«إبن الريف» يكتب: التوازن بين إستهلاك القمح والبطاطس “ضرورة” إقتصادية وصحية
دائما تقاس صحة الأمم والمجتمعات بالنمط الغذاء ونوعيته من ناحية تحقيق التوزان في العناصر الغذائية التي ينعكس مردودها علي صحة المواطن وقدرته علي مواجهة الأمراض والفيروسات التي تواجهه يوميا منذ “نوبة الصحيان” وحتي خلوده للنوم مرورا بساعات العمل وليس بتواجد الخبز بأنواعه والمكرونة والأرز وطاجن المكرونة علي مائدة طعام واحدة تتجمع عليها الأسرة دون أن تدرك أنها “سفرة الموت البطيئ “وإنتهاءا بشعب يعاني من المغص المعوي وأمراض السكر والضغط وسمنة ودولة تتحمل مليارات الدولارات والحل في الإرادة السياسية.
عموما تشكل هذه المقدمة خارطة إنقاذ للنمط الغذائي السيئ الذي يعيش عليه المجتمع المصري والذي تحول للاعتماد علي رغيف الخبز والإسراف في استهلاكه بصورة ملفتة مقارنة باستهلاكه من البطاطس ذات القيمة الغذائية العالية وهو ما يبدو في الخريطة العالمية لاستهلاك أحد المحصولين الهامين وهما القمح والبطاطس.
ومن المفارقة ان متوسط إستهلاك الفرد عالميا من القمح يصل إلي 80 كيلو جرام سنويا بينما يرتفع إستهلاك المواطن المصري من القمح إلي أكثر من 180 كيلو، بينما يقل معدل الإستهلاك من البطاطس إلي 25 كجم مقارنة بمعدل إستهلاك عالمي للفرد من البطاطس يصل إلي 130 كجم.
إذن ميزان النمط الإستهلاك “مقلوب” لدي المصريين بدون مبرر وان التوجه نحو الحد من إستهلاك رغيف الخبز المصنوع من القمح نحو إستهلاك البطاطس يحقق التوازن الغذائي لمصلحة صحة المواطن أولا وتخفيف الأعباء علي ميزانية الدولة في توجيه رصيد العملات الأجنبية لإستيراد كميات كبيرة من القمح تستنزف أرصدة الدولار فضلا عن ارتفاع تكلفة فاتورة تخفيف الأعباء الصحية التي تتحملها الدولة نتيجة الإسراف في إستهلاك رغيف الخبز والذي يسبب سوء استهلاكه في عواقب صحية وخيمة منها ارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة وانتشار أمراض السكر والضغط الدم والقلب والتي ترتبط أساسا بارتفاع معدلات إستهلاك رغيف الخبز.
لذلك لابد من توجيه النمط الاستهلاكي نحو البطاطس لعدة أسباب منها ان حبة البطاطس تغطي ما يقرب من 25% من الإحتياجات اليومية من العناصر الغذائية اللازمة لصحة الإنسان إحتياجات الجسم من الدهون والبروتين والكربوهيدرات والألياف وفيتامين سي وفيتامين ب 6 والبوتاسيوم والمغنسيوم والفسفور مقارنة برغيف الخبز الذي يحتوى على نسبة منخفضة من المواد الغذائية الأساسية مثل البروتين والدهون والألياف الغذائية والفيتامينات والمعادن، ونسبة عالية من السعرات الحرارية والكربوهيدرات التي تسبب أخطر الأمراض التي تهدد صحة المصريين .
والأخطر ان بعض الأبحاث تشير إلى أن تناول الأطعمة وخاصة رغيف الخبز التي تحتوي على مؤشر نسبة السكر في الدم (GI)، وهو مقياس لمدى سرعة الأطعمة في زيادة مستويات السكر في الدم، يمكن أن يؤدي إلى زيادة الإحساس بالجوع وزيادة خطر الإفراط في تناول الطعام بما ينعكس على ارتفاع معدلات السمنة والأمراض المرتبطة بها.
فمن المهم استراتيجيا للدولة المصرية ان تعيد النظر في النمط الاستهلاكي لرغيف الخبز من خلال تحقيق التوازن بين التوجه نحو إستهلاك البطاطس والقمح خاصة في ظل الوفرة الموجودة في إنتاج البطاطس وقدرتها علي ان تغطي إحتياجات استيراد القمح من الخارج البالغة 3 مليار دولار سنويا قابلة للزيادة، وهو ما يصل بالدولة المصرية للاستفادة من إنتاج القمح والبطاطس محليا لتغطية الاستهلاك المحلي وعدم التوجه نحو استيراد القمح من الخارج .
كما ان تحقيق هذا التوازن يحمي المزارع المصري من تقلبات الأسواق الدولية لأسعار القمح والتي تجعله في مهب الريح في حالة إنخفاض الأسعار العالمية بسبب سياسات إغراق السوق المحلي بالقمح المستورد الأقل في القيمة الغذائية مقارنة بالقمح المصري، كما ان تحقيق التوازن بين إستهلاك القمح والبطاطس أحد أدوات حماية مزارعي البطاطس من مخاطر إنهيار الأسعار والأهم إنه في تحقيق التوازن تكون الفوائد الاقتصادية والصحية والأمنية وتحقيق الاستقرار السياسي للدولة من خلال مجتمع يتمتع بموفور الصحة وهو ما ينعكس أيضا علي قدرته في رفع جودة العمل علي مدار اليوم.
كل هذه الظروف المتعلقة بالإنتاج الزراعي والإستهلاك الغذائي لأهم محصولين تمتلك مصر ميزة نسبية في الإنتاج يستوجب تدخلا عاجلا من الدولة لمراجعة النمط الإستهلاك لإنقاذ حياة ملايين المصريين من مخاطر خريطة الغذاء المصرية التي تستهلك ماكينة الحياة الطبيعية التي خلقها الله وأمرنا أن نحافظ عليها حتي يسترد أمانته.
لذلك يجب عن مركز البحوث الزراعية ممثلا في المعاهد المعنية ومنها معهد تكنولوجيا الأغذية ومعهد المحاصيل الحقلية ومعهد البساتين بالتعاون مع قطاع الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة لبدء حملة قومية للتوعية بالنمط الغذائي المناسب لصحة المصريين تشارك فيه وزارات الصحة والتنمية المحلية.