الأخبارحوارات و مقالات

د حسام الإمام يكتب: “نصر غريب”

شعرت بسعادة غريبة وأنا استلم خطاب استدعائى للاحتياط ! واعتبرتها فرصة رائعة للقاء زملاء السلاح الذين لم أرى أحداً منهم منذ حوالى سبع سنوات عندما أنهينا خدمتنا العسكرية .

لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم أبداً .. ما زلت أتذكرهم وأراهم أمامى ، مجموعة من الشباب تركت الحياة العسكرية بصمتها واضحة على وجوههم ، بل وعلى ضحكاتهم ، أصبحوا رجالاً قادرين على تحمل المسئولية ومواجهة أزمات الحياة وهمومها

أبتسم كثيراً عندما أتذكر أننا كنا نتصور فى تلك اللحظة ، بل أقول كنا على يقين أن أصعب فترات حياتنا قد انتهت بقسوتها وغلظتها ! وأن كل واحد سوف يصل إلى بلدته فيجد المستقبل واقفاً على محطة القطار فاتحاً ذراعيه وبين يديه صناديق الهدايا يوزعها علينا دون حساب ، هذا صندوق العمل ، والآخر فيه العروسة والشقة ، وهذا الصندوق الكبير لابد وأن به السيارة التى أتمناها ….. لم نكن ندرك أن تلك الفترة ليست هى الأصعب فى حياتنا على الإطلاق ، وأنها صاحبة الفضل علينا حيث تعلمنا وتدربنا على شئ هام هو الصبر . وهى نعمة لو تعلمون عظيمة .

عندما وصلنا إلى محطة السكة الحديد فى مدينة الإسماعيلية ، كنا نملأ السماء بضحكاتنا ، ينتظر كل واحد القطار الذى سوف يحمله إلى بلدته ، وعندما تحين لحظته نودعه ونحن على يقين بعودة اللقاء ..

وفى لحظة اختفى الجميع وبقيت وحدى انتظر قطارى .. وجاء القطار وذهبت كما ذهبوا ولم أرى أحداً منهم بعدها . حتى عندما حصلت على رقم الهاتف لأحد الزملاء علمت أنه سافر إلى الخليج . ما أجمل أن يجتمع كل هؤلاء مرة أخرى .. كيف يمكن أن تكون هذه اللحظة ، كنت أجهز نفسى للبكاء دون أى حرج عندما أحتضن زملائى . فترة الخدمة العسكرية فترة شديدة الخصوصية ، تظهر فيها معادن الرجال الحقيقية .

ترى ماذا فعل الزملاء فى الحياة ؟ وماذا فعلت الحياة بهم ؟؟

… آه .. نصر غريب ، الزميل العزيز المشاكس ، كم أشتاق لرؤيته . ما زالت كلمته التى كتبها لى ترن فى أذنى : يوماً ما سوف تجمعنا الأيام بعد أن فرقتنا . فعلاً دقائق وألتقى به ، ترى كيف أصبح شكله ، وهل حقق أحلامه الكثيرة التى كان يتحدث عنها ؟

وصلت إلى المعسكر ، فوجئت أن دفعتى لا يوجد منها سوى أربعة فقط ، لم يكونوا من زملائى المقربين . بدأت ابتسامتى تهدأ شيئاً فشيئاً ثم اختفت وتحولت إلى ذهول عندما سألت أحدهم وكان يسكن فى مدينة السويس بجوار ” نصر غريب” : إيه أخبار نصر ؟؟ سكت الزميل لحظة ثم قال : البقاء لله ، لقد توفى منذ عامين . ذهلت ، صرخت فى وجهه : توفى .. مين .. نصر غريب .. كيف ؟؟؟

سافر نصر إلى السعودية بعد انتهاء خدمته العسكرية وعمل هناك لمدة أربع سنوات ، وبعد أن كون مبلغاً من المال ، رجع وشارك زميل له فى مشروع تجارى كان قد بدأ يدر عليهم ربحاً كبيراً ، ثم تقدم نصر لخطبة إحدى قريباته وكان على وشك إتمام الزواج . لكن فى أحد الأيام شعر نصر ببعض التعب وهو فى المحل ، نقلوه إلى المنزل ، لم يبقى سوى دقائق ثم توفى .

غير معقول ! نصر غريب ! الفتى المشاكس ! كان كل شئ فيه ينبض بالحياة .. بل كان عاشقاً للحياة إلى أقصى درجة .. سافر نصر واجتهد وتعب ونجح .. ثم مات فجأة .. عندما تولدت بداخله الرغبة فى الحياة تركته الحياة ….

سلام يا صاحبى وإلي لقاء فى مكان أفضل إن شاء الله .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى