د عصمت الميرغني: أنا ويوسف والي والجنزوري وقطار الحب شهادة للتاريخ
>> «والي» لم يبحث عن البطولة والشهرة فكان الصمت والصبر عنوانه
رغم مرور 21 يوماً على وفاتة الا إننا ما زلنا ننعى أنفسنا لوفاة المغفور له الدكتور يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة الاسبق والامين العام للحزب الوطني الحاكم.
لم يبحث فى يوم من الايام عن البطولة والشهرة .. وكان الصمت والصبر سمته لكل ما وجهه اليه من اتهامات وطعنات فى دينه ووطنيته ..حيث ارتفعت قيمة الصادرات بعد توليه مهام الوزارة أكثر من عشر مرات فقد بلغت قيمتها 5500 مليون جنيه ولم تكن تتجاوز 500 مليون جنيه في عام 1982 عندما تولى الدكتور والي وزارة الزراعة
واذكر ان لى معه اكثر من موقف فقد كان رجلا محبا للخير .. ففى تسعينات القرن الماضى انهمرت على مديرية التحرير أمطارا شديدة اتت على كل شىء وهدمت بيوت الاهالى المبنية بالطوب اللبن واصبح الناس بدون مأوى وشردت اعدادا غفيرة من المواطنين.
فى هذا التوقيت اقترحت ان نقوم بعمل لفتة انسانية .. وكنت فى الاجنماع الشهرى للامانة العامة للحزب الوطنى بكورنيش النيل وبحضور جميع الوزراء وعلى رأسهم الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء آنَذاك .. واقترحت ان نأخذ قطار من القاهرة حتى مديرية التحرير محمل بكل المواد الاساسية للمعيشة وايضا نحمس المواطنيين ان يتبرعوا بما لديهم ولو كانت قليلة ونسمح لهم بركوب القطار ونشعر ابناء مديرية التحرير انهم ليسوا ابناء البطة السودة علي ان يقف القطار فى كل محطة لتحميل التبرعات – واقترحت ان يطلق على هذه المبادرة – قطار فى حب مصر
وكان حاضر النقاش المهندس سليمان متولى وزير النقل والمواصلات فى ذلك التوقيت والوزير كمال الشاذلى رحمة الله عليهم ، والوزير صفوت الشريف والدكتور يوسف والى (مع الاحتفاظ بالالقاب) وكنت اتحدث عن قطار الحب بحماس شديد ،وراقت للدكتور الجنزورى هذه المبادرة وطالب ان تنفذ من خلال امانة التنظيم واعترضت انا على ذلك واقترحت ان تنفذ من خلال عمل قومى ،لكن الجنزورى طلب من “علي النجار” ، ان ياخذها ويعرضها علي سيادته صباح باكر لكنى اوضحت لسيادته ان الناس فى أمس الحاجة للمساعدة لذلك اطلب من سيادتكم وضعها موضع التنفيذ ويقوم بالتغطية الاعلامية صفوت الشريف .. و لحماسي الشديد عن مبادرة قطار في حب مصر وحديثى عنها وتحمس الوزير كمال الشاذلى وطالب ان ينفذها بصفته امين تنظيم الحزب الوطنى فاستسمحته التنفيذ باسم مصر وليس باسم حزب حتى ولوكان هو الحزب الاوحد واخذت منه المذكرة وسلمتها للدكتور الجنزورى الذى سلمها للد كتور محمد النجار لكنى اعترضت مرة ثانية وطالبت بتنفيذها بسرعة وعدم الانتظار لنعبر عن الحس الوطنى .. لكن تعاطف معى الدكتور “يوسف والي” واخرجنى بلباقة شديدة من عراك كاد ان يحدث وكنت انا في ذلك التوقيت امينة المرأة فى الحزب الوطنى.. واقترح الدكتور يوسف والى الذهاب معه واصطحبنى الى مكتبه بوزارة الزراعة وكانت الساعة الحادية عشر والنصف مساءا ليكتب خطاب يثنى فيه على المبادرة ويرفقه فى حقيبته التى ستعرض على الدكتور الجنزورى فى صباح باكر بصفته نائب رئيس الوزراء.
ولي معه ايضاً موقفاً اخر .. كان رحمه الله يحثنى علي التصدي لكل ما يمس المرأه واتصل بأمناء الاقسام في الحزب الوطني وحثهم علي ان يقوموا باختيار سيدة واحدة في لجنه العشرين المقرره وكان ذلك يقابل بالرفض من قبل السادة الرجال رؤساء الاقسام بدوائر الحزب وكانوا يرفضون ان يضيفوا ولو سيده واحده في اللجنه.
وحزنت كثيرا بصفتي امرأه ان يتم معاملة المرأه بهذه الدونيه من الساده امناء الاقسام في دوائر الحزب.
فقلت لسيادته يافندم (متضيقش نفسك انا هخليهم يتحايلوا عليك عشان تاخد رجل واحد في لجنه العشرين) … فأبتسم ابتسامه بسيطه دلت علي تعاطفه معى وكنت آن ذاك امينة المرأة في دائره النزهه واجتمعت بالساده الرجال ازواج السيدات عضوات الامانه وكان هناك استغراب واندهاش منهم.
وقلت لهم ان المرأة بدون مساندة الرجل لا تستطيع ان تنخذ عملا سياسياً بمفردها ويجب ان يقف بجانبها الرجل وشرحت لهم اسباب اجتماعي بهم .. وقلت انه حينما تتقدم المرأه لعمل سياسي في منطقه ما فإن ذلك يرفع من شأن الرجال وعندما يطلب المواطن خدمه من رجل يمكن ان تنفذها زوجته في الحي .. مثل نقل تلميذ او تلميذه الي مدرسه بجوار اقامتهم اونقل طبيبه صدر لها خطاب تكليف في بلد نائية الي مكان قريب من محل اقامتها وعلاوة علي هذا نظافه الحي وهكذا …. فاستجابوا لي وطلبوا ان اسرد لهم كل طلباتي وكانت قائمتي هي عشرون سيده من امانه المرأه وان تقفوا بجانبي وبجانب زوجاتكم لكي يدلين باصواتهن بكل ارتياح.
وفعلاً يوم الاقتراع قمنا بعمل صفيين من الازواج تمر خلالهما زوجاتهم الي صندوق الاقتراع حفاظاً علي عدم اختراقهن من قائمه الرجال الاخري واشترطت ان يكون الصندوق من الزجاج وكان ذالك بوجود الاخ العزيز والمهذب امين النزهه الاستاذ محمد الابيض.
ووفرت ايضاً لكل امرأه لا تجيد الكتابة او القراءة او نظرها ضعيف من يأخذ بيدها ويدلها عن الاسماء والقائمة الخاصة بنا.
وانتهي الاقتراع قرابه الساعه الثالثه صباحاً .. ودائره النزهه في اندهاش تام حيث نجح عشرون امرأه فى أمانه النزهه. وساد الفرح والسرور قهاوي مصر الجديده والنزهة بعد اعلان النتيجة النتيجه واتصل بي سيادته وبأدبه الجم المعهود قال لي عشان خاطري خذي خمس رجال فقط في لجنه العشرين بتاعتك ونذولاً علي رغبته اخترت ثلاثه رجال وسبعه عشر سيدة ليكونوا لجنة العشرين في الحزب الوطني دائره النزهه واطلقت عليهن الكتيبه رقم (17).
واستضافنا سيادته بحفل شاي في قاعه الاحتفالات الكبري بمقر وزاره الزراعه وكان لقاءاً مهيبًا يملاؤه الحب والوطنيه والثقه بالنفس وقلت لسيادته ان ازواج الكتيبة 17 لهم الفضل في انتصارنا بعد الله سبحانه وتعالي فقد وافقوا لزوجاتهم على السهر واصطحابهم حتى الساعة 3 صباحا بمقر امانه المرأه – 44 ابو بكر الصديق _ مصر الجديده والانتظار للساعة 4 صباحاً.
لم تكن اي سيده من الكتيبه (17) يمكن ان تقوم بهذا العمل بمفردها دون ثقه ومصاحبة ومساندة زوجها لها.
فشكراً للكتيبه (17) من السيدات وشكراً لازواج الكتيبه (17) للمساندة ،والشكر كل الشكر بعد الله للحاضر الغائب المهذب المتصوف يوسف والي ، رحم الله الفقيد وانار قبره بنور الايمان ونور الخير واسكنه في جنات الخلود لعطائه بلا مقابل لمصر.
كاتبة المقال الدكتورة المحامية عصمت الميرغنى مؤسسة ورئيسه الحزب الاجتماعي الحر ..ورئيسة اتحاد المحامين الافرواسيوي لحقوق الانسان ..وعضو بجامعه الدول العربية (بصفه مراقب)