د. حسام الإمام يكتب : أحلام زينب (2)

 

أكرمنى الله تعالى بالعمرة إلى بيته الحرام منذ حوالى عشرة أعوام ، ولعلمه سبحانه وتعالى بمدى شوقى واحتياجى الشديد إليها فى تلك الفترة جاءت فى شهر رمضان الكريم ، لأمضى شهراً كاملاً فى رحاب الله ويرتوى القلب حتى منتهاه .

ذهبت برفقة أخو زوجتى ومجموعة من الأحباب وكنت قد انتويت بعد انتهاء عمرتى أن أؤدى مناسك العمرة مرة لأمى ومرة أخرى لحماتى رحمة الله عليهما .

للزيارة الأولى وقع على النفس لا تدركه الكلمات مهما ارتقت واتخذت من السبل والأسباب . الجلوس أمام الكعبة المشرفة وزيارة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام للمرة الأولى ، شفرة ربانية تعبر بها النفس كل الحواجز لتسمو بعيداً عن أضغاث الحياة وهمومها ، لدرجة أن نفسى كانت تدفعنى دفعاً للشكوى إلى الله والدعاء على أناس قد تسببوا لى بظلم وضرر كبير ، وعندما هممت بذلك وجدتنى أبكى بكاءاً شديداً – لم أجربه من قبل – وأنا أسعى بين الصفا والمروة ولا أقول إلا : يارب أنا مسامحهم.

وبالطبع قبل السفر كانت التوصيات من كل الأقارب والأحباب والزملاء بالدعاء ، وقد حرصت على أداء تلك الأمانة قدر استطاعتى .

وأتذكر فى أحد الأيام بعد انتهاء صلاة التراويح وأثناء جلوسى أمام الكعبة المشرفة وتأملى لها ، أن مرت أمامى صورة جداتى وعماتى وكلهن قد توفاهن الله ، وابن خالى رحمة الله عليه وكان صديقاً حميماً ورفيق درب . وتمنيت لو أؤدى العمرة وأهبها لكل واحد منهم ، ولأنه أمر فوق استطاعتى قررت على الفور البدء بالطواف حول الكعبة المشرفة مخصصاً مرة كاملة بالدعاء لكل واحد ممن ذكرت ، حتى ارتضيت وانصرفت .

وفى أحد الأيام ، وكان ذلك بعد انتهاء شهر رمضان وأثناء عيد الفطر ، يعنى كان متبقى أيام قليلة ونعود إلى الوطن .

وجدت زوجتى تطلبنى – على غير عادتها – فى الصباح الباكر ، أجبت بقلق:

صباح الخير ، إنتم كويسين ؟

قالت: الحمد لله وسألتنى: إنت عملت العمرة لماما ؟ انتبهت لنفسى وقلت لها بصوت عالى ملحوظ أيقظ من معى بالحجرة ومنهم أخاها : ماما ؟

قالت : فيه إيه ؟ قلت لها : سبحان الله أنا هنا من شهر ولم أتذكر أبوكى ولا أمك على الإطلاق ولا حتى بمجرد دعوة واحدة ، ولا أدرى كيف ! لقد دعوت لكل من أعرفهم أحياء وأموات ، أما هما رحمة الله عليهما فقد مُسِحُوا من ذاكرتى تماماً. وسألتها : انتى بتكلمينى كل يوم ، ليه النهارده سألتينى عن هذا الأمر ؟ قالت : زينب شافت رؤيا ، وقبل أن تكمل انتفضت من مكانى قائلاً : زينب ؟ شافت إيه ؟ قالت : بتقول إن ماما زارتها فى الرؤيا وقالت لها أن تبلغك بأن تدعو لها … علما بأن زينب كانت قد انتقلت للإقامة فى القاهرة منذ فترة ولا تعلم أننى فى العمرة الآن .

انتهت المكالمة وقلت لزوجتى أننى سوف أذهب إلى الحرم وأدعو لأبيها وأمها .

سألنى أخوها ماذا حدث ، أخبرته فقال لى أنا عملت عمرة لأمى بالفعل ، وعموما سوف أعمل لها عمرة أخرى . وأنا أستمع دون رد .

وفى المساء كنت فى الحرم أصلى صلاة المغرب وقد قررت أن أطوف حول الكعبة وأدعو لحمايا وحماتى رحمة الله عليهما فلهما فى قلبى مكانة يعلمها الله وحده ، وكان لى عندهما أفضل منها . وأثناء الصلاة وقعت عينى على الكعبة وقلت لنفسى لماذا لا تكمل الطواف بالسعى وتهبها لها عمرة . وبالفعل ما أن انتهيت من الصلاة إلا وذهبت إلى الفندق وارتديت ملابس الإحرام وتوجهت إلى مسجد التنعيم فأحرمت ثم عدت إلى المسجد الحرام فأتممت العمرة بحمد الله ووهبتها إلى حماتى رحمها الله ، لم أكتفى بالدعاء لها – كما طلبت من زينب فى رؤياها – لأكون كريماً معها كما كانت كريمة معى دوماً . وأثناء العمرة خصصت الدعاء لها ولزوجها ، الذى أدركت منذ التقيته أول مرة أنه أمين على من يدخل بيته وسوف يعاملنى كأحد أبنائه ، وقد كان .. رحمة الله عليهما .

وطلبت زوجتى وبشرتها أننى قد أديت العمرة ووهبتها لوالدتها .

الطريف فى الأمر ، أننى فى اليوم التالى قد استيقظت على تليفون من زوجتى ، واستيقظ أخوها قلقاً .

لم يكن هناك شئ ، كانت مكالمة للاطمئنان فقط ، لكننى كعادتى لم تكن تلك الفرصة لتفوت من بين يدي دون أن أجهز “مقلباً” لأخو زوجتى . فتحدثت معها بصوت منخفض وأنهيت المكالمة والتفتت إليه لأجده – كما توقعت – ينظر قلقاً ويسألنى : فيه حاجة ؟ قلت له بمنتهى الجدية: زينب شافت رؤيا تانية . سألنى: شافت إيه ؟ قلت له: والدتك – حماتى يعنى – زارتها فى المنام وقالت لها أشكرى حسام وقولى له كتر خيرك الأمانة وصلت . فانتفض من مكانه وقال : إيه ؟ إزاى ؟ طيب ما أنا عملتلها عمرة أول ما وصلت ، خلاص يبقى أعمل لها عمرة تانى .. لأ إنت أكيد بتهزر … لم أتمالك نفسى من الضحك وقلت له : يابنى الناس مقامات .