د حسام الامام يكتب : واحد من الناس
>>التمييز بين نوعين من الظلم . ظلم معقول مقبول كلنا يمكن أن نتعرض له ، بل ربما لا تخلو حياة أحدنا منه سواء فى العمل أو على مستوى العلاقات الاجتماعية
“مش عايزك تنسى إن أنا خدمتك خدمة كبيرة ، تعتقد لو مكنتش دخلت السجن كنت هتبقى بالذكاء اللى انت فيه ده ، أبداً ، كنت هتبقى مجرد سكيوريتى تافه متعرفش تاخد قرار واحد فى حياتك” … آخر كلمات الراحل عزت أبو عوف لكريم عبد العزيز فى أخر مشهد من فيلم واحد من الناس .
لقطة عجيبة من الحياة تدفعك دفعاً للتساؤل : هل كلام أبو عوف صحيح ؟ هل فعلاً لابد من التعرض لظلم فاحش حتى يتحول الشخص إلى هذا المستوى من الذكاء والقدرة على التفكير واتخاذ القرار ، بل وقيادة أشخاص ربما كان لا يجرؤ على إلقاء التحية عليهم فيما مضى ؟ هل لابد من ذلك حتى ينتقل الإنسان من حال إلى حال أفضل ؟
وللإجابة على هذا السؤال وجدتنى أميل – بحكم تجاربى – إلى التمييز بين نوعين من الظلم . ظلم معقول مقبول كلنا يمكن أن نتعرض له ، بل ربما لا تخلو حياة أحدنا منه سواء فى العمل أو على مستوى العلاقات الاجتماعية بشكل أو بآخر . هناك من هزمه هذا الظلم وانهار . وهناك من قبل التحدى واعتبر ذلك الظلم حافزاً لمزيد من التحرك والتخطيط لمستقبله ، وربما للانتقام ممن ظلموه يوماً . رغم ذلك فقد رأيت كثيراً تلك الرغبة فى الانتقام وهى تتقلص وتتضاءل لتتحول فى النهاية إلى ابتسامة عند رؤية وجه الظالم وهو ينظر ويرى ما أصبح عليه المظلوم وما صار هو إليه ، والاكتفاء برؤية تعبيرات وقسمات وجهه وهو يأتى ليلقى بالتحية والسلام على من أصبح الشخصية الرئيسية فى اللقاء ، ربما أثار ذلك فى نفسه الندم على ما فعله ، وربما عض على أسنانه لائماً نفسه ، وربما يمنعه ذلك عن ظلم أحد فى المستقبل .. ربما .
ورغم ذلك الانتقام “الرقيق ” الذى قد يكون مناسباً لهذا النوع المعقول والمقبول من الظلم ، إلا أنه من غير المعقول ولا المقبول أن يصبح الظلم شرطاً للنجاح والتفوق فى العمل ، ولا أن يكون الحافز الطبيعى لدى البعض ، يرونه من البديهيات التى لا غنى عنها لنجاح المنظومة .
بالعودة إلى الظلم الواقع على بطل هذا الفيلم ، وإذا وضعنا كلمات أبو عوف ” الظالم ” فى الميزان وتساءلنا – وفقاً لكلماته – إذا عاد الزمن للوراء فما هو الاختيار الأفضل لهذا الشخص المظلوم ؟ أن يحيا مع زوجته وابنه فى أمان فى شقتهم البسيطة ، ويعمل سيكيوريتى راتبه لا يصل إلى ألف جنيه فى الشهر ويذهب لمساعدة والده فى محل العطارة مساءاً . ويخرج للفسحة مع أسرته يوم أجازته ويمضى الليل بجوار زوجته يفكران كيف يدبران المصاريف لاستكمال باقى الشهر ، ثم يناما تعباً من التفكير والعجز عن الوصول لحل ، ويظل يحلم بالأفضل ويعمل على تحقيق حلمه .
أم يصبح على ما هو عليه الآن ، سوابق خارج من السجن ، لكن أصبح له علاقات واسعة مع أكبر رجال الأعمال ، يعرفونه ويطلبونه فى مهمات صعبة ، وبمقابل كبير . يلبس أفضل الثياب ويركب سيارة ويذهب إلى النوادى الكبيرة مع ابنه ، ويساعد والده بالمال ، لكن تموت زوجته ويصبح ابنه يتيماً ويفتقد إلى الأبد حب حياته الوحيد ؟
ماذا يختار ؟؟
سؤال صعب ، فالظلم إذا كان فى مجال العمل أو افساد علاقة شخص بآخر ، أو بتصدير أقاويل وإشاعات باطلة عن الشخص . كل هذا كما قلت يمكن اعتباره من قبيل “الظلم المعقول المقبول ” الذى يمكن استيعابه وتحديه وتجاوزه ، بل وربما التغاضى عنه ومسامحة الظالم ، والرد على كل ذلك بمجرد ابتسامة باهتة .
أما أن يكون الظلم بالاعتداء على حياة الأحباء والزج بالأبرياء فى السجن ، ثم النظر إلى ذلك باعتباره فضلاً من الظالم على المظلوم كان سبباً فى ذكائه ونجاحه . هذا هو النوع الثانى من الظلم الذى أسميه “الظلم غير المقبول ولا المعقول” ، الذى يصعب استيعابه والتغاضى عنه والرد عليه بتلك الابتسامة الباهتة .