د محمد فهيم: قوة ومتانة القطاع الزراعي والإستثمار التشاركي ومبدأ انتهاز الفرص
خبير زراعي وأستاذ في مركز البحوث الزراعية – مصر
مبدأ انتهاز الفرص هو فن وعلم ينتهجه العالم الآن في كيفية تجاوز الازمات بأقل الخسائر أو تعظيم وضع راهن أصبح لا يلاءم أو يصلح لمسايرة المتغيرات المتلاحقة في كل شيئ ، ولعل قطاع الزراعة والغذاء هو القطاع الأكثر دينامية خلال فترات الأزمات ولابد من حسن استغلاله وتعظيم مخرجاته.
وهذا هو التوقيت الأمثل للتحول من الزراعات التقليدية الى الزراعات ذات القيمة المضافة وضرورة الاستفادة من التجربة التي خاضها قطاع الزراعة المصري منذ الأشهر الماضية وحتى الان بسبب ازمة الكورونا والتي ابرزت اهمية هذا القطاع الحيوي جداً لمصر ، وضرورة تجاوز التحديات التي يواجهها هذا القطاع من خلال شراكة حقيقية بين المؤسسات الرسمية والاهلية والخاصة العاملة في قطاع الزراعة.
وحان الوقت للعمل على تطويع التكنولوجيا لتطوير القطاع بكل مراحل الانتاج وسلاسل توريد المنتجات الى المستهلك وتعظيم القيمة المضافة للمنتجات الزراعية وخاصة التى لدينا وفرة منها (الخضر – الفاكهة – التمور – الزيتون – الطبية العطرية .. الخ) وتسهيل واستهداف اسواق جديدة للمنتج الزراعي المصري والذي اثبت قوته محلياً في فترات الازمات مثل ازمة الكورونا حيث استطاعت الزراعة المصرية ان تلبي احتياجات الاستهلاك الداخلى بالجودة المطلوبة والاسعار التي في متناول الجميع.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية قد أكد خلال الشهور الماضية، في خضم ازمة الكورونا، على ضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعي لأهميته ودوره المهم في حماية الامن الغذائي القومي ودوره الاساسي في الاعتماد على الذات في مثل هذه الظروف الاستثنائية .حيث ان القطاع الزراعي يعتبر من اكبر القطاعات المشغلة للعمالة والتي تعد بالملايين .
ويقدم قطاع الزراعة اعلى قيمة مضافة، فضلا عن احتلاله مرتبة متقدمة في قيمة الصادرات الوطنية من بين جميع القطاعات الاقتصادية الاخرى. واستطاع أيضاً خلال فترة ازمة الكورونا ان يتكيف ويقدم السلع الزراعية للمواطنين بالكميات والجودة المطلوبة ولم توجد أى ازمات فى أسعار هذه السلع.
حيث استطاع القطاع الزراعي تلبية احتياجات الاسواق المحلية من الخضر والفواكه بالجودة والاسعار المعقولة والاستمرار في تلبية احتياجات الاسواق التصديرية التقليدية مثل الخليج واستطاع ان يتجاوز أسواق أوربية كانت فى الأمس القريب متربعة على أسواق العالم أجمع (مثل الموالح المصرية والفراولة المصرية وأسواق أوربا مثل السوق الاسباني).
وقد لامست بنفسي الجهد الذي يبذله وزير الزراعة الحالي السيد القصير في أحداث قفزات كبيرة في مردودات هذا القطاع والعمل على حسن استغلال كل الموارد والامكانيات المؤسسية والبشرية المتاحة لوزارة الزراعة في خدمة القطاع الزراعي و رد اعتبار مؤسسات الزراعة في تبؤ مكانتها الطبيعية والحيوية.
وعن الازمة وتحديات القطاع وكيف يمكن ان نستفيد من دروس ازمة الكورونا وتحويلها الى فرص كبيرة لتطوير القطاع الزراعي فان هناك حاجة كبيرة لشراكة حقيقية وتعاون بين القطاع الحكومي والمؤسسات الخاصة العاملة في القطاع لتطوير القطاع والعمل على تطوير فكرة التصنيع الزراعي وكيفية التعاطي معها مستقبلا، وتوظيف التقنيات الحديثة لحل مشاكل القطاع الفنية والتسويقية ولتتبع سلامة الغذاء ، الى جانب العمل على تدعيم البحث العلمي الزراعي في القطاع وذلك لحل مشاكل قائمة او لتطوير وتعزيز ما يتميز به قطاعنا الزراعي.
واذا اردنا الاستفادة من دروس ازمة الكورونا فعلينا العمل على بناء شراكة حقيقية بين المؤسسات العاملة في القطاع الزراعي الرسمية والاهلية للقيام بدورها بصورة مثالية، كما ان لدينا الفرصة في العمل على اعادة تنظيم المؤسسات الاهلية العاملة في القطاع من خلال انشاء مظلة موحدة لها تحت مسمى مثلاً (منصة زراعة مصر).
هناك أهمية قصوى لبناء بنك معلومات وقاعدة بيانات زراعية وطنية موحدة تتعلق بالقطاع الزراعي. وقد بدأت وزارة الزراعة ولأول مرة فى حصر ثروتنا الحيوانية وبدقة كبيرة ولأول مرة فى مصر على مستوى الرأس من الحيوانات (بروفيل لكل حيوان).
كما يجب العمل على تنظيم القطاع من خلال تأسيس جمعيات تعاونية او اتحادات نوعية تعمل على تنظيم عملية الانتاج والتخلص من سلبية فوضى الانتاج وتقليص حجم الفاقد من المنتجات الزراعية، وارتفاع الهوامش التسويقية واهمية اعادة النظر في انظمة الاسواق المركزية.
ورغم ذلك فما زال القطاع الزراعي يواجه جملة تحديات منها ما يتعلق بتكاليف وندرة العمالة المدربة وتحديات ترتبط بتكاليف الطاقة فضلا عن تحديات مرتبطة بالتسويق وبالمراحل ما بعد الحصاد وتوريد المنتجات وايصالها الى المستهلك النهائي يجب العمل على معالجتها من خلال شراكة حقيقية بين القطاعين الحكومي والخاص.
وهنا ياتى أهمية الحلول الذكية والمنصات الرقمية الجديدة لتلبية احتياجات السوق الامر الذي يعطي ميزة تنافسية لمن يعتمد عليها، وخصوصا ان الطلب على الأغذية آخذ في الازدياد مع سعي الموردين الى زيادة التوزيع والوصول إلى سلسلة التوريد الإقليمية أو العالمية، في وقت اصبح فيه العملاء يطلبون إمكانية تتبع الطعام، وشفافية أكبر في الأسعار، بالإضافة إلى الوصول إلى المعلومات على مدار الساعة بشكل أسرع.
كما انه ولابد من المساهمة في تغيير النمط الزراعي التقليدي والتخفيف من الإختناقات التسويقية للمحاصيل التقليدية من خلال التبني واالتشجيع على زراعة المحاصيل المتحملة للجفاف وللظروف المناخية المتقلبة و محاصيل الخضر البديلة ذات القيمة التسويقية العالية والمحاصيل ذات القيمة المضافة والبديلة وذات القدرة التنافسية…