الأخبارالاقتصادالانتاجمصر

د محمد الشرقاوي يكتب: جرس إنذار…كيف نواجه مغالطات الحاقدين؟

>>يجب التعامل مع إدارة ملف الأراضي بذكاء لتفويت الفرصة أمام الجماعات المعادية للدولة المصرية

   شاهدنا على شاشات الفضائيات، وطالعنا على صفحات الجرائد وفي وسائل التواصل الاجتماعي، ورأينا بأم أعيننا غضبة الشارع المصري الأخيرة حول قانون التصالح وإرهاصاته، وعمليات الإزالة التي تمت على العقارات المخالفة بطريقة لم تجانبها الحكمة من قبل الإدارة المحلية وموظفي المحليات، ما أثار تخوفات رجل الشارع العادي الذي بات مهددًا من أن يطاله شبح الإزالة.

لقد فهم المواطن العادي أن الدولة لن تبقي على أي عقار مخالف، وأن أي عقار سيكون مصيره الهدم والإزالة لمجرد أنه مخالف، هذا هو ما نما إلى علم رجل الشارع العادي (العامل والأجير والسباك والبناء ومبيض المحارة، والنجار والكهربائي، والفلاح، والسماك، وبائع الخضار، والبقال،…….)، تلك الفئات البسيطة التي أثارها وأثار تخوفاتها ما شاهدته على شاشات القنوات الفضائية وما طالعته على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي فئات بسيطة ليس لديها مخزون ثقافي ولا تتوافر لديها القناعات التي تجعلها ترجّح المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وليس لديها الوعي الكافي والكامل بضرورة المحافظة على الرقعة الزراعية رغم أن الأرض الزراعية بالنسبة للفلاح المصري تعني له العرض وكل الحياة.

لقد صدّقت هذه الفئات البسيطة أن شبح الإزالة قادم إليها لا محالة، هذا ما نفثته في روعهم القنوات الفضائية المعادية، بموادها الإعلامية القذرة، لذلك تكلمت هذه الفئات وعلا صوتها وسُمِع ضجيجها وبان ضجرها وظهر غضبها دون أن تُدرك حقيقة الأمر، ودون أن تعلم أن جميع العقارات التي تم إزالتها لم تكن مخالفتها أنها مباني عشوائية مبنية على أرض زراعية بدون ترخيص فقط، وإنما لكونها مبنية على أراضي مغتصبة من الدولة وليس بيد مغتصبيها أية مستندات تثبت ملكيتهم للأرض المقام عليها ذلك العقار المخالف.

لقد وجدت القنوات المضادة ضالتها في هذا الحدث واستغلته كمادة إعلامية سوداء تغذي بها أحقادها الدفينة وسحرها الأسود لتقليب الرأي العام ضد توجهات وأهداف الدولة المصرية وقيادتها الحكيمة.

لقد تناولت هذه القنوات مقاطع فيديو للكثير من حالات الإزالة التي تمت على تلك العقارات المبنية على أملاك الدولة ، والتي تداولها الكثير من المغرضين المنتمين للطابور الخامس على وسائل التواصل الاجتماعي، فوصلت هذه المقاطع إلى أغلب فئات الشعب، ومن بينها طبقة البلوريتاريا، تلك الطبقة الكادحة التي تمثل الطيف العارم من الشعب المصري، والتي ليس لديها مدخرات أو رؤوس أموال أو مشاريع قائمة، فما تملكه فقط هو ذلك البيت المتواضع المخالف المبني على أرضه الخاصة، والذي يعيش فيه هو وأسرته، إلى جانب دخله اليومي المتواضع الذي ينفقه على أولاده وربما بالكاد يكفيهم.

لقد جعلت تلك الوسائل الإعلامية العميلة المضللة والمغرضة عامل المياومة يصدّق أن مأواه ومأوى أسرته الوحيد أصبح في مهب الريح، وبات المسكين يترقب الساعة التي سيتعرض فيها منزله للإزالة ومن ثم للتشرد هو وأسرته، لذلك ما كان منه إلا أن يثير ذلك الضجيج الذي طالعناه ورأيناه بأم أعيننا.

 فمن السبب الكامن إذن وراء ما حدث ومن يتحمل مسؤوليته؟

هل القانون هو السبب ؟ أم الدولة؟ أم المواطن المخالف، أم الإعلام؟ أم الطابور الخامس؟، أم أعداء الدولة الذين يتربصون بمصر الدوائر ويترصدون لها ويتصيدون من الأحداث ما يلونونه بألوانهم الصفراء الحاقدة الحاسدة، فينفخون فيه ويضخمونه ويهوّلونه، ويوهمون المواطن العادي بكارثة تنتظره إذا هو لم يكن له ردة فعل مناهضة.

بالطبع فإن القانون ليس سببا، لأن القانون ما جاء إلا ليعالج مشكلة قائمة ويصلح خطأ، ويزيل خطراً كان يحدق بنا جميعاً، بعد أن تآكلت الأراضي الزراعية نتيجة البناء العشوائي المخالف، وبتنا في خطر يهددنا ويهدد جميع الأجيال القادمة إذا لم يتم تداركه بسرعة.

كما أن الدولة متمثلة في الحكومة الحالية ليست سببا وراء ما حدث، فالحكومة باعتبارها ممثلة السلطة التنفيذية، هي المنوط بها واجب تطبيق القانون، بخاصة في ظل وجود قيادة رشيدة حكيمة، وفي ظل إرادة سياسية صادقة، وإدارة قوية واعية تهدف إلى المحافظة على مقدراتنا الحيوية وحقوق الأجيال القادمة منها، من أجل تحقيق تنمية متواصلة ومستدامة، وتحقيقاً للمصلحة القومية العامة.

صحيح أن الحكومة الحالية هي الحكومة الوحيدة التي حملت أثقال وأوزار الحكومات السابقة وأخذت على عاتقها أن تصلح ما أفسده السابقون تطبيقاً للقانون وحماية وصيانة للمصلحة العامة ولمستقبل وطن إلا أنه كان يتعين عليها وهي تصنع القرار باعتبارها مهندسة التخطيط والعمليات والقرارات أن تحتاط لردة فعل الشارع المصطنعة، التي اصطنعها  زبانية الطابور الخامس، وبالتالي كان يتعين عليها توجيه أجهزتها الإعلامية لتهيئة الرأي العام لاستقبال حدث بمثل هذا الحجم من خلال إقناع الشارع بأهمية هذا القانون وأهمية تطبيقه، والآثار المأساوية التي يمكن أن تترتب على عدم تطبيقه أو التهاون في تطبيقه.

يجب علي الحكومة أن توضح للرأي العام قبل أن تقوم بتنفيذ القانون أنّ ما سيتم إزالته من عقارات هو في الحقيقة حالات لعقارات مبنية على أراضي مملوكة للدولة وليست مبنية على ملكية خاصة، وأن العقارات المبنية بالمخالفة للقانون على أراضي مملوكة لأصحابها سيكون لها معالجة خاصة، ثم تسمع لنبض الشارع.

كما يجب أن تفتح باباً للحوار مع النقابات للتعرف على مدى عمق المشكلة لدى رجل الشارع، بهذه الطريقة كنا سنجعل رجل الشارع يشارك بنفسه في صناعة القرار، وساعتها كان سيسد آذانه لكل ما يسمعه من شائعات يبثها زبانية جهنم، وبالتالي كنا سنتجنب ردة الفعل هذه، وإن كان ثمة ردة فعل فستكون  باردة مصدرها فئات قليلة متناهية الصغر لن تؤثر على توجيه الرأي العام.

للأسف الإعلام الوطني أخذ يبث مادة لا تتناسب ولا تتلائم مع طبيعة وحجم هذا الحدث، ولم يمارس وسائل اقناع حقيية يهدأ بها الرأي العام وتعامل مع المسألة بطريقة غير مخطط لها مسبقاً وباندفاعية غير مبررة وكأنه نسي أن هناك طابور خامس يعمل جاهداً على بث الشائعات وخلق القلاقل ؛ ففشل في امتصاص غضب الشارع ولم يستطع التوجيه الإيجابي للموقف ولا احتوائه.

من هذا المنطلق يتعين على الإعلام الوطني أن يعلم أننا لا نعيش حرباً باردة مع أعداء الوطن جماعة الإخوان المسلمين وتنظيماتها العنقودية الممتدة في كثير من دول العالم بقنواتها الفضائية المسمومة والمضللة الحاقدة –  وأنّ اللعبة لم تنته بعد وأن الصراع لا زال مستمراً، كما أن خطر الطابور الخامس لا زال قائما، ولا زال خطر أعداء الوطن المقيمين بالخارج محدقٌ بنا، وعلينا أن نتيقظ وأن لا نغض الطرف، فإن غمضت لنا عيناً فلا بد أن تكون الأخرى منتبهة، فهؤلاء هم من صبوا الزيت على النار، وهم من أرادوا أن يشعلوا نيران الفتنة بين الشعب وحكومته، لكن هيهات هيهات.

وأخيراً يتعين على الحكومة المصرية أن تعتبر هذا الحدث  جرس إنذار تعكف على تحليله والتعرف على أسبابه، وتعيد قراءتها للواقع، وتراجع بعض سياساتها الداخلية بحيث تتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية.

وبالتالي يتعين عليها أن تجري بعض التغييرات وتقوم ببعض الإجراءات التي لا مناص منها وفي مقدمتها:

  • خلق الوعي لدى المواطن العادي ورجل الشارع بأهمية القوانين وأهمية تطبيقها والعلة من تطبيقها والآثار السلبية المترتبة على عدم تطبيقها أو التهاون في تطبيقها، وتغيير خلفية وعقيدة رجل الشارع العادي عن القوانين التي يعتبرها عبء ثقيل وقيد وثيق على حرياته ورغباته، ومعوق يعوق دون وصوله وتحقيقه لأهدافه، وتربية الأجيال القادمة على حب واحترام القانون.
  • إعادة هيكلة المحليات وإجراء حركة تنقلات واسعة النطاق تشمل الرؤساء لخارج المحافظات والموظفين لخارج المراكز الإدارية، على غرار ما يحدث لأعضاء النيابة وضباط الشرطة، لكن بصورة مصغرة، وتكثيف الرقابة على أداء الموظفين، وتشديد العقوبات والجزاءات التأديبية بحيث تكون رادعة ومدوية.
  • تجديد الثقة في الإعلام الوطني من خلال تجديد الخطاب الإعلامي، وضخ دماء جديدة في كل صفوفه قادرة على إقناع الجمهور بما تقدمه، بحيث تتمتع بالمهنية والموضوعية، مع تغيير بعض الوجوه القديمة التي أصبحت وجوه محروقة ومنفرة بالنسبة للمشاهد، فلقد ساهمت تلك الوجوه بامتياز- نتيجة عدم مهنيتها وعدم قدرتها على إقناع المشاهد بما تقدم- في نفور الكثير من مشاهدي القنوات الوطنية وتحولهم إلى قنوات أخرى ظنوها أكثر حيادية ومهنية وموضوعية فوقعوا فريسة شباكها وفخاخها، فقد رأينا كيف كانت قناة الشرق وقناة مكملين وقناة الجزيرة وغيرها تستغل المواقف والأحداث، وتستقطب المشاهدين بألاعيبهم السحرية الكاذبة، وتَقلِبُ الحقائق، وتُقَلّب قلوب المواطنين ضد سياسات الدولة، وضد رئيسها، وكيف كانت تُطوِّع المواقف تدليسًا لخدمة مصالحها، وتحقيق أهدافها السوداء.
  • اختيار مواد إعلاميه تتناسب مع طبيعة كل موقف يكون فيها مجال للرأي والرأي الآخر، ويُفتح فيها نافذة للمعارضة الصحية.
  • الإفراج عن بعض معتقلي الرأي الّذين ليس لديهم أيديولوجيات دينية، أو آراء هدّامة، أو دعاوى مغرضة تهدف لزعزعة الاستقرار، باعتبارهم يمثلون الظاهرة الصحية للحياة السياسية ويمثلون أيضاً حلقة الوصل الهادئ والناعم بين الحكومة والشعب، كما يمثلون الاتجاهات المختلفة لمختلف النسيج الفكري والسياسي، ويطرحون الآراء التي ربما تستنير بها الحكومة عند صناعة القرار، مما ينتج قراراً متجانساً يحقق أهداف الإدارة العامة، ويعلي شأن المصلحة العامة، ويضمن رضا الشارع به.
  • الاستماع لمطالب النقابات العمالية وفتح قنوات للتواصل يصل من خلالها صوت الشارع لجهة الإدارة، ما يجعلهم مشاركون حقيقيون في صناعة القرار، وهذا يضمن عدم وجود ردة فعل معاكسة لأي قرار تريد الدولة أن تتخذه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى