الأخبارالمياهحوارات و مقالات

د خالد وصيف يكتب: المحامى “نصرالدين علام”

وزير الري الاسبق كان محامي الدولة المصرية عن حقَوقها المائية وسد النهضة قضيته الاولي

حينما تتأمل ملامح وجه الدكتور محمد نصر الدين، وهو اسمه المركب بالمناسبة، تشعر بانك رأيتها من قبل. فى المواصلات. فى مكان العمل. فى الشارع.

وجه مصرى بكل ملامحه وروحه وضحكته المميزة. اسلوبه مباشر يرسل المعنى الذى يريده فى اقصر عدد من الكلمات.

قد يجد البعض فى لغته خشونة ويجد البعض الاخر فيها وضوحا وصراحة. هو يشبه ثمرة المشمش التى عاش قريبا من اشجارها بمدينة العمار. سطح ناعم الملمس من الخارج ونواة شديدة الصلابة من الداخل..
الدكتور نصرالدين علام هو خلطة فريدة فى تنوع مكوناتها. جذور صعيدية من جهينة بمحافظة سوهاج، القبيلة العربية شديدة المراس والبأس، التى هاجرت من ارض الحجاز سعيا للرزق الوفير فى مصر ومدفوعة ايضا برسالة نشر الاسلام. وهو ايضا ابن قرية العمار بمحافظة القليوبية المشهورة بزراعة وتجارة المشمش التى انتقل اليها والده من الصعيد للاقامة والعمل بها. ثم هو خريج معهد ماساشوستس التكنولوجى الامريكى ذو السمعة المتميزة فى مجال الهندسة. هو مزيج من روح القاهرة العصرية المحبة للحياة وبين روح جهينة الممثلة لصرامة الصعيد. وعقل ماساتشوستس الهندسى القائم على المنطق العلمى.
وزير الري الاسبق هو مثال على الطموح والاجتهاد. اتاح له تفوقه ان يعمل معيدا بهندسة القاهرة بعد تخرجه منها عام 1975. ثم حصل على درجتى الماجستير والدكتوراة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

تدرج فى السلك الجامعى استاذا ثم رئيسا لقسم الرى وأعير للعمل فى السعودية وسلطنة عمان لعدة سنوات قبل ان يستقر فى القاهرة رئيسا لقسم الرى ويدير مكتبا للاستشارات الهندسية له سمعة طيبة.
لو لم يدرس الدكتور علام الهندسة لكانت الحقوق هى الكلية الاقرب لميوله. فهو متحدث لبق وكاتب بارع يعرف كيف يصوغ افكاره فى قالب منطقى مقنع. هو بصوته الجهورى وطريقة القاءه الكلمات محامى بالسليقة.
تولى الدكتور علام وزارة الرى فى ظروف غريبة وتركها فى ظروف اغرب. اسمه كان يتردد كمرشح لمنصب الوزارة حيث كان رئيسا لقسم الرى بهندسة القاهرة ولديه مكتب يقدم استشارات هندسية وله سمعة طيبة لكن توقيت التغيير كان هو المدهش. حيث لم يتم خلال تغيير وزارى واسع. بل تعديل صغير طال وزارتين فقط وبدا وكأن وزارة الرى هى المقصودة بالتغيير. كما كان توقيت رحيله عن الوزارة مدهشا. حيث اتى بسبب اندلاع ثورة 25 يناير وقيام المجلس العسكرى باجراء تغيير وزارى يلائم المرحلة الجديدة. مدة وزارته قصيرة لا تتجاوز سنتين وبضعة اشهر. وبالتالى لم تمهله ثورة يناير وقتا كافيا لتنفيذ كل افكاره.

لكنه انجز استراتيجية حديثة لادارة الموارد المائية حتى عام 2050 بمساعدة نخبة متميزة من اساتذة هندسة القاهرة. تضمنت سيناريوهات للتعامل مع الوضع المائى فى حالة ثبات الحصة او زيادتها او نقصانها.
اتى الدكتور علام برؤية مختلفة للتعامل مع مبادرة حوض النيل والاتفاقية التى كانت تحت الاعداد والمراجعة، والتى كان مخططا ان تكون اول اتفاقية تضم كل دول الحوض مجتمعة، وتضمن الاستفادة من الموارد المائية لجميع دول الحوض بلا ضرر او ضرار. لكن تلك الرؤية لم تفلح فى حلحلة اصرار تلك الدول على الانتقاص من الحقوق المائية لدولتى المنبع مصر والسودان. وظهر ان اهداف مبادرة حوض النيل قد تغيرت من الاستفادة من فوائض المياه الى اعادة اقتسام المياه الموجودة، ضاربة عرض الحائط بالاتفاقيات الموقعة والحقوق التاريخية. بل وبدا اتجاه منفرد من بعضهم بالتوقيع على مسودة الاتفاقية التى لم تضمن حقوقنا بشكل واضح وازداد الامر سوءا باتجاه برلمانات بعض الدول لاعتماد تلك الاتفاقية.
كان هذا الاخفاق فى التوافق هو اول ارهاصات تغيير كبير فى قواعد ادارة مياه الحوض القديمة والمستقرة لمائة عام على الاقل.

توج هذا الاخفاق قيام اثيوبيا بتعديل تصميمات السد الذى كان تنوى بناءه وتمت الموافقة عليه من دول الحوض، لنجد انفسنا امام سد مختلف بحجم ضخم وندخل فى دائرة مفرغة من المفاوضات الشاقة التى استمرت لمدة تسع سنوات حتى الان.
بعد خروجه من الوزارة، كرس الدكتور نصر علام جل مجهوداته للدفاع عن وجهة نظر مصر فى ملف سد النهضة. اعتبرها قضيته الشخصية وهو المحامى العام لها. وتحولت صورته الذهنية الى محام يرتدى الروب الاسود ويمسك فى يده حقيبة مكتظة بالاوراق والمستندات ويتنقل بين ساحات المحاكم. ظل يكتب المقالات فى الصحف المصرية ويشارك فى اللقاءات التليفزيونية يشرح ويوضح ويحلل ويقدم البدائل التى تحقق الهدف الاثيوبى من التنمية ولا يلحق ضررا بالموارد المائية الواردة لمصر والسودان. وأصبح علام مرجعا رئيسيا لمن يرغب فى معرفة حقائق سد النهضة على اساس علمى موضوعى بلا مبالغة او تهوين. بعد ان اصبح الملف مستباحا من غير المتخصصين.
كان علام فى مقالاته ولقاءاته صريحا واضحا كعادته وتماست لهجته مع السقف المتاح لتناول هذا الملف الحساس شديد التعقيد، فضاقت مساحة النشر امامه وتقلصت فرص ظهوره على الفضائيات. لكنه بروحه الصعيدية المقاتلة استمر فى طريقه فاصابته محنة قاسية تجاوزها سريعا بعد ان برئت ساحته. واستمر فى طريقه متمثلا روح جهينة وعقل ماساشوستس وقلب العمار.

 

زر الذهاب إلى الأعلى