الأخبارالمياهحوارات و مقالات

د عبدالفتاح مطاوع يكتب: هل حرب السمسم وراء فشل مفاوضات سد النهضة الحالية؟

>> تحليل التاريخ والنزاعات الحدودية بين السودان وأثيوبيا وإرتيريا تكشف مستقبل المفاوضات

يري كثير من المحللين ان الجانب الاقتصادي هو العامل المشترك في نجاح أو فشل مفاوضات المياه أو ما يطلق عليها مفاوضات سدود الأنهار المشتركة، وهو ما يطلق مجازا علي جميع الحروب التاريخية لأسباب إقتصادية في المقام الأول ومنها حرب الأفيون وحرب الشاي، وقد ينتقل الأمر إلي ما يطلق عليه حاليا حرب السمسم وهي في المناطق المنزرعة بالمحصول الهام علي المستوي الدولي لمساهمته في إنتاج الزيوت الأكثر طلبا في العالم.

والسؤال هو لماذا تفشل مفاوضات سد النهضة؟ وهل الفشل يرجع للسيطرة على الموارد المائية لنهر النيل، أم أن هناك جانب آخر يؤجج الصراع حول المياه ومواصلة مسلسل السدود المائية في منطقة سد النهضة، وهو ما يفسر خبراء في مجال الزراعة بأن حرب السمسم وراء مواصلة الخلافات الدائرة حاليا.

في منطقة القرن الأفريقي، تمثل عائدات مبيعات السمسم مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية المطلوبة لسداد الديون، أو لشراء اللوازم أساساً من سلاح ومعدات وغذاء ودواء من الخارج، و ما خفي كان أعظم.

كما تمثل عمليات زراعة السمسم وحصاده أسواق للحصول على العمالة الكثيفة، أساساً من إثيوبيا فى مناطق إنتاج السمسم بالسودان، ولمساحات الأراضى الشاسعة بالسودان التي تعَود مُلاكها تأجيرها لمزارعين من إثيوبيا، والتي تجرأ مزارعوها من الأمهرة و التيجراي و ميليشياتهم المدعومة من القوات الإثيوبية على احتلال منطقة الفشقة بولاية الغضارف السودانية، و حديثاً من القوات الأرتيرية على دعم القوات الإثيوبية في حربها ضد قوات الجيش السوداني وملاك أراضيه.

لذلك من يتنازل عن أراضي إنتاج السمسم، هو أشبه بمن يتنازل أو يبيع كلمة السر، التي عرفها وعرفنا بها على بابا للحصول على الثروة الموجودة بالمغارة!

وهنا نبدأ البحث في قصة حرب السمسم في منطقة سد النهضة والتي تنتشر في مثلث داخل السودان وأثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان  ومنها منطقة جانبيللا بنهاية نهري البارو و الأكوبو على رافد نهر السوباط، الذي يغذي النيل الأبيض على الحدود الإثيوبية مع جنوب السودان، بالإضافة إلى مناطق أخرى داخل دول منطقة القرن الأفريقي حيث تتركز زراعة السمسم  في العديد من المناطق الحدودية بين إثيوبيا و السودان فى منطقة بنى شنقول، حيث موقع سد النهضة على النيل الأزرق وعلي مسافة 40 كم من الحدود السودانية الأثيوبية، ومنطقة الغضارف السودانية حيث روافد نهر النيل الأزرق و نهر عطبرة و قبيلة الأمهرة الاثيوبية، ومنطقة حميرا على الحدود السودانية الإرتيرية الإثيوبية حيث إقليم التيجراي الإثيوبي محل الصراع الأثيوبي الداخلي إنتهت باعتداءات من قوات أرتيريه لدعم قوات أثيوبية على مواطنين وقوات سودانية.

دعونا نفتح المزيد من التفاصيل عن حقيقة العلاقة بين السدود الأثيوبية وحرب السمسم، حيث أن معظم إنتاج السمسم يتم في مناطق الزراعات المطرية في منطقة القرن الإفريقي، حيث معدلات الأمطار تترواح ما بين 500 إلى 900 ميليمتر سنوياً، وعلى الأخص في أجزاء من مساحات شاسعة من ولاية الغضارف السودانية، و التي تبلغ مساحتها قرابة 19 مليون فدان، و هي تقارب ضعف المساحة الزراعية المأهولة في مصر، و بها ثروة حيوانية تقارب في أعدادها الثروة الحيوانية بمصر.

بالإضافة إلى الزراعات المطرية، توجد بعض المساحات المحدودة من الزراعة المروية من محصول السمسم، يتم ريها من مياه نهر الرهد  ومعظم أراضي زراعة السمسم تقع في سفوح الجبال و نهاية المرتفعات الإثيوبية عند الحدود السودانية، و مناطق السهول الفيضية في الفشقة و حميرا و بنى شنقول و جانبيللا، و التي سبق أن زرتها برحلتين بالطائرات المروحية الإثيوبية في العامين 2000 و 2001 ، بالإضافة إلى زيارة منطقة الغضارف السودانية، سلة غذاء السودان في عام 2004.

ومدة موسم زراعة السمسم حوالي أربعة شهور، و مدة حصاده حوالي أسبوعين، و هي الفترة التي تحتاج إلى عمالة كثيفة، لجمع المحصول و تجهيز السمسم، أساساً للتصدير للعالم الخارجى في مصر و الصين و دول جنوب شرق آسيا و غيرها .

سبق و أن تنبأ الخبراء من مجموعة الكوارث الدولية  قبل ظهور نتائج الحرب التي أعلنها آبى أحمد رئيس الوزراء الاثيوبي، و أوامره للجيش الفيدرالي الأثيوبي بالهجوم على إقليم التيجراي الأثيوبي – بأن منطقة القرن الأفريقي ستدخل في حروب إقليمية، و ها هي طبول تلك الحرب الاقليمية تدق، وتتأكد الحرب كل يوم من خلال تصريحات أحد الجنرالات الإثيوبيين بضلوع أرتيريا في المساعدة في الحرب ضد التيجراي، و تصريحات الجيش السوداني عن دعم الجيش الأرتيري للقوات الإثيوبية في مهاجمة القوات السودانية.

الغريب في حرب السمسم، أن تدّعى أثيوبيا على لسان مسئوليها أن هناك قوى إقليمية تشعل هذه الحرب، و يقصدون منها مصر، في حين أنهم ينسون أو يتناسون أنهم هم من أشعلوا كل الصراعات داخل حدودهم و خارجها مع جيرانهم .

لذلك فإن ثروة السمسم وأراضيه ومياهه وعمالته الكثيفة تقف كأسباب حقيقية خلف هذه الحروب الحدودية، والقوات الأجنبية المشاركة في حرب السمسم الحدودية هي تعبير عن تلك المصالح، لكن السياسة هي التي تقود هذه الحرب، وما الحرب إلا استكمال للسياسة واستمرار لها ولكن بأساليب عنيفة، فمن يوقف هذه السياسة التي تشعل حرب السمسم الحدودية في حوض النيل وفي القرن الأفريقي؟

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى