د إيمان شرف تكتب: تطبيقات تكنولوجيا النانو في علم الأحياء والطب
>>
رئيس بحوث بمعهد بحوث الصحة الحيوانية- معمل بيطرى شبين الكوم- مركز البحوث الزراعية- مصر
في البداية لابد ان اوضح معنى النانو فهوجزءا من مليار (جزء من ألف مليون ) فمثلا نانو ثانية ( وحدة لقياس الزمن ) تعني واحدا على مليار من الثانية الواحدة، وبالمثل يستخدم النانومتر كوحدة لقياس أطوال الأشياء الصغيرة جدا التي لا ترى الا تحت المجهر ( ميكروسكوب )الكتروني.
وتستخدم هذه الوحدة للتعبير عن ابعاد أقطار ومقاييس ذرات وجزيئات المواد المركبة والجسيمات المجهرية مثل البكتريا والفايروسات، والنانو متر الواحد يساوي جزءا من الف مليون (مليار) جزء من المتر و بتعبير آخر فأن المتر الواحد يحتوي على مليار جزء من النانو متر.
وللمقارنة فأن النانو متر الواحد يعادل قياس طول صف مكون من 13 ذرة من ذرات غاز الهيدروجين اذا ما تخيلنا أنها وضعت متراصة بعضها بجوار البعض .يبلغ مقياس أطوال بكتريا الكوليرا نحو 1 ماكروميتر وهو ما يعادل 1000 نانو متر.
المركبات النانوية Nanocomposites
هي عبارة عن مواد يضاف إليها جسيمات نانوية خلال تصنيع تلك المواد، ونتيجة لذلك فإن المادة النانوية تُبدي تحسناً كبيراً في خصائصها. فعلى سبيل المثال، يؤدي إضافة أنابيب الكربون النانوية إلى تغيير خصائص التوصيلية الكهربية والحرارية للمادة.
وقد يؤدي إضافة أنواع أخرى من الجسيمات النانوية إلى تحسين الخصائص الضوئية وخصائص العزل الكهربي وكذلك الخصائص الميكانيكية مثل الصلابة والقوة. يجب أن تكون النسبة المئوية الحجمية للجسيمات النانوية المضافة منخفضة جداً في حدود 0.5 إلى 5%.
وتعد المواد النانوية هي مواد البناء للقرن الحادي والعشرين ولبناته الأساسية والركن المهم من اركان تكنولوجيات القرن الحادي والعشرين (تكنولوجيا النانو تكنولوجيا الحيوية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) والتي تعتبر معيارا لتقدم وحضارة الأمم ومؤشرا لنهضتها.
هذا وتتنوع المواد النانوية من ناحية المصدر ،حيث تختلف باختلاف نسبها ،كأن تكون مواد عضوية أو غير عضوية او مواد طبيعية أو مخلَّقة. هذا وتعد جميع انواع المواد الهندسية المعروفة مثل العناصر الفلزية وسبائكها، واشباه الموصلات و الاكاسيد والمعادن.
وفيما يلي بعض خواص المواد النانوية:
الخواص الميكانيكية: تأتي الخواص الميكانيكية على رأس الخواص المستفيدة من تصغير حجم حبيبات المادة ووجود أعداد ضخمة من الذرات على أوجه سطحها الخارجي، حيث ترتفع درجة صلادة المواد الفلزية وسبائكها، وتزيد مقاومتها لمواجهة الاجهادات والأحمال الواقعة عليها، كما يتم إكساب المواد السيراميكية قدر كبير من المتانة والقابلية للتشكيل وتحمل إجهادات لم تكن تتوفر بها، وهذا يعنى تخليق أنواع جديدة من تلك المواد
النشاط الكيمائي: يزداد النشاط الكيمائي للمواد النانوية لوجود أعداد ضخمة من ذرات المادة على أوجه أسطحها الخارجية، حيث تعمل كمحفزات تتفاعل بقوة مع الغازات السامة، مما يرشحها لأن تؤدي الدور الأهم في الحد من التلوث البيئي، كما تعد خلايا الوقود أحد التطبيقات قليلة التكلفة للمحفزات النانوية، ومن أهم مصادر الطاقة الجديدة والنظيفة
الخواص الفيزيائية : تتأثر قيم درجات انصهار المادة بتصغير أبعاد حبيباتها، فدرجة انصهار الذهب في حجمه الطبيعي التي تصل إلى 1064 درجة حرارة، تقل إلى 500 درجة بعد تصغير حبيباته إلى نحو 1.35 نانومتر
الخواص البصرية : من المدهش والمثير أن لون الذهب الطبيعي – الأصفر الذهبي – يتغير إلى لون شفاف عند تصغير حبيباته إلى أقل من 20 نانومتر، كما تتحول ألوانه من الأخضر إلى البرتقالي ثم الأحمر مع زيادة تصغير أحجامها، وهذه الخاصية تمكننا من صناعة شاشات عالية الدقة فائقة التباين ونقاء الألوان، مثل شاشات التلفاز والحاسبات والتليفون النقال الحديثة
الخواص المغناطيسية : كلما صغرت حبيبات المواد وتضاعف وجود الذرات على أسطحها الخارجية، كلما ازدادت قوة وفاعلية قدرتها المغنطيسية، مما يمكننا من استخدامها في المولدات الكهربية الضخمة، ومحركات السفن، وصناعة أجهزة التحليل فائقة الدقة، والتصوير بالرنين المغنطيسي
الخواص الكهربية: يؤدي تصغر أحجام حبيبات المواد إلى أقل من 100 نانومتر إلى تزايد قدرتها على توصيل التيار الكهربي، بما يمكننا من استخدام هذه المواد في صناعة أجهزة الحساسات الدقيقة والشرائح الإلكترونية
الخواص البيولوجية : زيادة قدرة المواد النانوية على النفاذ واختراق الموانع والحواجز البيولوجية، وتحسين التلاؤم والتوافق البيولوجي، مما يسهل وصول الأدوية والعقاقير العلاجية للجزء المصاب عبر الأغشية والأوعية الدموية
ولم تكن لتكنولوجيا النانو أن تبلغ ما وصلت اليه اليوم ألا من خلال اختراع وابتكار عدة تقنيات فريدة كان من شأنها أن تمكن تلك التكنولوجيا من التحكم في البنية الجزئية Molecular Structure التلاعب بذرات المادة وتصميمها وفق البوليمرات Polymers تعد بمنزلة المواد الأولية التي تعتمد عليها تكنولوجيا النانو في تحضير وإنتاج المواد والاجهزة النانوية وتمنح المادة الصفة (النانوية)أذا ما كانت مقاييس أحد أبعادها – بعد واحد على الأقل – ما دون 100 نانو متر
وفيما يلي أهم التطورات في مجال تكنولوجيا النانو، وكلها تتعلق بمجال الرعاية الطبية والوقاية من الأمراض، ولها آثار مهمة على المجال. ومع المزيد من البحث، يمكن لهذه التقنيات أن تساعد في فعالية وكفاءة الرعاية وربما إنقاذ الأرواح:
طب النانو لتشخيص الحالة الصحية:
ان تكنولوجيا النانو تتيح للانسان انتاج مواد ومصنعات جديدة من خلال التالعب بذرات المادة واعادة ترتيبها بالشكل والحجم المناسبين لكي تظهر معها صفات جديدة لم تكن متأصلة فى المادة الاصلية . وقد ادى التحكم في هيكلة المواد المستخدمة كعقاقير طبية وتصغير احجام حبيباتها الى زيادة في قدرات وخواص تلك المواد مما سمح لها بالتفاعل والتطبيق مع محتويات خلايا االاعضاء الحية.
الكشف المبكر عن األورام السرطانية:
لقد اتاحت تكنولوجيا النانو آفاقا جديدة و إضافات فريدة لعمليات التشخيص المبكر للسرطان من خلال فئة متقدمة من المواد تعرف باسم البلورات النانوية التي يطلق عليها ايضا أسم النقاط الكمية لاشباه الموصلات ( الكادميوم سيلينيد أو الكادميوم سلفيد وغيرهما) والتي يتم تحضيرها على هيئة حبيبات كروية الاشكال ذات أبعاد متجانسة تتراوح اقطارها بين 2 و 31 نانومترات.
ونظرا الى تدني أحجام تلك البلورات النانوية فأنها تسلك سلوك الذرة االاحادية ومما يؤهلها للتمتع
بخواص بصرية وموصلية متميزة لا تمتلكها اي مادة اخرى لاشباه الموصلات ولضمان عدم تعرض خلايا الجسم للتسمم بهذه المواد المعروفة بشدة السمية فأن حبيبات البلورات تغلف بطبقتين ، الطبقة الاولى مكونة من سلفيدات الزنك والطبقة الخارجية للحبيبة مكونة من مادة السليكا فعند حقن المصاب بمحلول يحتوي على تلك الحبيبات فأن االاجسام المضادة المشتقة من بروتينات الخلايا السرطانية والعالقة بسطح الحبيبات تقوم بدور المرشد في توجيه الحبيبات الى مواقع الخلايا السرطانية بالجسم دون غيرها من الخلايا غير المصابة.
موصلات الدواء لاستهداف السرطان
قام التقدم المذهل في بحوث علم وتكنولوجيا النانو الى ابتكار انواع متميزة من موصلات الادوية المتخصصة في قهر وازالة ما يعرف بسرطان الخلايا النجمية الذي يعد اكثر واخطر انواع
السرطانات التي تصيب خلايا المخ ، والتي تمثل اكثر من40 في المائة من حلات االاصابة
بأورام المخ .لاشك فيه ان وجود هذا الورم في ذلك المكان الدقيق والحساس يشكل صعوبة بالغة
للاطباء في التعامل الجراحي معه او العلاج االاشعاعي له. هذا وقد دافعت ادارة االاغذية والادوية الامريكية فى عام 2005 على التصريح باستخدام احد ادوية النانو الاكثر شهرة فى العالم لعالج FDA
عالج سرطان الثدي وبنجاح.
قذائف الذهب النانوية لقهر السرطان:
قد ارتبطت الحبيبات الذهبية باسم القذائف لانها تنطلق عند حقنها بالجسم مثل طلقات القذائف الموجهة لتصيب الخلايا او الورم السرطاني في مقتل دون غيره من الخلايا كذلك تسمى حبيبات الصدفيات النانوية . ووجود نسبة ضئيلة من الحبيبات الذهبية داخل الجسم بعد الانتهاء من مهامها القتالية لا يسبب اي مشاكل صحية لان فلز الذهب يتوافق مع االاوساط البيولوجية لجسم االنسان ولا يسمم الجسم.
تكنولوجيا النانو للوقاية من البكتيريا والجراثيم
اجرت بعض الشركات خلال السنوات الاولى من بداية هذا القرن العديد من الابحاث العلمية المثيرة على الحبيبات النانوية لفلز الفضة لمعرفة مدى امكانية توظيفه في مجال مقاومة العدوى وقتل الانواع المختلفة من البكتيريا الضارة والفيروسات . وقد اشارت النتائج الى ان الحبيبات البلورية لفلز الفضة لها قدرة مدهشة على قتل انواع متعددة من البكتيريا الضارة والفيروسات والجراثيم . وذلك يرجع الى تصغير تلك الحبيبات الى أقطار تقل عن5 نانومترات يعمل على زيادة كبيرة في مسحة السطح للحبيبات
ومع تناقص اقطار الحبيبات وزيادة مساحة السطح تتولد لدى ذرات عنصر الفضة الموجودة بلب
الحبيبات النزعة في الهجرة الى السطح الخارجي للحبيبات مما يؤدي الى زيادة كبيرة في نشاطها
الكيميائي وكذلك زيادة في تفاعلها مع أوكسجين الهواء الجوي ونتيجة لذلك تتكون أيونات الفضة السامة التي تكون مسؤولة عن قتل الجراثيم والفيروسات .
إن استخدام المضادات الحيوية لقتل البكتيريا سيذوب بين طيات الماضي بعد أن يطور العلماء تقنية نانوية لقتل أنواع مختلفة من البكتيريا قد تشكل بديلا فعالا وغير خطر على صحة الإنسان لمضادات الحيوية في المستقبل القريب.
إن التطور الحديث في تقنية النانو أدى أيضًا إلى الانتشار السريع لهذه المواد في البيئة، كما أن التأثيرات المتوقعة لهذه المواد على البيئة مازالت مجهولة حتى الآن. فبالرغم من التطبيقات والاستخدامات العديدة لتقنية النانو في المجالات المختلفة، فإننا لازلنا نفتقد معلومات عن مسار وسلوك هذه المواد، بالإضافة إلى تأثيراتها المختلفة على صحة الإنسان وبيئته
أن الحماية من هذه المخاطر المحتملة لتقنية النانو تتطلب تمييزَ خصائصِ كلِّ الجسيمات والمركَّبات النانوية، ومعرفةَ تأثيراتِها على الخلايا وأعضاء جسم الإنسان، ووضْعَ قوانين لتصنيفها وتنظيم أساليب تداولها؛ فالأساليب المتوفرة لا تتناسب مع شدة الأخطار المرتبطة بالجسيمات النانوية، خاصة تلك الأساليب المستخدمة في دراسة السميات في البيئة
إن مايعقد معرفة التأثيرات الصحية والبيئية المحتملة لتقنية النانو، هوان المُنتجات النانوية التي تصنع مازالت مجهولة، إلى حد ما، كما أن أجهزة اكتشاف الجسيمات النانوية وقياسها في الهواء والماء والتربة مازالت قاصرة.