الأخبارالاقتصادالانتاجالصادرات و الوارداتالصحة و البيئةامراضبحوث ومنظماتحوارات و مقالات

د فاتن أبوعزيزة تكتب: أين تذهب الأجسام المناعية بعد إنتهاء دورها؟

أستاذ مساعد – الشعبة البيطرية – المركز القومى للبحوث 

 

يدور في الاذهان سؤال عن مسار الاجسام المناعية بعد تمام دورها. إن هذا السؤال بسيط في مظهره لكنه عميق في جوهره، وهل تعلم أن هذا السؤال لم تتم الإجابة عليه حرفيا بكامل دلالاته حتي هذه اللحظة.

مر علي هذا السؤال قرنين من الزمان وبالرغم من التقدم العلمي والتكنولوجي لم يتوفر لدينا إلي الأن إجابه شاملة كاملة عن مضمون هذا السؤال.

ولكن لماذا نبحث عن إجابه لهذا السؤال هل سنستفيد شيئا؟ أستطيع أن اقول ببساطة أن ما توفر حول هذه النقطة من إجابات ناقصة قد وفر للعلماء إمكانيات هائلة عن الجهاز المناعي وما يقوم بدوره فما بالنا لو تمت الإجابة عليه كاملا.

فحتى عندما نقوم بالإجابة التي تتوفر لدى العلماء فإننا لا نستطيع ان نوضحها تماما إلا بعد توضيح أهمية الاستفادة من الإجابة علي هذا السؤال حيث أن هذا السؤال كان مقرونا بسؤال أخر لا يوجد إجابة عليه أيضا وهو هل يحتوى الجسم علي أجسام مناعية لجميع الميكروبات في العالم.

 واذا كانت الإجابة “نعم” فكيف يكون هذا الاحتواء وإذا كانت الاجابة “لا”  فكيف يتعرف الجهاز المناعى على ميكروب غريب الأطوار.

وبالتالي أصبح عندنا سؤالان حائران خاصان بالأجسام المناعية والجهاز المناعي. وبطريقة فرعية أستطيع أن أقدر حيرة العلماء في هذه الأيام للحصول علي أجسام مناعية قوية للميكروبات والفيروسات التي تظهر من حين لأخر مثل “كوفيد-19”.

يتكون الجسم من مجموعة من أجهزة خلقها الله لكى تساعد علي إتمام دوره في الحياة ومن هذه الأجهزة “الجهاز المناعى”. يحتوى الجهاز المناعى على مجموعة من الأعضاء التى بدورها تحتوى علي مجموعة من خلايا مختلفة حسب منشأها ودورها.

يوجد الخلايا البائية التى تنتج الأجسام المضادة ويوجد الخلايا التائية المتنوعة التى منها من يهاجم الأجسام الغريبة ومنها ما يساعد في تنظيم خلايا أخرى. وكانت البداية فى إحدى مقاطعات ألمانيا حيث طرح في سبعينيات القرن الماضى العالم الشهير نايل جيرن “Niles S. Jerne “ حيث فاجأ المستمعين في أحد المؤتمرات بقوله بأن الجسم المناعى لم يكن موجود في الجسم من قبل دخول الميكروب او الجسم الغريب وبالتالى الأجسام المناعية التي تكونت تصبح أجسام غريبة لأنها لم تكن موجودة في الأصل. وهي تقوم بدورها بتكوين أجسام مناعية أخرى تخلص الجسم من الأجسام المناعية الأولى التي تكونت نتيجة دخول الجسم الغريب ثم يقوم الجسم الجسم المناعي الثاني بتكوين أجسام مناعية ثالثة وهي التي تقوم بدورها بالتخلص من الأجسام المناعية الثانية والتي تكونت للتخلص من الأجسام المناعية الأولى.

أصبحت هذه النظرية معتمدة عالميا منذ ذلك الحين وعرفت باسم الشبكة المناعية لجيرن  “Jerne network theory”.

شبكة الجسم المناعي لنايلز جيرن Niles S. Jerne

والآن ما هدف هذه المقدمة؟ إن الإستفادة قصوى وكبيرة حيث أن ما يسمى باللقاح هو عملية تحفيز الجسم على تكوين أجسام مناعية والتي بدورها تلتصق باللقاح وتنهى دوره. وهناك ما يسمى المصل فعندما نقوم بحقن الأجسام المناعية التي تتكون في المعمل لإنهاء دور الميكروب داخل الجسم. وعندما ننظر في الأسطر السابقة نجد أن هذا الجسم المناعى وظيفته هو التصاق الميكروب به. وهنا يمكن ان نقول أن الجسم المناعى الأول يمكنه الالتصاق بالجسم الغريب (ميكروب – فيروس ـ طفيل ـ سموم وغيره). وأيضا يمكنه الالتصاق بالأجسام المناعية الثانية التي تكونت ونستنتج من ذلك أن كلا من الجسم المناعى الثانى والجسم الغريب يمكنهما الالتصاق بالجسم المناعى الأول ولهما المقدره نفسها علي تكوين الجسم المناعي الثالث. وأستنتج العلماء من ذلك القاعدة الذهبية التى تقول ان الأجسام المناعية الثانية تشبه الميكروب أو الجسم الغريب. يدل ذلك أن الخلايا التى تنتج الأجسام المناعية الثانية تجتوى علي ما يطلق عليه بالمرآة الداخليه للميكروب.

ويمكن استخدام هذه المرآة الداخلية بديلا عن الميكروب حيث أن باستطاعتها تكوين أجسام مناعية ثالثة مشابهه للأجسام المناعية الأولى التي تصنع بإدخال الجسم الغريب أو الميكروب أو اللقاح. وفي النهاية، سوف أستعرض في المقال القادم كيفية استخدام الأجسام المناعية في علاج الأمراض المستعصية مثل الأورام.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى