الأخبارالمياهحوارات و مقالاتمصر

د خالد وصيف يكتب: عرفت هؤلاء…«المهندس عصام راضى»

>>هو نموذج مثالى لمهندس الرى التقليدى كما تعرفه الادبيات

خبير موارد مائية -مصر

لم أجد افضل من لقب المهندس ليسبق اسم الوزير عصام راضى عبد الحميد راضى او كما نعرفه جميعا عصام راضى. الذى تولى وزارة الرى لمدة تسع سنوات (1984-1993). هو نموذج مثالى لمهندس الرى التقليدى كما تعرفه الادبيات.

تخرج من هندسة القاهرة عام 1951 ثم تدرج بوظائف الوزارة فى مواقع مختلفة بالدلتا والصعيد ثم اصبح مديرا عاما لقناطر الدلتا ثم وكيلا للوزارة ثم اصبح محافظا لدمياط لمدة اربع سنوات قبل ان يقع الاختيار عليه لشغل كرسى الوزارة.

تصاعد طبيعى لمهندس مجتهد تراكمت لديه خبرات عملية عميقة اكسبها العمل لمدة ثلاث سنوات بالسودان (1957-1960) خبرة مهمة فى اعمال حوض النيل.
التقيت المهندس عصام راضى لاول مرة فى حفل تكريم هندسة القاهرة لخريجيها وكان ذلك فى عام 2001. كان التقليد يجمع بين الدفعة الحديثة والدفعة التى تسبقها بخمسين عاما.

وهكذا وجدت نفسى اقف على مقربة منه ونحن نرتدى نفس رداء التخرج. هو من رواد الهندسة وانا لحصولى على الدكتوراة من الكلية فى نفس العام.

كان يقف بجواره المهندس ماهر اباظة زميل نفس دفعة 1951 قسم كهرباء وذهبت لاصافحه واعرفه بنفسى كتلميذ من تلاميذه..

بعدها بسنوات اصبحت التقى المهندس عصام راضى مرة كل شهر. حيث قامت الوزارة بتكليفه رئيسا للجنة الدولية للسدود. وكانت اللجنة تعقد اجتماعاتها فى القاعة المجاورة لمكتبى. واعضاء اللجنة كان اغلبهم من قيادات الوزارة السابقين. وفى كل موعد اجتماع كان المهندس عصام راضى هو الاسبق بالحضور.

يدخل القاعة ويجلس منفردا حتى يبدأ باقى الاعضاء فى الحضور وينعقد الاجتماع. وما بين حضوره وما بين بدء حضور باقى الاعضاء كانت تتاح لى فرصة عظيمة لتجاذب اطراف الحديث معه والاستفادة من خبراته العميقة واكشفت جانبا مختلفا عن الصورة الذهنية التى كنا نرسمها له فى الوزارة كرجل مهيب جاد حاسم فى قراراته ولا يعرف الابتسام طريقا لوجهه. كان هادئا وقورا معتزا بنفسه ولا يبخل بالنصيحة لمن يطلبها منه. وظل مواظبا على حضور تلك الاجتماعات الشهرية حتى وفاته فى عام 2009.
يمكن ان نؤرخ بدرجة عالية من الثقة لفترة المهندس عصام راضى بانها فترة مفصلية ما بين حقبتين. نهاية حقبة الراحة المائية فى مصر وبداية عصر الشح المائى الذى بدت بوادره بفيضان منخفض استمر سبع سنوات متواصلة حتى قاربت توربينات محطة السد العالى على التوقف.

ثم جاء الفرج بفيضان مرتفع وقع مرتين فى عام 1990 فى حدث نادر لم يتكرر مرة اخرى حتى الان. وهى راحة عززها عدد سكان معقول من السكان يمكن الوفاء بمتطلباته من شرب وزراعة. ثم عززها استقرار الاوضاع فى اعالى النيل. فلم تقم اى دول الحوض باقامة مشروعات بارادة منفردة تؤثر على حصتنا من المياه. وهى نهاية العصر الذهبى لمهندس الرى الذى توافرت له عندئذ موارد وامكانيات كانت تسمح له باداء عمله بشكل مرض، بدون ضغوط سياسية او اجتماعية تقع عليه.
وهى نهاية مرحلة الاعتماد على الخبرات العملية وحدها وبزوغ الاحتياج الى الدراسات والبحوث بعد ان اصبحت تلك الدراسات من اشتراطات التمويل الاجنبى لمشروعات المياه فى مصر.

بدت الحاجة الى خبرات بحثية لتقود المرحلة الجديدة، التى تأخذ فى اعتبارها ادارة الطلب على المياه والاهتمام بجودتها، خصوصا بعد ان تصاعدت احتجاجات المهتمين بالبيئة والصحة العامة على اساليب التخلص من الحشائش فى المصارف، والذى كان يعتمد على التطهير الميكانيكى واستخدام المبيدات.
استدعت المرحلة الجديدة ان يترك المهندس عصام راضى موقعه كوزير للرى لكنه ظل يمارس دوره عضوا بمجلس الشعب عن دائرة الجمالية مسقط رأسه والتى ظل يمثلها تحت قبة البرلمان حتى عام 1995.

فى عام 1993 جرى استفتاء على منصب رئيس الجمهورية. وبعد اعلان نتيجة الاستفتاء ونجاح الرئيس حسنى مبارك كان مفروضا ان تقدم الحكومة استقالتها طبقا للدستور وقتها. فى نفس التوقيت كان هناك مهندس شاب بوزارة الرى يبحث عن عقد عمل فى الخليج لتحسين ظروفه المادية واتمام زواجه. نجح المهندس فى الحصول على عقد بعد عناء طويل وتقدم بطلب اجازة.

رفض رئيسه الموافقة على منحه الاجازة بل ورفض استقالته التى تقدم هو له بها. كتب المهندس الشاب شكوى وارسلها لمكتب المهندس عصام راضى.

مر اسبوعان ولم يتبق على صلاحية التأشيرة سوى اسبوع واحد وفجأة تلقى المهندس اتصالا من مكتب الوزير لتحديد موعد للقاءه. ذهب المهندس الشاب وحكى قصته وظروفه القاسية التى تعاطف معها المهندس عصام راضى. ووقع الوزير بالموافقة على الطلب.
نظر عصام راضى فى الساعة التى اقتربت من الواحدة ظهرا وقال للمهندس وهو يسلمه الطلب الممهور منه: يجب ان تذهب سريعا لادارتك لتنهى قرار الموافقة لان الوزارة ستتقدم باستقالتها مساء اليوم وهذا آخر يوم لى بالوزارة، ويفضل ان تستفيد من التأشيرة.

اومأ المهندس بالموافقة على كلام الوزير واردف: سأذهب حالا. قال الوزير امامك ساعة واحدة فقط كيف ستذهب الى هناك؟. قال المهندس ساستقل اتوبيس. رد عصام راضى المواصلات العامة لن تسعفك للوصول فى الميعاد. ثم اخرج الوزير محفظته من جيب بنطاله الخلفى واخذ منها ورقة نقدية قيمتها خمسة جنيهات، وقال للمهندس الشاب: اذهب بسرعة واستقل تاكسى علشان تلحق موعدك. سابق المهندس الريح قفزا على سلالم الوزارة من مكتب الوزير حتى الطابق الارضى واستقل تاكسيا وانهى اوراقه وسافر وامضى فى الخليج خمس سنوات عاد بعدها ليستقر ويبنى بيتا فى بلدته ويتمم اجراءات زواجه..
رحم الله شيخ مهندسى الرى عصام راضى

 

زر الذهاب إلى الأعلى