ادوية ولقاحاتالأخبارالانتاجالصحة و البيئةامراضبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتصحةمصر

د خالد العامري يكتب:مناعة القطيع… جدل لا ينتهي

استاذ الميكروبيولوجيا و المناعة و البيولوجيا الجزيئية بكلية الطب البيطري جامعة القاهرة 

تحاول معظم دول العالم القضاء على انتشار فيروس كورونا المستجد في محاولة لإدارة الوباء بما يسمى “مناعة القطيع” .

تعني مناعة القطيع السماح لعدد كبير من الأشخاص بأن ينتقل اليهم المرض وبالتالي بناء مناعة ضد الفيروس لوقف انتشاره علما بأن مناعة القطيع لا تتم الا بطريقتين الاولى وهى استخدام لقاح والثانية وهى اتاحة فرص العدوى بين ابناء الشعب

و السؤال هنا .. هل يمكن أن تحمينا مناعة القطيع من فيروس كورونا المستجد وهل من الحكمة أن تتبناه الدول؟

• دعونا اولا ان نفهم فكرة الحصانة….

تحارب أجسامنا الأمراض المعدية من خلال أجهزتنا المناعية و ينتج الجسم الأجسام المضادة استجابة للمسببات المرضية المعدية الدخيلة على الجسم لمحاربتها والتخلص منها كما تنتهج ايضا أجهزتنا المناعية المناعة الخلوية للمساعدة في ذلك ايضا .
بمجرد أن يقاوم الجسم المرض فإنه يحتفظ بـ “ذاكرة” ضد الجراثيم وكيفية محاربته بشكل أفضل وأسرع في المرة القادمة.
و بمجرد أن يكتسب الشخص مناعة ضد الفيروس فمن المحتمل أنه لن يصاب به مرة أخرى.
اما النظرية الكامنة وراء مناعة القطيع هي أنه بمجرد أن يصاب عدد كثير من الناس بمناعة ضد الفيروس سيتوقف في النهاية عن الانتشار إلى الأشخاص الذين لم يصابوا به بعد.

• تحليل الأعداد للوصول لمناعة القطيع….

مناعة القطيع هي في الأساس لعبة أرقام و سيعتمد بالدرجة الأولى على كم عدد الإصابات الجديدة التي ستتولد عن كل حالة مصابة و طبعا مع انتشار العدوى ستتقلص مجموعة الأشخاص المعرضين للإصابة مع زيادة المناعة و تهدف سياسة مناعة القطيع إلى تقليل عدد الأشخاص المعرضين للإصابة إلى النقطة التي ينخفض ​​فيها معدل التكاثر إلى أقل من 1 ويتوقف انتشار العدوى.

فمثلا في حالة الحصبة يحتاج 95٪ من الأشخاص إلى الحصانة حتى تتوقف العدوى اما بالنسبة لفيروس كورونا المستجد فيتطلب ذلك بإنتشار العدوى بنسبة 60% من الناس تقريبا ليصبحوا محصنين ضد العدوى و هذه حصانة كافية من القطيع لوقف انتشار فيروس كورونا .

• إذن هل مناعة القطيع خطة جيدة؟ 

في ظاهر الأمر قد تبدو إستراتيجية مناعة القطيع حكيمة لكن عدم وجود لقاح فيروس كورونا يعني أنها سياسة شديدة الخطورة.
و يعتبر أفضل طريقة لتطوير مناعة القطيع بسرعة امام الفيروس هي من خلال التطعيم رغم ما له من مشاكل في قدرة لقاح واحد على التغطية المناعية و الصد لأنواع كثيرة من الفيروس نظرا للطفرات التي طالت الفيروس و التي ستستمر طوال تواجده لأن المعروف عن هذه النوعية من الفيروسات انها تشهد تحورا سريعا للغاية طوال فترة نشاطها مما سوف يصعب من فرصة انتاج لقاح لديه القدرة على صد هذا التنوع الكبير في مثل حالة فيروس كورونا المستجد .
و إذا لم تكن اللقاحات متاحة وانتشرت العدوى فإن بعض الأشخاص فقط هم من سيظهرون نسخة خفيفة من المرض ويتعافون ولكن من الخطر جدا الاعتماد على هذه الطريقة لمكافحة المرض حيث ان ذلك سيتسبب في عدد كبير جدا من الوفيات و كذلك ستنهار معه قدرة المستشفيات و الأطقم الطبية و ستفقد قدرتها على الصمود كما إن من الممكن أن بعض الأشخاص يكون لديهم القدرة على عدم إظهار اعراض مرضية لكنهم سيكونون حاملين للفيروس و مصدرا لنقل العدوى و سيتسببوا في نقله لكبار السن و هو ما سيعرضهم لخطر الموت و كذلك للأشخاص اصحاب المناعات الضعيفة او المثبطة و لذلك ارى ان في حالة مصر فعلينا اذا اتبعنا مثل هذه السياسة ان تمتد ساعات و ايام الحظر لشهور و اطالة الفترة التي يمكن فيها بناء مناعة القطيع … ماذا و إلا … ستنهار المنظومة الطبية تماما و سيصعب علينا استيعاب نتائج هذه الإستراتيجية الخطيرة اجتماعيا و سياسيا و ستغرق المستشفيات في بحر من الحالات المصابة و عدد الوفيات الا محدود دفعة واحدة .

• ماذا يجب علينا القيام به؟ 

الحل الوحيد في ظل تطبيق هذه السياسة هو التحكم في الحركة داخليا او حتى عبر الحدود وفرض العزلة الذاتية و تقييد التجمعات العامة بقوة . ومن الأمور الحاسمة ايضا تثقيف الجمهور ليس فقط حول النظافة الصحية الآمنة و استخدام المطهرات ومعقم اليدين و خلافه و لكن ايضا سرعة تثقيف الشعب عن طبيعة الأعراض و كيفية التعامل معها منزليا و كيفية استخدام الأدوية في الحالات البسيطة و المتوسطة و اتاحة العلاج في الصيدليات و سرعة تجهيز اماكن في مستشفيات اضافية لرفع كفاءة القطاع الصحي امام الأعداد المتوقعة من ارتفاع اعداد المرضى و كذلك التوعية بكيفية التعامل مع المرضى من كبار السن و اصحاب امراض القلب و الضغط و السكر و كذلك الأطفال و المرأة الحامل مع الوضع في الإعتبار اننا ليس لدينا رفاهية الوقت .

و مع تطبيق هذه الإجراءات نعطي أنفسنا أفضل فرصة لإعادة تحجيم هذا الفيروس اللعين في ظل الرغبة في اتباع سياسة مناعة القطيع .

 

زر الذهاب إلى الأعلى