د خالد وصيف يكتب:عرفت هؤلاء الناظر محمود ابوزيد
خبير موارد مائية – مصر
يمتلك ملامح وجه محايدة يستحيل قراءتها او معرفة ما تختلج به. صوته خفيض يحتاج انتباها من المستمع وافكاره يعبر عنها فى كلمات قليلة مركزة. ابتسامته وقورة وعنده سرعة بديهة واضحة. ويتمتع بانضباط انفعالى يحسد عليه. ثم هو ناظر مدرسة الرى المصرية فى شكلها الحديث الذى اخذته من بداية التسعينيات. حيث ازداد الاعتماد على الجوانب البحثية والدراسات لتدعيم الانشطة التطبيقية للوزارة.
يستحق اللقب بحيثيات متعددة. فهو الاكثر مكوثا على كرسى الوزارة خلال الستين عاما الاخيرة. وهو الثانى فى الترتيب منذ انشاء الحكومة المصرية الحديثة فى 1864 لا يسبقه سوى المهندس احمد محرم الذى ظل خمسة عشر عاما وزيرا للاشغال العامة.
الدكتور محمود ابوزيد من مواليد عام 1935 وحصل على بكالوريوس هندسة القاهرة فى عام 1957 ثم سافر للولايات المتحدة لدراسة الماجستير والدكتوراة وعاد عام 1963 ليلتحق للعمل بوزارة الرى. ويتدرج فى مواقعها المختلفة حتى اصبح وزيرا لها عام 1997. هو ابن عصر الخمسينيات والستينيات الذى كان يسعى للاستفادة من النخبة التقنية المتميزة التى تفضل العمل من منظور وطنى بدون انتماءات حزبية حتى ولو اضطرتها الظروف للانخراط فى التنظيم السياسى المدعوم من الدولة. مثل الدكتور كمال الجنزورى ومصطفى خليل والجريتلى وغيرهم.
والانتماء الوطنى الجامع لتلك المجموعة المتميزة علميا هو الذى جعلها مصدرا للثقة باختلاف التوجهات السياسية والاقتصادية من الستينيات للسبعينيات وما بعدها.
السيرة الذاتية لابو زيد متخمة بالانجازات لكنه يفخر دائما بتأسيسه المركز القومى لبحوث المياه بمعاهده الاثنى عشر ووحداته الاستراتيجية. فقد استقطب فيه خيرة شباب المهندسين الذين تم ارسالهم فى بعثات متتالية الى الولايات المتحدة لدراسة الماجستير والدكتوراة. واصبح المركز بمثابة مفرخ متميز لعلماء وباحثين وقيادات للوزارة واتى منهم ثلاثة شغلوا منصب الوزير وسيتم الحديث عنهم لاحقا.
هو عاشق لرياضة كرة القدم وظل ممارسا لها حتى بعد ان تجاوز الخامسة والخمسين. فكان اثناء زياراته للولايات المتحدة يشارك تلاميذه من الباحثين لعب الكرة كقلب دفاع فى المباريات التى كانوا يقيمونها فى ساحة جامعة كولورادو.
الدكتور ابوزيد يتمتع بذاكرة رقمية. فقد اعتدت وانا اعمل مهندسا للرى بالشرقية على كتابة مقالات بمجلة الماء والنماء التى كانت تصدرها الوزارة شهريا.
وحدث ان كتبت مقالا عن رغبتى فى ان يتحلى مهندس الرى بروح حسام حسن فى الملاعب، الذى كان مشهورا وقتها بالمجهود الوافر والاخلاص للقميص الذى يلعب له. اثار المقال اعجاب ابوزيد وعلق بذهنه اسم كاتب المقال، بعد حوالى عام تلقيت تليفونا ووجدت مدير مكتب الوزير يطلب منى الحضور فى اليوم التالى للقاء السيد الوزير.
ذهبت فى الصباح الباكر بعد ان سألت عن عنوان الوزارة التى لم ادخلها من قبل. التقيته وجها لوجه لاول مرة بعد ان كانت معرفتى به من خلال وسائل الاعلام. ذكرنى بالمقال القديم وناقش معى افكارا عن رفع الوعى بالمياه فى مصر. وسأل عن رغبتى فى العمل رئيسا للاعلام المائى بالوزارة.
اخذتنى الدهشة ان يظل متذكرا اسمى من مقال قديم ووافقت وانتقلت من الزقازيق للقاهرة فى رحلة اخرى ساقصها لاحقا.
بحساب الارقام فان الدكتور محمود ابوزيد شغل منصب الوزير ثلاثة عشر سنة، مدة طويلة باى مقياس لكنها كانت السياسة القائمة فى تلك الفترة التى شهدت وزراء آخرين امضوا خمسة وعشرين سنة على مقاعدهم. لكننى لا اظن ان ابوزيد كان سعيدا او مرتاحا لطول المكوث على كرسى الوزارة. خصوصا بعد التغييرات السياسية التى جرت فى 2005 وتولى لجنة السياسات بفكرها الجديد وضع تصورات خاصة لادارة الموارد المصرية ومنها المياه.
وقعت اختلافات فى وجهات النظر لم تتكشف كل جوانبها حتى كان احد ايام شهر مارس فى عام
عام 2009، دق جرس التليفون فى مكتب الوزير. محادثة مقتضبة قام على اثرها الدكتور ابوزيد باستدعاء طاقم مكتبه. طلب منهم جمع متعلقاته واوراقه الخاصة وانصرف فى هدوء دون ان يخبر احدا سوى طاقم السكرتارية.
فى صبيحة اليوم التالى نقلت شاشات التليفزيون وقائع حلف اليمين لوزيرين جديدين كانت الرى احداهما. وكانت مفاجأة كبيرة للعاملين بالوزارة الذين اعتادوا العمل بالقرب منه لسنوات طويلة.
ظل خروج ابوزيد المفاجئ من منصبه الوزارى لغزا اختلفت الاراء فى معرفة اسبابه. لكن اجتمعت اراء المراقبين لملف المياه الداخلى والخارجى انه كان توقيتا غير مناسب على الاطلاق. فقد كانت تجرى اجراءات وضع اتفاقية جديدة لدول حوض النيل.وقد تولى ابوزيد ادارة المفاوضات طوال سنوات.
وكان من الاجدى اتاحة الفرصة كاملة له لنهو ما بدأه من جولات تفاوض. لكنها السياسة التى لها احكامها، وسوء اختيار التوقيت المناسب للقرار الذى كثيرا ما عاندنا وندفع ثمنا فادحا له لاحقا..
لم يتوقف عطاء الدكتور ابوزيد بعد تركه منصبه الوزارى. فهو يمتلك خبرة عميقة ويحظى بتقدير خاص من المؤسسات الدولية . وهو الذى اتاح المجال لمدرسة الرى المصرية ليكون لها بعد دولى من خلال تأسيس وقيادة المجلس العالمى للمياه لسنوات طويلة.
ثم اتجه بعد ان انتهت مدة رئاسته للمجلس العالمى للمياه الى انشاء مجلس عربى للمياه الذى يقدم رؤى متميزة لادارة المياه على مستوى الوطن العربى.
ومنذ عدة شهور قام القس جيسي جاكسون النائب بالكونجرس بقيادة حملة للدفاع عن الموقف الاثيوبى من سد النهضة في المحافل الدولية، واستند جاكسون الى ادعاءات عنصرية لتأييد موقفه غير المفهوم. ولان جاكسون شخصية عامة وكان مرشحا سابقا للرئاسة الامريكية، فقد كان من الواجب ان تقوم بالردعليه شخصية ذات ثقل واحترام دوليين.
وهنا قام الدكتور ابوزيد بتحرير مذكرة مفصلة تشرح موقف سد النهضة بكل ابعاده وتؤكد ان مصر لم تسع لإلزام إثيوبيا باتفاقيات لم توقع عليها كما كان يدعى جاكسون، ووضح ان ما يسمى بالاتفاقيات الاستعمارية غير صحيحة وغير متسقة مع القانون الدولي.
ومازال عطاء الدكتور محمود ابوزيد مستمرا ومازال حريصا على التوجه لمكتبه بالمجلس العربى للمياه يقرأ ويدرس ويقدم النصيحة والاستشارة سواء فى الداخل او الخارج
كل التحية لناظر مدرسة الرى المصرية