د مصطفي رأفت يكتب: استخدام البيولوجية الاصطناعية في اللقاحات المعتمدة على جسيم شبيه الفيروس

كيميائي ثالث – وحدة بحوث الجينوم- معهد بحوث الصحة الحيوانية – مركز البحوث الزراعية – مصر
تعتبر الإجراءات الوقائية- مثل اللقاحات الفيروسية – أكثر أهمية من العلاج، حيث تساعد اللقاحات الفيروسية في القضاء على الأمراض المستوطنة ومنع تفشي الأمراض المحتملة مستقبلياً. كما يمكن من خلال تطعيم الماشية، حماية الأمة من خسائر اقتصادية كبيرة وكذلك تجنب انتقال المرض إلى الإنسان خاصة في مسببات المرض ذات المنشأ الحيواني.
تمكنت التقنيات الحالية لإنتاج اللقاح الفيروسي من تقديم مساعدة كبيرة في احتواء العدوى الفيروسية للكثير من الأمراض وساعدت العديد من البلدان للوصول لحالة خالية من العدوى من خلال برنامج مناسب طويل الأجل.
ومع ذلك، فإن إنتاج اللقاحات لا يزال يمثل تحديا، حيث انه لا يمكن مكافحة الفيروسات التي تظهر تنوعًا كبيرًا من المستضدات ومعدلات طفرة عالية باستخدام طرق إنتاج اللقاحات التقليدية، كما ان عملية تصنيع هذه اللقاحات تحيطها كثير من الصعوبات، والتي تفرض الكثير من القيود على عملية الإنتاج.
جسيمات شبيهة بالفيروسات Virus-Like Particles (VLPs)، هي عبارة عن هياكل فيروسية يتم انتاجها من المادة الوراثية للفيروس داخل عوائل بكتيرية وخلايا حيوانية. تُظهر تلك الجسيمات سمات مناعية للحماية من الفيروسات المحلية ولكنها غير معدية وتم تطوير العديد من اللقاحات المعتمدة على جسيمات شبيهة بالفيروسات التي تتطابق في تكوينها مع الفيروس المستهدف. وبشكل موسع،
تؤكد مجموعة كبيرة من الدراسات الآن أنه يمكن تصميم جسيمات شبيهة بالفيروسات لتحتوي على مستضدات مختلفة من مجموعة متنوعة من مسببات الأمراض.
يعطي هذا التنوع في التصميم فرصا لتكنولوجية اللقاحات المعتمدة على جسيم شبيه الفيروس لتحديث إمدادات اللقاحات والاستجابة السريعة لمختلف الأمراض من خلال تكنولوجية الهندسة الحيوية. كما تتعزز هذه الفرص بشكل كبير من خلال تطبيق البيولوجيا الاصطناعية في إعادة تصميم وبناء كيانات بيولوجية جديدة لم تتواجد في الطبيعة حتى يمكن استعمالها كلقاحات.
تمتلك الجسيمات الشبيهة بالفيروسات، سمات مرغوب فيها بيولوجيًا والتي تنسب إلى التركيب الفيروسي للجسيمات. اهم ما يمكن اعتبره من هذه السمات، إمكانية التعرف عليها بكفاءة داخل جسم المضيف وسهولة امتصاصها خلويا، ومعالجتها بواسطة أجهزة المناعة الخاصة بالمضيف.
من خواص هذه الجسيمات أيضا, انها قابلة لمجموعة واسعة من التعديلات بما في ذلك التغليف الحيوي، والاقتران الكيميائي ، والتلاعب الجيني. كما يمكن لتقنية تصنيع الجسيمات الشبيهة بالفيروسات التغلب على العديد من العيوب المرتبطة بالطرق التقليدية لإنتاج اللقاحات؛ على وجه التحديد، الطبيعة المعدية المرتبطة باللقاحات الحية والمعطلة، بالإضافة الي وقت المطلوب لإنتاج اللقاح.
يمكن أن تستغرق أي من اللقاحات الجديدة ما يصل إلى عقدين -من البحث والتطوير إلى الترخيص- لتؤتي ثمارها وتقدر التكلفة من 500 مليون دولار إلى أكثر من مليار دولار. في حين ان تكنولوجيا اللقاحات المعتمدة على جسيم شبيه الفيروس كانت تحت التطوير منذ أكثر من 30 عامًا، إلا انه يوجد اليوم ما يقرب من ست لقاحات معتمدة على جسيم شبيه الفيروس مرخصة تجاريًا وأكثر من 110 تجارب سريرية للقاحات معتمد على جسيم شبيه الفيروس (مكتملة وسارية) موثقة على موقع www.clinicaltrials.gov.
تحٌدث البيولوجيا الاصطناعية -وهي إعادة تصميم وبناء كائنات حية اصطناعية جديدة، أو مسارات أو عمليات حيوية- ثورة في إنتاج اللقاحات، حيث تسمح البيولوجيا الاصطناعية بتحكم أكثر دقة في تكوين وتجميع القفيصة الفيروسية يمكن التنبؤ به وتحسينه.
وهذا بدوره يوسع نطاق للمستضدات المختلفة التي يمكن دمجها في جسيم شبيه الفيروس. بالتالي، يمكن تصميم اللقاحات من أجل وسائل وقائية أو علاجية لمطابقة سلالات فيروسية محددة أو لتوليد لقاحات لسلالات فيروسية مختلفة من نفس الفصيلة الفيروسية أو من فصائل مختلفة. علاوة على ذلك، تفتح طرق المعالجة الحيوية الجديدة، بما في ذلك التجميع المختبري وتصنيع البروتين دون الحاجة الى خلايا، الطريق لإعادة تخيل عمليات إنتاج اللقاحات.
أصبحت البيولوجيا الاصطناعية عنصرًا رئيسيًا في هندسة اللقاحات المعتمدة على جسيم شبيه الفيروس , حيث ان التركيز لم يصبح فقط مختص باستخدام جسيم شبيه الفيروس كلقاحات غير معدلة ضد نفس النوع ولكن أيضًا كسقالات لعرض المستضدات المختلفة لفيروسات مختلفة على نفس الجسيم .كما يمكن للمرء الآن باستخدام البيولوجية الاصطناعية بالإضافة للعديد من الأدوات مثل تقنيات الجينوم ، والبيولوجيا الهيكلية ، وعلم المناعة ، وعلم المعلوماتية الحيوية ، والبيولوجيا الحاسوبية أن يبحث عن مستضدات محددة ممرضة ذات إمكانات مناعية عالية وتطبيق تلك المعلومات لتصميم لقاحات حديثة معتمدة على جسيم شبيه الفيروس.
يشهد مجال تصنيع اللقاحات ثورة تكنولوجية مميزة، حيث أنها تمكنا من نقل تطوير اللقاحات إلى ما وراء قواعد باستور (النهج التجريبي) من خلال استخدام تخصصات غنية بالمعلومات مثل بيولوجيا النظم، علم المناعة، البيولوجيا الحاسوبية للمساعدة في تصميم اللقاحات (النهج الحديث).
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت التكنولوجيات الجديدة قادرة على فك شفرة بيولوجية العوامل الممرضة وأليات الاستجابة للقاح وتخزين البيانات المستخرجة ومعالجتها في قواعد بيانات بيولوجية مرجعية. حيث يمكن بعد ذلك لخوارزميات التعلم الآلي استخدام هذه المعلومات للتنبؤ بالإبيتوب والتصميم المعياري للجسيم. ستساعد هذه المعلومات- في وجود أليات البيولوجيا الاصطناعية- في وضع الأساس للـهندسة الحيوية لجسيم شبيه الفيروس وتطوير منصات عامة لتخليق جسيم شبيه الفيروس. لديها القدرة على تصنيع اللقاحات ضد أي فيروس أو مسبب مرضي من مصادر أخرى.