د إياد حرفوش يكتب:إضافات أعلاف الثروة الحيوانية والداجنة «الفوضي غير الخلاقة»!
>> نحتاج لضوابط للتداول تحمي الصحة العامة والصناعة
الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية للتبادل التجاري الحر
تعرف المفوضية الأوروبية لسلامة الغذاء إضافات الأعلاف (غير الدوائية) بأنها: “منتجات تستخدم في تغذية الحيوانات/الطيور، بهدف تحسين جودة العلف، أو جودة المنتج الغذائي للإنسان، أو تحسين أداء الحيوان أو صحته العامة، مثل رفع كفاءة هضم مكونات الأعلاف وغيرها”، وتقسم المفوضية الأوروبية الإضافات إلى: إضافات تقنية (مضادات الأكسدة، المستحلبات، منظمات الحمضية، محفزات السيلاج .. الخ)، محسنات حسية (مكسبات اللون والرائحة)، إضافات غذائية (الفيتامينات، الأحماض الأمينية والعناصر النادرة)، محسنات الأداء (محسنات الهضم وروافع المناعة)، فضلا عن المستحضرات غير الدوائية للسيطرة على الكوكسيديا! ويقدر حجم التداول العالمي لإضافات الأعلاف في 2019 بأكثر من 31 مليار دولار[1] (لا تشمل هذه القيمة المستحضرات التي تضاف إلى مياه الشرب للحيوانات والطيور)، ونظراً للمعايير الدقيقة التي تضعها معظم دول العالم لتسجيل وتداول إضافات الأعلاف، لارتباطها الوثيق بمستوى إنتاجية الحيوانات والطيور من جهة، وبسلامة غذاء الإنسان من جهة مقابلة، تسيطر الشركات العشر الكبرى عالميا على 50% من هذا التداول[2].
لكن وضع هذه المنتجات نفسها في مصر يختلف كثيراً عن هذه الصورة.
يعرف جميع العاملين بمجال الإنتاج الداجني والحيواني، والعاملين بمجال صحة الحيوان في مصر، ما نعنيه بالفوضى غير الخلاقة في مجال إضافات الأعلاف. ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة مئات الشركات المصنعة للإضافات في الصين والهند وماليزيا وغيرها، فضلا عن مئات الشركات الأوروبية والأمريكية التي تصنع إضافات أعلاف للتصدير، وغير مصرح بتداولها داخل الاتحاد الأوروبي، ليصبح في سوق التداول الدولي آلاف المنتجات التي تخدم الأهداف سالفة الذكر، والقليل منها هو ما يستوفي شروط الجودة اللازمة للتداول. ونظرا للسهولة “الزائدة” في تسجيل إضافات الأعلاف في مصر، أصبحت هذه الأعداد الضخمة التي لا تلبي في معظمها اشتراطات الجودة والأمان العالمية متداولة في السوق المحلية.
ولكن ماذا نعني بالسهولة الزائدة عن اللازم في اشتراطات تسجيل إضافات الأعلاف مقارنة ببقية المستحضرات البيطرية؟
الشروط الناقصة لتسجيل إضافات الأعلاف ومياه الشرب!
لو قارنا بين شروط تسجيل تلك الإضافات في المركز القومي للأغذية والأعلاف وشروط تسجيل اللقاحات البيطرية في الهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، وكذلك شروط تسجيل الأدوية البيطرية في وزارة الصحة، سنجد شرطين أساسيين غير موجودين في حالة إضافات الأعلاف، وهما:
- شرط تصنيع المنتج في دولة مرجعية، (الولايات المتحدة، كندا، الاتحاد الأوروبي، بريطانيا واليابان)، لما تتميز به تلك الدول من اشتراطات جودة وأمان صارمة تضمن جودة المنتج. وفي حالة تصنيع المنتج – المطلوب استيراده – في غير الدول المرجعية، يشترط إيفاد لجنة علمية – على نفقة المستورد – من الوزارة لمعاينة المصنع وفحص أوراق اعتماده ومعايير الجودة فيه.
- شرط التداول الحر في بلد المنشأ، حيث يضمن هذا الشرط أن المنتج تقبله الدولة المرجعية التي أنتج فيها للتداول داخلها. حيث تسجل بعض المنتجات في الدول المرجعية للتصدير فقط، لأنها لا تستوفي شروط الجودة اللازمة للتداول داخل الدولة.
كما قلنا أن هذه الاشتراطات مطبقة بالفعل في مجال الأدوية واللقاحات البيطرية، ولا يستثنى منها إلا إضافات الأعلاف ومياه الشرب التي تسجل في المركز القومي للأغذية والأعلاف التابع لوزارة الزراعة، ولأن الأصل في الاستثناء أن يكون مبررا، فيجوز لنا أن نسأل: ما هو مبرر إعفاء هذا النوع من المنتجات من هذين الشرطين؟
هل هناك اعتقاد أن الجودة والسلامة في هذه المنتجات اللازمة لغذاء الحيوان والطيور، وتحسين أدائه، أو تحسين جودة العلف، أو تحسين المنتج الغذائي للمستهلك (اللحم والبيض)، أقل أهمية من اللقاحات والأدوية؟
لو وجد مثل هذا الاعتقاد فهو برأينا اعتقاد لم يختبر! لأن التغذية جزء محوري من صحة الحيوان/الطائر، وفوق ذلك فلها دور أساسي في تعظيم الجدوى الاقتصادية للعملية الإنتاجية برمتها! ربما لو توجهنا بالسؤال إلى المركز القومي نفسه، لكانت الإجابة أن المركز يختبر كل رسائل إضافات الأعلاف والماء الواردة من الخارج قبل السماح بتداولها، وهذه آلية كافية لضمان الجودة. لكننا في هذه الحالة سنجيب: بالمثل، تختبر كل رسائل اللقاحات الواردة من الخارج قبل تداولها، لكن هذا لم يعف اللقاحات والأدوية من هذين الشرطين!
مضادات السموم الفطرية، وتحديث الضوابط المحلية
كل ما ذكرناه هو أحد جوانب الفوضى غير الخلاقة في مجال إضافات الأعلاف، أما الجانب الآخر، والذي لا يقل خطورة عن الأول، فهو فوضى “أغراض الاستخدام”! والأمثلة بالعشرات! ستجد عشرات المنتجات المسجلة في المركز الإقليمي بغرض استخدامها كمضادات للتكتل، وواقع الحال أنها تستخدم كمضادات للسموم الفطرية في الأعلاف. وستجد عشرات المنتجات المسجلة كضوابط حامضية، وواقع الحال أنها تستخدم كمضادات للسموم الفطرية في مياه الشرب! والسبب في الحالتين هو رفض وزارة الزراعة حتى الآن تسجيل منتجات تحت بند “مضادات السموم الفطرية”. لكن الإنصاف يقتضي أن نقول أن هذا الرفض من جانب وزارة الزراعة كان يشبه الوضع عالميا حتى عام 2009م. لكن الوضع تغير عالميا، ولم يتم تحديث القواعد المنظمة محليا!
في مارس 2009، أقرت اللجنة الأوروبية الدائمة لسلاسل الغذاء وصحة الحيوان (SCFCAH) بندا جديدا لتسجيل إضافات الأعلاف هو مضادات السموم الفطرية، وبناء عليه، وضعت المفوضية الأوروبية (EFSA) العديد من الضوابط للتسجيل، وفي مايو 2011م، أقرت ولاية تكساس بالولايات المتحدة نظاما مشابها لتسجيل مضادات الأفلاتوكسين. لكن لأن شروط التسجيل في الحالتين كانت صارمة، فقد استمر معظم منتجي إضافات الأعلاف في تمويه استخدام منتجاتهم كمضادات تكتل وضوابط حمضية .. الخ[3] .
والسؤال هنا: ألا يجدر بنا أن نتبع هذا المنهج الأكثر انضباطا والذي اتبعته المفوضية الأوروبية وإدارة تكساس؟
نعلم مسبقا أن إثارة مثل هذا الحديث سوف تثير سخطا شديدا في نفوس الكثيرين. سيما وهناك مئات الشركات المستفيدة حاليا في السوق المصرية من تلك الفوضى غير الخلاقة. لكن الصالح العام للثروة الحيوانية والداجنة، ومن ثم صحة الإنسان والاقتصاد الوطني، ينبغي أن يبقى مقصد الكلمة ومناط الرأي، شاء من شاء وأبى من أبى!
[1] قرابة 20% من هذه القيمة إضافات دوائية و80% إضافات غير دوائية
[2] https://www.globenewswire.com/news-release/2019/05/21/1832709/0/en/Global-Feed-Additives-Markets-2018-2019-2024-The-Top-10-Companies-Account-for-More-than-50-of-the-Market.html
[3] https://www.feedstuffs.com/story-regulation-of-antimycotoxin-feed-additives-55-102427