش التي تسكن الكهوف والمغارات فتستخدم جهاز تحديد الصدى داخل الكهوف وعندما تخرج للخارج تعتمد على الرؤية والشم.
أكثر من 65% من الخفافيش تعيش على الحشرات. ففي أمريكا الشمالية وجد أن الخفافيش العادية والبنية يمكنها أن تستهلك 600 ناموسة في الساعة. والخنافس تشكل ثلث طعام الخفافيش البنية الكبيرة علاوة على كافة أنواع الذباب والنمل الطائر. بينما نجد بعض الأنواع كمصاص الدماء الكبير يأكل الأسماك الصغيرة والزواحف والبرمائيات كالضفادع والطيور والثدييات بما فيهم الخفافيش الأخرى. وهذه الخفافيش القناصة نجد أن أقدامها الخلفية طويلة وبها مخالب مدببة وحادة لتستطيع قنص الفريسة أثناء الطيران.
وقد لاقت الخفافيش مصاصة الدماء عناية من العلماء للتعرف على سلوكها في الأكل لأنها تتغذى على الدم فقط. وتعيش في جنوب ووسط أمريكا. فوجد أن أسنانها كالأمواس الحادة حيث تقوم بعمل فتحة صغيرة في لحم الحيوان الثديي لتلعق الدم المنساب من الجرح، وليعيش الخفاش يلزمه حوالي ملعقتين كبيرتين من الدم يوميا. وريق الخفاش به مادة تمنع تجلط الدم وهي أقوى 20 مرة من أي مادة أخرى معروفة مانعة لتجلط الدم ويحضر منها دواء دراكيولين الذي يستعمل مع مرضى الجلطات الدماغية والنوبات القلبية.
متوسط عمر الخفاش يتراوح من 10 – 20 سنة حسب النوع.
و الخفافيش تواجه خطر الانقراض في جميع أنحاء العالم, و يعتبر السبب الرئيسي هو الانسان و سوء استخدام المبيدات الحشرية السامة. وقد سجل في كل القارات أن 99,9% من الخفافيش قد انقرضت.
الاهمية البيئية للخفافيش:
الخفافيش هم من الأعضاء الحيويين من النظم البيئية في جميع أنحاء العالم ، لدورها الهام في المكافحة الطبيعية للآفات من خلال تناول الحشرات, حيث يلتهم الخفاش من الحشرات ما يقرب من نصف وزنه يوميا.
كما أن خفافيش الفاكهة لها دور مهم في تلقيح النباتات وتفريق بذور الاشجار, و بالتالي تقوم بتجديد الغابات الاستوائية .
دور الخفافيش في نقل الفيروسات التاجية:
هناك مجموعة من الثدييات – و منها الخفافيش – تعتبر حاملات طبيعية للفيروسات التاجية.
قارن العلماء أنواع مختلفة من الفيروسات التاجية التي تعيش في 36 نوعًا من الخفافيش من غرب المحيط الهندي والمناطق المجاورة في إفريقيا.
ووجدوا أن مجموعات مختلفة من الخفافيش في الجنس وفي بعض الحالات على مستوى الأسرة لديها سلالات فريدة من نوعها من فيروسات التاجية، وكشفوا أن الخفافيش والفيروسات التاجية تتطور معًا لملايين السنين.
يقول ستيف جودمان ، عالِم ماك آرثر فيلد البيولوجي في متحف شيكاغو الميداني ، ومؤلف ورقة نشرت للتو في تقارير علمية تشرح بالتفصيل: “وجدنا أن هناك تاريخًا تطوريًا عميقًا بين الخفافيش والفيروسات التاجية”.
وقاد الدراسة علماء من جامعة لا ريونيون لي جوفرين وكاميل ليباربينسون ، الذين أجروا التحليلات الجينية في مختبر “Processus infectieux en milieu insulaire tropical (PIMIT)” في جزيرة ريونيون ، مع التركيز على الأمراض المعدية الناشئة في الجزر في الغرب المحيط الهندي.
يستخدم الكثير من الناس “الفيروس التاجي” كمرادف لـ “COVID-19” ، وهو نوع الفيروس التاجي الذي يسبب الجائحة الحالية. ومع ذلك ، هناك عدد كبير من أنواع الفيروسات التاجية المختلفة ، من المحتمل أن تصل إلى عدد أنواع الخفافيش ، ومعظمها غير معروف ليتم نقلها إلى البشر ولا تشكل أي خطر معروف. تختلف الفيروسات التاجية التي تحملها الخفافيش التي تمت دراستها في هذه الورقة عن المسببة ل COVID-19 .
جميع الحيوانات لديها فيروسات تعيش بداخلها ، والخفافيش ، بالإضافة إلى مجموعة من مجموعات الثدييات الأخرى ، تصادف أنها حاملات طبيعية للفيروسات التاجية. لا يبدو أن هذه الفيروسات التاجية ضارة للخفافيش ، ولكن من المحتمل أن تكون خطرة على الحيوانات الأخرى إذا كان للفيروسات فرص للانتقال بين الأنواع. تبحث هذه الدراسة العلاقات الجينية بين سلالات مختلفة من الفيروسات التاجية والحيوانات التي تعيش فيها ، مما يمهد الطريق لفهم أفضل لانتقال الفيروسات من الحيوانات إلى البشر.
جودمان ، الذي استند إلى مدغشقر منذ عدة عقود ، وزملائه أخذوا عينات من الدم وبعض الحالات من أكثر من ألف خفاش تمثل 36 نوعًا, تم العثور عليها في جزر في غرب المحيط الهندي والمناطق الساحلية في دولة موزمبيق. ثمانية في المئة من الخفافيش التي اخذوها كانت تحمل فيروسات تاجية. كما أن هناك دليل متزايد على التباين الموسمي في تداول هذه الفيروسات في الخفافيش، مما يشير إلى أن هذا العدد قد يختلف اختلافًا كبيرًا وفقًا لوقت العام، “كما يقول Camille Lebarbenchon ، عالم أمراض البيئة في جامعة La Réunion.
أجرى الباحثون تحليلات جينية للفيروسات التاجية الموجودة في هذه الخفافيش. من خلال مقارنة الفيروسات التاجية المعزولة والمتسلسلة في سياق هذه الدراسة مع تلك من الحيوانات الأخرى بما في ذلك الدلافين ، الألباكا والبشر ، و تمكنوا من بناء شجرة لعائلة الفيروسات التاجية. تُظهر شجرة العائلة هذه كيف ترتبط الأنواع المختلفة من الفيروسات التاجية ببعضها البعض.
يقول جودمان: “وجدنا أنه بالنسبة للجزء الأكبر ، فإن كل جنس من فصائل الخفافيش التي كانت تتوافر لها متواليات فيروسات تاجية لها سلالات خاصة بها”.
على سبيل المثال، شكلت خفافيش الفاكهة من عائلة Pteropodidae من قارات وجزر مختلفة مجموعة في شجرتها وكانت مختلفة وراثيا عن سلالات الفيروس التاجي لمجموعات أخرى من الخفافيش الموجودة في نفس المناطق الجغرافية.
ووجد الفريق أنه في حالات نادرة ، تشارك الخفافيش من عائلات مختلفة وأجناس وأنواع تعيش في نفس الكهوف ولديها مواقع متجمدة يومية متقاربة نفس سلالة الفيروس التاجي. ولكن في هذه الدراسة، يعتبر الانتقال بين الأنواع هو الاستثناء وليس القاعدة.
بعد ذلك ، نحتاج إلى فهم العوامل البيئية والبيولوجية والجزيئية التي تؤدي إلى هذه التحولات النادرة.كما تعتبر دراسة كيفية تطور سلالات مختلفة من الفيروسات, مفتاحًا لمنع تفشي الفيروسات التاجية في المستقبل. هذا و لم يثبت في مصر نقل الخفاش لأي أمراض للبشر منذ قديم الأزل، كما لم تثبت أي دراسة حاليا في مصر أي علاقة له بفيروس Covid-19
يجب التحذير من خطورة أسواق الاتجار الغير شرعي في الحياة البرية, حيث أنه عادة ما تحتوي أسواق الحياة البرية على العديد من أنواع الحيوانات التي يتم اصطيادها من البرية ويتم الاحتفاظ بها على مقربة شديدة من بعضها البعض. هذه حيوانات لا تتقارب مع بعضها البعض بشكل طبيعي. وفي بعض الأحيان يتم تكديس الحيوانات الحية والميتة فوق بعضها البعض، مما يجعل نقل الدم أو اللعاب بين الانواع المختلفة أمرًا شائعًا.
و لذلك يعتبر الأشخاص الذين يعملون في هذه الأسواق أو الذين يتعاملون مع الحيوانات البرية في هذه الأسواق معرضون بشدة للعديد من الأمراض. لان الحيوانات البرية لا تختار التفاعل مع البشر, بل و تتحاشاه قدر الامكان.
و بوجه عام, نعرض أنفسنا للخطر عندما نأخذ الحيوانات البرية ونجعلها على اتصال بالبشر